راجعتني في العيادة الاجتماعية مريضة، وهي مراجعة في نفس الوقت في عيادة الطب النفسي وتستخدم الأدوية النفسية، ذكرت لي أنها تعاني من مشكلة الأفكار الانتحارية الملحة، وقد حاولت تنفيذ الانتحار عدة مرات ولكنها تتراجع قبل التنفيذ بلحظات، وأصبحت تخاف من أن تموت منتحرة، ولكنها وجدت - بفضل الله - علاجًا ناجحًا ومفيدًا لحالتها، توصلت إليه بنفسها واستطاعت بعد تطبيقه وقف تلك الأفكار السوداوية والتغلب عليها. والعلاج هو الاستماع إلى القرآن الكريم فكانت كلما راودتها فكرة الانتحار استمعت للقرآن فتشعر براحة نفسية وتنصرف عنها تلك الفكرة المؤذية وهكذا. قال تعالى: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». وبالمناسبة ليست هذه الحالة الوحيدة التي راجعتني في العيادة وكانت تعاني من مرض نفسي واستفادت من الأدوية الشرعية بل هناك كثير من الحالات تحسنت حالاتهم النفسية عندما جمعوا بين العلاج الشرعي والعلاج النفسي والعلاج الأسري والزواجي الاجتماعي. يقول الشيخ الشعراوي -رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة «أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا» من سورة مريم تعني أن الله تعالى سلط الشياطين على الكافرين، حيث تُحرّكهم وتُزعجهم وتُغريهم بشدة وتحرضهم على ارتكاب المعاصي والموبقات حتى يقعوا فيها و«تؤزهم أزًا» تعني التحريك القوي والإغراء الشديد. وكذلك الحال مع كل من تولّى وابتعد عن آيات الله وتعاليمه، فإن جزاءه في الدنيا هو حياة ضيقة ومليئة بالشقاء والمعاناة (معيشة ضنكًا) قال تعالى: ﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾. ورد في الحديث النبوي الشريف أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، يُفهم منه أن الشيطان يوسوس لابن آدم ويُسري في داخله ويسيطر عليه في وسواس وخيالات وأفكار الشرّ. يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في علاج الأمراض النفسية إن الأمراض النفسية كثيرًا ما تستعصي على الأطباء إذا عالجوها بالأدوية الحسية، لكن دواءها بالرقية ناجح ومفيد، كذلك الأمراض العقلية تنفع فيها الأدوية الشرعية وقد لا تنفع فيها الأدوية الحسية، وإذا أمكن الجمع بين الدواءين الحسي والشرعي فهو خير. ويقول - رحمه الله - لما ضعف الإيمان ضعف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس الآن يعتمدون على الأدوية الحسية أكثر من اعتمادهم على الأدوية الشرعية، ولما كان الإيمان قويًا كانت الأدوية الشرعية مؤثرة تمامًا بل إن تأثيرها أسرع من تأثير الأدوية الحسية، لكن في زماننا هذا ضعف الدين وضعف الإيمان وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة وابتلوا بها في الواقع. ويقول الدكتور عبدالعزيز سرحان، عندما كان مديرًا للمركز الإسلامي في إسبانيا، إن امرأة إسبانية غير مسلمة لجأت إلى المركز وهي تصيح قرآن قرآن، وكان يبدو على مظهرها أنها تعاني من حالة نفسية فلما أدخلوها المركز وسمعت القرآن هدَّأ من روعها واستقرت نفسيتها. ويؤكد في العربية نت البروفيسور وأستاذ طب الأعصاب بجامعة «بريمن» الألمانية، والشهير دوليًا بأبحاثه على جينات الدماغ، أنه عثر على ما سماه «بقعة سوداء» في وسطه الأعلى، أطلق عليها اسم «مربض الشيطان» الموسوس للقيام بردات فعل عنيفة ومتنوعة، والكامن كوكر يتربص شرًا بالآخرين عند أول إشارة ينشط معها سلبيًا، بحيث تنبع منه المحرضات على العنف الفردي والجماعي الفاتك بالآلاف. إنه البروفيسور غيرهارد روث، الذي قدم دليلًا يؤكد صحة ما عثر عليه بقوله إنه عرض شرائط فيديو تتضمن لقطات عن أعمال عنف وحشية على مرتكبي جرائم متنوعة، من قتلة وسارقين وغيرهم، ثم قام بقياس نشاط أدمغتهم، ولاحظ دائمًا أن كل أقسامها كانت تتفاعل مع ما ترى «إلا منطقة بقيت بلا أي ردة فعل»، وفق تعبيره لصحيفة «بيلد» الألمانية التي منها انتشر خبره إلى بقية وسائل الإعلام، ومنها العربية نت. قال الله تعالى: «وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ». ونزغ الشيطان هو تحريض الإنسان على الشر و«نزغ» تستخدم لوصف وساوس الشيطان وحثه على الشر. وقال تعالى: «كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ» والانتحار كفر. وقال «قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ 0لنَّاسِ (1) مَلِكِ 0لنَّاسِ (2) إِلَٰهِ 0لنَّاسِ (3) مِن شَرِّ 0لۡوَسۡوَاسِ 0لۡخَنَّاسِ (4) 0لَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ 0لنَّاسِ (5) مِنَ 0لۡجِنَّةِ وَ0لنَّاسِ». ثم تم الاتفاق مع المريضة على خطة علاجية نفسية ودينية واجتماعية متكاملة تناسبها وتساعدها في حل مشكلتها بإذن الله.