من غير المتوقع أن تتسلم أستراليا أي غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولاياتالمتحدة أو المملكة المتحدة قبل عام 2040، وهو موعد يرى محللون أنه سيأتي متأخراً عن الحاجة الاستراتيجية الفعلية. وتقول الباحثة الأسترالية إليزابيث بوكانان إن بلادها مطالبة بإعادة النظر في التزامها باتفاقية الغواصات مع واشنطن ولندن، معتبرة أن AUKUS «اتفاقية غير قابلة للتنفيذ لوجستياً». فجوات كبيرة عند توقيع الاتفاق عام 2021، اعتُبر خطوة استراتيجية تعزز موقع أستراليا في مواجهة التمدد الصيني بالمحيطين الهندي والهادئ. غير أن مرور الوقت كشف عن فجوات كبيرة في الجدوى والقدرة على التنفيذ. وتحول إنتاج غواصات من فئة «أستوت» AUKUS من مشروع طموح إلى عبء مالي واستراتيجي، بعد أن اتضح أن تنفيذها يواجه عراقيل بيروقراطية وتجاوزات مالية حادة، فضلاً عن ابتعادها عن احتياجات أستراليا الأمنية الآنية. ورغم خطورة التحدي الصيني، فإن الاتفاقية لم تقدّم حلولاً عملية لأمن أستراليا، بل أدخلتها في التزامات مالية طويلة الأمد دون نتائج ملموسة. إخفاق في التنفيذ كان الهدف من المشروع استبدال أسطول الغواصات الأسترالي القديم بأنظمة حديثة من بريطانياوالولاياتالمتحدة، إلا أن الجدول الزمني للتسليم تأخر كثيراً. فحتى اليوم، لا توجد مؤشرات على تسلم أستراليا لأي غواصات قبل 2040، في وقت يتوسع فيه الأسطول الصيني بشكل غير مسبوق، ويتوقع أن يمتلك أكثر من 100 غواصة نووية في ذلك الحين. وفي المقابل، تتحمل كانبيرا ديوناً ضخمة لتمويل المشروع على مدى 15 عاماً مقبلة، بينما تتعثر واشنطن ولندن في الوفاء بالتزاماتهما بسبب أزمات داخلية في قطاعات التصنيع الدفاعي. ضعف القاعدة يرى محللون أن الأزمة لا ترتبط بالمؤامرات، بل بسوء إدارة البنية الصناعية الدفاعية في الدول الغربية. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، تراجع الاستثمار في الصناعات الثقيلة لصالح نقلها إلى دول نامية، مما أدى إلى ضعف القدرات المحلية في بناء السفن والغواصات. وبرنامج الغواصات الأمريكية من فئة «فرجينيا» يعاني تأخيرات وتجاوزات في التكاليف، بينما تكافح بريطانيا للحفاظ على إنتاج غواصاتها من فئة «أستوت» وسط قيود مالية حادة. ونتيجة لذلك، أصبحت أستراليا الطرف الخاسر في معادلة لا تملك السيطرة على مخرجاتها. البديل الممكن يقترح خبراء، من بينهم بوكانان، أن تركز أستراليا على بناء قدراتها اللوجستية والبنى التحتية البحرية بدلاً من انتظار أسطولها النووي المؤجل. ويشمل ذلك تطوير الموانئ، والأحواض الجافة، ومرافق الصيانة لتصبح البلاد مركزاً محورياً لإصلاح وإمداد غواصات الحلفاء في المحيطين الهندي والهادئ. ففي حال اندلاع أي نزاع مع الصين، ستحتاج الولاياتالمتحدة إلى موانئ آمنة وقريبة من مناطق العمليات، وهو ما يمكن لأستراليا توفيره في بيرث أو داروين. واقعية أكثر التحول إلى مركز دعم وصيانة سيجعل من أستراليا شريكاً أكثر فاعلية في منظومة الردع الغربية، ويتيح لها مستقبلاً تطوير صناعتها الدفاعية تدريجياً. أما الاستمرار في مسار AUKUS الحالي، فسيبقيها رهينة تأخيرات الحلفاء وتكاليف باهظة، دون ضمان استلام غواصات في الوقت المناسب. ويمثل بناء القدرات المحلية واستعادة الخبرات الصناعية المفقودة الطريق الأصعب، لكنه الوحيد القادر على حماية المصالح الأسترالية فعلياً. فإعادة اكتساب مهارة «صناعة الأشياء المهمة»، كما يقول الخبراء، قد تحقق لأستراليا ما عجزت عنه الاتفاقيات الباهظة والموعودات غير المنجزة.