يمسك بين يديه جهازًا لوحيًا صغيرًا، يتنقّل بين التطبيقات والألعاب بلمسات سريعة. يبتسم للشاشة كأنها صديق، يحادثها كأنها تفهمه، ويتذمر إن توقفت، وكأن الحياة توقفت معها.. حوله ضجيج الحياة، لكنه لا يسمعه.. يعيش داخل عالمه الرقمي، لا يلتفت لما حوله، ولا يشعر أن شيئًا ينقصه. هذا هو الجيل الجديد.. جيل وُلد ولم يعرف طعم الحياة الاجتماعية الحقيقية، ولا جلس على عتبة بيتٍ ينتظر رفاق الحارة، ولا ينتظر أصدقاءه ليلعب معهم كرة القدم، أو يتسابقوا بالدراجات في آخر الشارع. جيل يرى العالم من خلال شاشة زجاجية، ويتعامل مع الخيال كأنه واقع، والواقع كأنه محتوى، يحرره ويعدله ويختار له الزاوية المناسبة قبل أن يعيشه. إنه جيل الألفا... الجيل الذي وُلد في قلب الثورة الرقمية، ونما بين الشاشات قبل أن ينطق أولى كلماته. جيل لم يعرف الحياة دون إنترنت، ولم يختبر الملل الذي اختبرناه؛ ذلك الملل الذي كان يصنع فينا فكرة، ويزرع فينا حلمًا، ويجعلنا نبحث عن معنى في الأشياء من حولنا. جيل يعيش في زمنٍ لا يعرف الانتظار، فكل شيء فيه حاضرٌ بلمسة إصبع. في البداية، دعونا نعرّف هذا الجيل الجديد: جيل الألفا. هو الجيل المولود تقريبًا بين عامي 2010 و2025، أي بعد جيل زد (ذلك الجيل الذي وُلد ما بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وكان أول من نشأ مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي). لكن جيل الألفا ذهب أبعد من ذلك؛ فهو أول جيل وُلد بالكامل في القرن الحادي والعشرين، محاطًا بالتقنية منذ لحظاته الأولى: الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، خدمات البث، والتعليم عبر الإنترنت. وبحسب موسوعة بريتانيكا وموقع إنفستوبيديا، يُعدّ جيل الألفا الأكثر تعرّضًا للتقنيات الرقمية في التاريخ، والأكثر تنوعًا ثقافيًا واجتماعيًا. كما أن جائحة كوفيد-19 أسهمت في تشكيل تجربته المبكرة، لتجعله أكثر اعتمادًا على الشاشات والتعليم عن بُعد، وأقل احتكاكًا بالعالم الواقعي من الأجيال السابقة. دخل هذا الجيل في دوامة جديدة، وهي الذكاء الاصطناعي. أصبح يستخدمه بكثرة، سواء في التعلم، الترفيه، أو حتى في التعبير عن نفسه وإنتاج محتوى. صار يبتكر ويخلق عالمه الخاص به غير مكتف بمشاهدة الفيديوهات أو اللعب على الشاشات، يتواصل مع «الذكاء الاصطناعي» كأنه رفيق أو معلم خاص، ويستفيد منه في أشياء لم نكن نتخيلها قبل بضع سنوات. شاهدت الكثير من مقاطع الفيديو التي تُظهر بعض الأطفال وهم يشرحون كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مشاريع تعليمية، أو تطوير ألعاب تفاعلية، أو حتى تحليل بيانات بسيطة لتوضيح فكرة علمية لأقرانهم. أبهرني كثيرًا ما رأيته من هؤلاء الأطفال الذين لم يعودوا مجرد مستهلكين للتكنولوجيا، بل أصبحوا صُنّاع محتوى ومُعلّمين صغار، يبرهنون على قدرة الجيل الجديد على الاستفادة من الأدوات الرقمية لتعزيز الإبداع والتعلم، وبناء مهارات لم تكن متاحة للأجيال السابقة في هذا العمر المبكر. فنحن مقبلون على مرحلة يظهر فيها الأطفال الصغار متعلمين وواعين أكثر من أي وقت مضى، قادرين على التعامل مع أدوات لم نكن نتصورهم يستخدمونها في أعمارهم الصغيرة. لكن مع هذا الوعي المبكر والإبداع المتزايد، يراودنا سؤال: كيف يمكننا تزويد أطفالنا بالتوجيه السليم والحدود الصحية، بحيث يستفيدون من هذه الأدوات الذكية دون أن يغرقوا في عالم افتراضي يفصلهم عن الواقع والتجارب الإنسانية الحقيقية؟ ومن هنا تأتي أهمية التعرف على أبرز التحديات التي يواجهها جيل الألفا، لنفهم كيف يمكن توجيههم بشكل أفضل. فالاعتماد الزائد على التكنولوجيا منذ الصغر قد يؤدي إلى ضعف المهارات الحياتية التقليدية، مثل حل المشكلات بعيدًا عن التطبيقات أو التفاعل المباشر مع الآخرين. كما أن قلة التفاعل الاجتماعي الواقعي تمثل تحديًا آخر، إذ يميل الأطفال إلى قضاء وقت أطول في العالم الافتراضي، فيقلل من فرص التواصل وجهًا لوجه ويؤثر في تنمية مهاراتهم الاجتماعية. بالإضافة إلى أن التعرض المستمر للمحتوى الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي قد يضعهم تحت ضغوط نفسية متنوعة، مثل القلق، المقارنة مع الآخرين، أو فقدان التركيز. هذه المخاطر بلا شك ستكون محور تفكير الأسر في السنوات القادمة، فهذا الجيل، رغم ذكائه وإبداعه المبكر، يحتاج إلى إرشاد مستمر وتوازن صحي بين العالم الرقمي والحياة الواقعية. من الضروري أن يكون الآباء والمربون شركاء نشطين في رحلة تعلم الأطفال، يضعون حدودًا واضحة لاستخدام الأجهزة، ويشجعون على التفاعل الاجتماعي والأنشطة غير الرقمية، مثل الرياضة، القراءة، والتجارب العملية. كما يجب تعليمهم التفكير النقدي وفهم مخاطر المحتوى الرقمي، مع تزويدهم بفرص للإبداع باستخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة. بهذه النظرة، يمكننا تحويل التحديات إلى فرص، ليصبح أطفال جيل الألفا قادرين على الاستفادة من أدوات العصر الرقمي دون أن يغرقوا في عالم افتراضي يعزلهم عن الواقع وتجارب الحياة الحقيقية. إذًا فلنسمح لهذا الجيل بالابتكار والتعلم الرقمي، وفي الوقت نفسه نشجعه على اللعب بعيدًا عن الشاشات، التفاعل مع الآخرين، واكتشاف العالم بأحاسيسه ومشاعره. ولنتذكر أن هذه ليست المرحلة الأخيرة؛ فهناك أجيال ستأتي بعده، مثل جيل بيتا، وستحمل معها تحديات وفرصًا جديدة. مهمتنا اليوم أن نزرع في أبنائنا أساسًا متينًا من الوعي والإبداع والمسؤولية، ليكونوا جاهزين لمواجهة المستقبل بثقة وحكمة.