أجمل ما في الحياة أنّها تفلت منا في اللحظة التي نظن أننا قبضنا عليها، فتومض وتختفي كنجمة في ليلٍ ساكن أو ورقة خريفية تتمايل مع الريح قبل أن تستقر على الأرض أو شعاع ينساب بين الأغصان، أو قهوة تتبخر في كوب صباحي. هذه اللحظات، وما يشابهها ما إن تحاول أن تحبسها في صورة، حتى تنكمش وتصبح أقل نقاءً وأقل حضورًا. وكأن الحياة لا تُدرك إلا حينما نكون حاضرين بانتباهنا الكامل. ما يستحق الالتفات أن العالم الحديث لم يترك لهذه اللحظات هدوءها؛ فالهاتف صار وسيطًا بيننا وبين أنفسنا. صرنا لا نعيش اللحظة، بل نُعدّها لتُعرض. نأكل فنصوّر الطبق قبل أن نتذوقه، نسافر فنُشغل أنفسنا بتوثيق الطريق بدل أن نتوه في متعته، نحتفل وكأن الفرح لا يكتمل إلا بعيون الآخرين. أصبحنا مخرجين لفيلمٍ طويل لا نشاهده نحن، بل نصنعه كي يقتنع العالم أننا عشنا. فأي حياة هذه التي تُختزل في ألبوم، في مقطع، في سحابة إلكترونية مهددة بالحذف في أي وقت؟ أي معنى لآلاف الصور التي نكدّسها، ثم ننساها، بينما أجمل لحظة تظل نابضة في الذاكرة بلا وسيط؟ نعم الصورة تحفظ الزمن في بيكسلات، لكنها تُفقده عفويته فما إن تدخل العدسة المشهد، حتى يتحوّل العفوي إلى مصطنع، والحضور الحقيقي إلى استعراض. لا بأس أن نوثق الأوقات السعيدة ونحتفي بها ونشاركها، لكن أولًا لنستمتع بها نحن. فالحياة ليست إلا نهرًا جارٍ من اللحظات الحية، وما مضى مع التيار لن يعود.