يحاول الفيلسوف الكوري بيونغ تشول هان، التأمل في روح الأمل وكأنه يحاول أن ينتشلنا من مستنقع كآبة هايدغر، ذاك الرجل الذي لم يرَ في الوجود سوى حفرة عميقة من العزلة والقلق. ولكن بدلًا من أن نمد حبل النجاة، قرر هايدغر أن يعطينا درسًا في السباحة داخل الفراغ. الكرب عنده ليس مجرد حالة طارئة، بل هو قانون أزلي يقيدنا بسلاسل غير مرئية ويغلق أمامنا أبواب الزمن المقبل. المستقبل عنده أشبه بمحطة قطار أُقفلت للأبد بسبب «أعمال صيانة وجودية». ومن فرط تشاؤمه، جعل من الإنسان سجينا في ذاته، وكأن أي محاولة للانفتاح على الآخر ليست إلا مؤامرة للسيطرة والإخضاع. حتى «الحرص على الآخر» عنده إما استعباد ناعم أو عزل أنيق، وكأن التضامن والمحبة والتعاطف مجرد عبارات شعرية لا مكان لها في قاموس الوجود. لكن بيونغ تشول هان، وهو يمسح نظارته الفلسفية، يلتقط الخيط المقطوع: ماذا لو كان الأمل هو الوجه الآخر للوجود؟ ماذا لو لم يكن الوعي مجرد احتفال بالكرب، بل أيضًا احتفال بإمكانية الغد؟ الأمل لا يقف عند عتبة الذات الضيقة، بل يقفز نحو الآخر، نحو شيء يتجاوزني ويجعلني أرفع رأسي من هاوية اليأس. وهنا نستحضر كلمات غابرييل مارسيل: «بالتفكير فينا، وضعتُ آمالي فيك» جملة كهذه كانت كفيلة بجعل هايدغر يبتسم ابتسامة صفراء قبل أن يعيدنا مجددًا إلى قبو العزلة. الأمل لا يحتاج إلى جدول أعمال ولا إلى أهداف إستراتيجية لعام 2030. هو ليس عقد عمل ولا خطة خمسية. الأمل حالة ذهنية، ضبابية ربما، لكنها تفتح لنا العالم قبل أن ندرك حتى تفاصيله. على عكس الرغبة أو التوقع، اللذين يتشبثان بشيء محدد كمن يلاحق عربة هاربة، الأمل يترك الباب مواربًا لأي شيء قادم، لأي اختلاف مدهش. أما إرنست بلوخ، فقد قرر أن يهبط الأمل من سماء «الحالة الذهنية» ليضعه بين أحضان «العاطفة». أراده شعورًا ملموسًا، كالحزن أو الفرح. لكن هان يرى في ذلك تسطيحا، إذ إن الأمل ليس مجرد دمعة على الخد أو قشعريرة في الجسد؛ الأمل هو المزاج الذي يسبق كل عاطفة، هو خلفية اللوحة التي تجعل الألوان ممكنة أصلًا. إنّه ذاك الصمت الذي يسبق أول نغمة موسيقية، والضوء الباهت الذي يسبق شروق الشمس. إن الأمل، في بساطته، لا يعدنا بشيء محدد، لكنه يعدنا بكل شيء. لا يسحقنا كما تفعل العواطف الطاغية، ولا يهيمن علينا كما يفعل الكرب، بل يرافقنا بهدوء، كصديق خفي يذكّرنا بأن العالم لم يغلق أبوابه بعد. وهنا يكمن سحره: إنه لا يطالبنا بأن نكون «أبطالًا» ولا أن نتحمل ثقل الوجود وحدنا، بل يفتح لنا نافذة صغيرة نحو الآخر، نحو الغد، نحو احتمالية أن يكون كل هذا العناء مجرد مقدمة لشيء مختلف. باختصار (وليس بالضرورة بفرح)، إذا كان هايدغر قد بنى فلسفة الوجود على أنقاض الكرب، فإن بيونغ تشول هان يحاول أن يزرع في تلك الأنقاض زهرة صغيرة اسمها الأمل، زهرة قد لا تُنقذ العالم، لكنها على الأقل تُذكرنا بأن الحياة ليست مجرد مرادف أنيق لكلمة سجن.