عقب انتهاء الحرب في غزة، بدأت الدول الكبرى من أبرز مصدري السلاح إلى إسرائيل بإجراء مراجعة داخلية شاملة لسياساتها الدفاعية، في خطوة تعكس تحولًا واضحًا في المعايير الأخلاقية والقانونية لتجارة السلاح. هذه الخطوة لم تكن سياسية بحتة، بل جاءت استجابة لضغوط متزايدة من مؤسسات حقوقية وبرلمانات وطنية طالبت بربط تراخيص التصدير بسلوك الدول المستوردة خلال النزاعات. الضغوط الحقوقية والقانونية وخلال الأشهر الأخيرة من الحرب، تصاعدت الانتقادات ضد استمرار تدفق السلاح رغم التقارير التي وثقت خسائر بشرية واسعة بين المدنيين. ومع توقف العمليات العسكرية، انتقلت القضية إلى أروقة التحقيقات القانونية، حيث فتحت لجان برلمانية في عدد من الدول الأوروبية ملفات صادراتها إلى إسرائيل، وسط تساؤلات حول مدى التزامها بالقانون الدولي الإنساني. وتحت هذه الضغوط، بدأت بعض الحكومات بالتعامل مع ملف تصدير الأسلحة كمسؤولية قانونية وأخلاقية مشتركة، وليست مجرد معاملة تجارية. هذا التحول أرسى مرحلة جديدة في ضبط العلاقة بين السياسة الدفاعية والالتزامات الإنسانية. المصالح والاعتبارات وتباينت مواقف الدول المصدرة بين من علق تراخيص التصدير مؤقتًا ومن واصل الإمداد بشروط قانونية صارمة. تلك المراجعات كشفت عن معادلة معقدة تجمع بين المصالح الأمنية والاقتصادية من جهة، والضغوط الحقوقية من جهة أخرى. وبعض الحكومات رأت في التعليق المؤقت خطوة تكتيكية لتخفيف الضغط الشعبي والدبلوماسي، فيما رأت أخرى ضرورة استراتيجية لإعادة ضبط ميزان التزاماتها الدولية، خصوصًا مع تزايد المطالبات بفرض قيود على الأسلحة التي تُستخدم في مناطق النزاع المدني. تجارة السلاح وتظهر المؤشرات أن مرحلة ما بعد الحرب ستفرض واقعًا مختلفًا في منظومة تجارة الأسلحة الدولية. فالمراجعات التي بدأت في أوروبا لا تقتصر على إسرائيل، بل تمتد إلى كل دولة يثار حولها جدل حقوقي في نزاعات مسلحة. ومن المرجح أن يتحول هذا النهج إلى سياسة دائمة تدمج البعد الإنساني ضمن معايير التقييم الدفاعي. كما بدأت بعض الحكومات بتطوير آليات جديدة لمتابعة الاستخدام الميداني للأسلحة بعد تصديرها، لضمان توافقها مع مبادئ القانون الدولي. وهذه الإجراءات تفتح الباب أمام تحوّل تدريجي في بنية سوق السلاح العالمي، حيث تصبح الرقابة والمساءلة جزءًا من شروط البيع والتوريد. واشنطن وفي الوقت الذي تبنت فيه العواصم الأوروبية مسارًا متحفظًا وبدأت مراجعات قانونية، حافظت الولاياتالمتحدة على موقف داعم لإسرائيل دون تغيير جوهري في سياساتها الدفاعية. واشنطن اعتبرت أن تعاونها العسكري مع تل أبيب يدخل ضمن «ضمانات الدفاع المشترك»، رافضة إدراج الحرب الأخيرة ضمن أسباب تقييد الصادرات. هذا التباين بين ضفتي الأطلسي يعكس اختلافًا جوهريًا في رؤية كل طرف لطبيعة العلاقة مع إسرائيل: الأوروبيون ينظرون إلى المسألة من زاوية قانونية وإنسانية، بينما الأميركيون يضعونها في إطار استراتيجي يرتبط بتوازنات الأمن الإقليمي. هذا التباين يُرجح أن