كشفت تقارير مقتل العديد من الصحفيين، مبينة أن المعركة في غزة ليست فقط على الأرض، بل على الحقيقة ذاتها. ومحاولة محو الصحفيين الفلسطينيين، بما يمثلونه من شهود ورواة، وهذا يعكس إدراكًا إسرائيليًا بأن المعركة الإعلامية لا تقل خطورة عن العسكرية. والضحايا في الحروب الكبرى لا تكون محصورة في الأرواح والبنى التحتية فقط، بل تمتد إلى الحقيقة ذاتها. فالصحافة، التي يفترض أن تكشف الجرائم وتوثّق المآسي تتحول في بعض النزاعات إلى هدف مباشر، خصوصًا حين ترتبط بملف حساس كغزة. وما يجري اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة على الرواية والذاكرة، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إخماد أصوات الصحفيين عبر القتل المنهجي والتدمير الممنهج للبنية الفكرية والثقافية للمجتمع في غزة. استهداف ممنهج ومنذ أكتوبر 2023، قُتل ما يقرب من 270 صحفيًا فلسطينيًا بحسب تقارير حقوقية، بينهم أنس الشريف ومحمد قراقع وغيرهما من الوجوه المعروفة في الساحة الإعلامية. وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل دليل على سياسة متعمدة لإسكات الشهود وتكميم الأفواه. والخطاب الإسرائيلي الرسمي، الذي يصوّر كل صحفي في غزة على أنه «إرهابي»، يعكس تبريرًا علنيًا لهذه الإستراتيجية، حيث بات الإعلاميون جزءًا من قائمة «الأهداف العسكرية». الخطاب كأداة للشرعنة وتصريحات قادة إسرائيليين مثل الرئيس إسحاق هرتسوغ، الذي اعتبر أن «أمة كاملة مسؤولة»، والسفيرة تسيبي حوتوفلي التي وصفت كل مدرسة أو مسجد في غزة كجزء من شبكة أنفاق، تكشف عن منطق يُجرد المدنيين من إنسانيتهم. وهذه اللغة القاسية ليست مجرد خطابات سياسية، بل مقدمة لسياسة تُترجم على الأرض بدمار طال 70 % من البنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية. حرب على الفكر والذاكرة كما أن تدمير المؤسسات التعليمية واستهداف المعلمين والطلاب والصحفيين يشير إلى ما يسميه خبراء حقوق الإنسان «إبادة المدارس». غزة التي بنت مجتمعًا متعلمًا منذ نكبة 1948، باتت اليوم تواجه حملة لإلغاء إنجازاتها الفكرية والثقافية. فالمعركة، وفق التحليل، لا تتعلق فقط بالصراع العسكري، بل بمحاولة محو قدرة الفلسطينيين على إنتاج المعرفة وصياغة خطاب مقاوم يفضح الاحتلال. البعد الأيديولوجي ويرى محللون أن استهداف الصحفيين الفلسطينيين يعكس طبيعة المشروع الصهيوني نفسه، الذي اعتمد على تهميش الرواية الفلسطينية وتشويهها في الإعلام الغربي لعقود. ومع صعود الإعلام المحلي في غزة، برزت أصوات فلسطينية استطاعت أن تنقل المأساة للعالم، ما شكّل تحديًا خطيرًا للرواية الإسرائيلية التقليدية. وهذا التحدي دفع الاحتلال إلى تصعيد استهداف المفكرين والإعلاميين والمثقفين الفلسطينيين، في محاولة لإسكات هذه الأصوات قبل أن تُحدث تحولًا في الرأي العام الدولي. مظاهرات مستمرة وعلى سياق آخر أشعل المتظاهرون في إسرائيل النار في إطارات السيارات وأغلقوا الطرق السريعة، وطالبوا بوقف لإطلاق النار من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا في غزة، في حين واصل القادة الإسرائيليون خططهم لشن هجوم يقولون إنه ضروري لسحق حماس. وجاء هذا الاضطراب في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون في غزة يستعدون لهجوم واسع النطاق، في ظل نزوح ودمار وغرق أجزاء من القطاع في مجاعة. كما جاء بعد يوم من غارات جوية مميتة على المستشفى الرئيسي في غزة، أسفرت عن مقتل 20 شخصًا، بينهم مسعفون وصحفيون، من بينهم مريم دقة، الصحفية التي عملت لدى وكالة AP. ومن المتوقع أن يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماعًا لمجلس الوزراء الأمني المصغر في وقت لاحق ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيناقش جهود وقف إطلاق النار. تصريحات بالاستمرار وقد صرّح نتنياهو بأن إسرائيل ستشن هجومًا موسعًا على مدينة غزة بالتزامن مع سعيها للتوصل إلى وقف إطلاق النار، مع أن إسرائيل لم ترسل بعد فريقًا تفاوضيًا لمناقشة أي مقترح مطروح. وقد صرّح نتنياهو بأن الهجوم هو أفضل سبيل لإضعاف حماس وإعادة الرهائن، إلا أن عائلاتهم وأنصارهم عارضوا ذلك اقتحام المستشفى وجاءت الدعوات لوقف إطلاق النار بعد يوم من قصف إسرائيل للمستشفى الرئيسي في جنوبغزة، مما أسفر عن مقتل خمسة صحفيين على الأقل و15 آخرين، بما في ذلك مريم دقة، الذين قاموا بتغطية الأطباء الذين يعالجون الأطفال من الجوع في نفس المنشأة قبل أيام. وأثارت الضربة، التي كانت من بين الأكثر دموية في الحرب ضد الصحفيين والمستشفيات، صدمة وغضبًا بين المدافعين عن حرية الصحافة والفلسطينيين، الذين حزنوا على القتلى. وأُدينَت الحادثة سريعًا في جميع أنحاء العالم. ووصفها نتنياهو ب«حادثٍ مأساوي»، وقال إن الجيش سيُجري تحقيقًا. ولقي معظم القتلى حتفهم بعد أن هرعوا إلى موقع الانفجار الأول، ليتعرضوا لضربة ثانية - وهي هجوم تم تصويره على شاشات التلفزيون من قبل العديد من الشبكات. وجاءت الغارة على جنوبغزة في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لتوسيع هجومها ليشمل المناطق المكتظة بالسكان في شمال غزة. لماذا تحاول إسرائيل محو الصحفيين والمدارس في غزة: • إسكات الشهود: استهداف الصحفيين يهدف إلى منع نقل صورة الإبادة وتوثيق الجرائم إلى العالم. • تدمير القيادة المجتمعية: اغتيال المثقفين والمعلمين والصحفيين يحرم المجتمع الفلسطيني من رموزه الفكرية والقيادية. • إضعاف الذاكرة الجماعية: القضاء على المؤسسات التعليمية والثقافية يهدف إلى محو التاريخ والرواية الفلسطينية. • منع إعادة الإعمار المجتمعي: استهداف التعليم والبنية الفكرية يجعل من الصعب إعادة بناء مجتمع متماسك بعد الحرب. • فرض الرواية الإسرائيلية: تغييب الأصوات الفلسطينية المستقلة يمكّن إسرائيل من تمرير روايتها في الإعلام العالمي دون معارضة مؤثرة. • كسر روح المقاومة: التعليم والإعلام مصدر وعي وصمود للفلسطينيين، وضربهما يُعد محاولة لزعزعة إرادة الشعب على المدى الطويل.