المتابعُ للمشهدِ الدوليِّ والعربيِّ يلحظُ -بشكل أكثر وضوحًا من ذي قبل - بوادرَ تغييرٍ خطيرٍ في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ أن تحدثت كوندليزا رايس عن الفوضى الخلَّاقة والشرق الأوسط يعجُّ بالفوضى التي تقصدها الدبلوماسية الأمريكية المحنكة؛ فهي فوضى تخلق واقعًا يخدم مصالح الغرب وأطماعه. المشهد العربي اليوم - بعد هدوء عاصفة ما أطلق عليه بالربيع العربي- يشهدُ جبهاتٍ ساخنةٍ أخرى في الشرق الأوسط بدأت في غزة التي تتعرض لأقصى أنواع وألوان الاستبداد والحصار والعنف مع تغيير ديمجرافي في القدسوغزة الذي تحول حصارها إلى حربٍ لا ترحم. كلُّ ذلك يعطي عدَّةَ مؤشراتٍ للمنطقِ الدولي الجديد المُتغوِّل الذي يكيل بمكيالين، ويصور الكيان الصهيوني المُحتَّل كحملٍ وديعٍ يتم الاعتداء عليه من قبل مجموعات قليلةِ العدد والعُدَّة مؤمنةٍ بعدالة قضيتها وأحقيتها في العيش بسلام، والتي استفادت من ملف الأسرى اليهود لتظهر للعالم كله سماحة الإسلام وحسن المعاملة وكذب الدعايات الإعلامية المغرضة التي تصورهم وحوشًا بشرية ضارية لكن المنطق الدولي يرى غير ذلك، ويصور الكيان المحتل كضحية ويرى أن لقتل النساء والأطفال وهدم المستشفيات ما يبرِّرُه منذ احتلال أفغانستان وحتى العراق وسوريا، وأن دم العربي في المنطق الدولي أرخص من رغيفِ خبزٍ يابس وأن القتل والترويع والهدم وغير ذلك إذا كان لعربي أو مسلم؛ فهو مشروعٌ ومبرَّر وأن تقسيم الدول العربية وتمزيقها يخدم المصالح الغربية وفي المنطق الدولي المعاصر أن السلام والهدنة مجرد لُعبةٍ يتسلى بها الصهاينة صباحًا وينقضونها قبل حلول المساء برعاية أمريكية. منطقٌ لا يعرف إلا العنف والمراوغة، وإذا كانت هذه بعض ملامحِ المنطق الدولي المعاصر؛ فهل من الحكمة والمنطق أن يعود المنطق إلى الصمت والابتسام في وجوه القتلة بدم بارد؟!! المنطق الدولي الذي يتبجَّحُ بالعدالة والحرية والإنسانية يعي ويدرك تمامًا ما يدور من قتل النساء والأطفال وترويع الإنسان وقطعٍ لكلِّ أشكال وألوان الحياة في غزة من قِبل الكيان الصهيوني الغاصب المحتل والمتغوِّل لكنه يصمت ويرى أن المظلومَ ظالمٌ والمقتولَ قاتلٌ والمُعتَدى عليه مُعتدٍ.. إنَّ المنطقَ الدَّولي المعاصر يعودُ للمنطقةِ اليوم بفكرٍ سياسيٍ مختلف وبثوبٍ ملطخٍ بالدم ومليءٍ بالنارِ والعارِ أفيقوا..