يخلق شرخًا نسبيًا داخل التحالف الغربي بشأن مستقبل التعاون العسكري مع إسرائيل في السنوات المقبلة. المملكة المتحدة ورغم أن بريطانيا لم تصدر أسلحة رئيسية لإسرائيل منذ السبعينيات، فإنها ظلت موردًا مهمًا للمكونات العسكرية مثل أنظمة الرادار وأجزاء مقاتلات F-35. وفي عام 2024، علقت لندن نحو 30 ترخيصًا لتصدير معدات قد تُستخدم في العمليات الهجومية، مما أثار جدلًا واسعًا في البرلمان. لاحقًا، رفضت المحكمة العليا دعوى طالبت بوقف تصدير مكونات F-35، مؤكدة أن القرار يندرج ضمن صلاحيات الحكومة. وفي المقابل، انسحبت إسرائيل من معرض الأسلحة في لندن احتجاجًا على القيود البريطانية المتزايدة. فرنسا ولم تصدر فرنسا أسلحة رئيسية لإسرائيل منذ 1998، لكنها واجهت ضغوطًا داخلية لكشف تفاصيل تعاملاتها الدفاعية. وردًّا على ذلك، رفع وزير القوات المسلحة السرية عن وثائق أوضحت أن صادرات 2024 اقتصرت على مكونات دفاعية لأغراض وقائية أو لإعادة التصدير. وتقرير برلماني لاحق أظهر انخفاض الصادرات إلى النصف مقارنة بعام 2023، فيما شددت باريس القيود على مشاركة الشركات الإسرائيلية في معارضها الدفاعية، مما عكس تحولًا نحو نهج أكثر حذرًا وشفافية. إسبانيا واتخذت مدريد أكثر المواقف الأوروبية صرامة، إذ لم تصدر أي أسلحة فتاكة لإسرائيل منذ 2001. وفي سبتمبر 2025، أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قانونًا دائمًا يحظر بيع أو شراء الأسلحة من إسرائيل، ويمنع عبور الطائرات العسكرية الإسرائيلية في الأجواء الإسبانية. كما ألغت الحكومة عقودًا دفاعية قائمة مع شركات إسرائيلية، تأكيدًا لالتزامها بمبدأ «التوازن بين المصالح الوطنية والاعتبارات الإنسانية». العلاقات الدفاعية وإعادة التقييم التي أجرتها الدول المصدّرة للسلاح بعد الحرب تمثل منعطفًا دقيقًا في العلاقات الدفاعية مع إسرائيل. فهي ليست مجرد مراجعة فنية أو سياسية، بل هي تعبير عن تحول أخلاقي أعمق في الوعي الدولي، حيث لم يعد السلاح يُنظر إليه كأداة سيادة، بل كعامل خاضع للمساءلة. ورغم أن هذه السياسات الجديدة لا تزال في بداياتها، فإنها تشير إلى أن مرحلة ما بعد الحرب قد تعيد رسم خريطة العلاقات العسكرية في المنطقة، وتضع إسرائيل تحت رقابة قانونية غير مسبوقة من شركائها التقليديين في الغرب. المؤشرات البيانية وتبيّن البيانات التحليلية أن المراجعات الجارية تشمل ثلاثة محاور رئيسية: أولها، فحص شامل لتراخيص التصدير ومتابعة مسار استخدام السلاح ميدانيًا لضمان عدم توظيفه في أعمال قتالية تخالف القانون الدولي. ثانيها، ارتفاع الضغوط الحقوقية والسياسية داخل البرلمانات الأوروبية، مما دفع الحكومات إلى تعزيز شفافية إجراءات التوريد وربطها بتقارير المراقبة المستقلة. أما المحور الثالث، فيتعلق بالانعكاسات الإقليمية، حيث تشير التحليلات إلى تباطؤ ملحوظ في تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، وظهور اتجاهات لإعادة ترتيب العلاقات الأمنية في الشرق الأوسط على أسس أكثر حذرًا.