ليست كل حركة عمل، ولا كل اجتماع تقدم. وفي زمن تتسارع فيه المتغيرات وتزداد فيه توقعات المجتمع والمؤسسات، أصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل نحن ننجز فعلًا... أم نكرر الحركة فقط؟ في بيئة العمل، من السهل جدًا أن ننشغل: جداول مكتظة، بريد لا يتوقف، محاضر تُكتب، عروض تُراجع، وتقارير تزداد حجمًا كل شهر. لكن الانشغال لا يساوي قيمة ما لم يتحول إلى أثر. فالإنتاج الحقيقي لا يُقاس بعدد الملفات المفتوحة، بل بعدد النتائج التي تُغيّر واقعًا، وتخلق قيمة، وتُرى من الجمهور الذي نخدمه. هناك نوعان من المؤسسات: مؤسسات تركز على "إدارة الوقت"، ومؤسسات تركز على "إدارة الأثر". الأولى تقيس كل خطوة، والثانية تقيس ما وصلت إليه تلك الخطوة. والفرق بينهما هو ما يصنع الفارق بين إدارة تتابع مؤشرات، وإدارة تصنع تقدمًا. ليس المطلوب أن نعمل أكثر، بل أن نعمل أذكى. أن نختار أولوياتنا بوضوح، ونمنح فرق العمل الثقة والصلاحية، ونتعامل مع الأفكار على أنها أصول نطوّرها لا معارك نكسبها أو نخسرها. فالثقة لا تُبنى بالكلام، بل بقدرة المؤسسة على تحويل خططها إلى نتائج، وميزانياتها إلى أثر، واجتماعاتها إلى قيمة محسوسة. التحول الوطني اليوم لا ينتظر بطئًا، ولا يكافئ الحركة بلا جدوى. نعيش مرحلة تستثمر في الإنسان قبل النظام، وفي الفكر قبل الإجراء، وفي الأثر قبل العروض المرئية. لذلك، التحدي الحقيقي ليس في صياغة الخطط، بل في صناعة الثقافة التي تجعل التنفيذ قيمة يومية، لا مهمة موسمية. إنّ الفرق بين الانشغال والإنجاز يشبه الفرق بين من يسير بلا خريطة، ومن يعرف إلى أين يتجه ولماذا. الأول يتحرك كثيرًا، والثاني يصل أسرع حتى لو بدأ متأخرًا. وفي النهاية، ما يتذكره الناس ليس عدد الساعات التي قضيناها في العمل، بل ما تركناه بعد تلك الساعات من أثر.