يواصل قادة الاحتلال الإسرائيلي الدفع نحو تنفيذ مشروع تهجير واسع النطاق للفلسطينيين من قطاع غزة، في وقت تتكشف فيه أساليب جديدة من الاستهداف العسكري، بينها ترك متفجرات سائلة في مناطق مأهولة شمال القطاع، ويثير هذا النهج المتوازي بين الطرح السياسي العلني وخيارات الميدان اتهامات فلسطينية ودولية بأن ما يُعرض على أنه «خطة طوعية للهجرة» ليس سوى غطاء لمحاولة دفع السكان قسرًا نحو الخروج، في ظل حرب مستمرة منذ 22 شهرًا أفرغت معظم مناطق غزة من مقومات الحياة. خطط معلنة وبرزت فكرة ترحيل سكان غزة إلى العلن مطلع العام الجاري، حين طُرحت رسميًا كأحد الحلول التي ناقشها قادة الاحتلال، وسرعان ما تبنّاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ملوّحًا بجعلها شرطًا لإنهاء العمليات العسكرية، وأكدت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، ومن بعده نتنياهو في عدة خطابات ومقابلات، أن الخطة تقوم على «السماح» للفلسطينيين بمغادرة القطاع نحو دول أخرى، عبر ترتيبات برية أو بحرية أو جوية. غير أن الفلسطينيين يرون في هذه الطروحات استمرارًا لسياسة الطرد القسري، خاصة مع تدمير الاحتلال لمساحات واسعة من الأحياء السكنية، وتحويلها إلى مناطق غير قابلة للعيش، وهو ما تعتبره منظمات حقوقية وأطراف في المجتمع الدولي انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي. المتفجرات السائلة وفي موازاة ذلك، وثّق سكان شمال غزة وجود حاويات لمواد متفجرة سائلة تركتها قوات الاحتلال في محيط جباليا، ما أثار موجة غضب واسعة وتساؤلات عن دوافع استخدامها وتركها في مناطق مأهولة، وتشير مصادر فلسطينية إلى أن توثيق هذه المواد يجري إعداده ليكون جزءًا من ملفات قانونية تُرفع إلى جهات قضائية وإنسانية دولية. وهيئة البث الإسرائيلية نقلت أن الحادثة تزامنت مع صدور تعليمات من القيادة السياسية للجيش بتقصير جداول عملياته وتسريع خطط احتلال غزة «في حال لم يحدث تقدم بملف الرهائن»، الأمر الذي يعكس تنسيقًا بين المسار الميداني وخطط التهجير المطروحة. تصعيد عسكري متواصل ونفّذ الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات على مناطق متفرقة في القطاع، شملت النصيرات والبريج والصبرة وشرق مدينة غزة، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال، وأعلن مستشفى العودة استقبال تسعة قتلى، بينهم ستة أطفال، نتيجة قصف طال نقطة لتوزيع المساعدات وسط القطاع، وبالتزامن، كثفت المدفعية الإسرائيلية قصفها لمبانٍ سكنية ومخيمات اللاجئين، في ظل قرار حكومي يقضي بتوسيع العمليات العسكرية للسيطرة على ما تبقى من مدينة غزة، بعد إعلان الاحتلال سيطرته على نحو 75 % من أراضي القطاع. حجج واهية ويقدم الاحتلال خطط التهجير باعتبارها «مبادرة إنسانية» تسمح للمدنيين بالنجاة من أهوال الحرب، ووفق تقارير إسرائيلية، أُجريت اتصالات مع عدة دول أفريقية لاستقبال أعداد من الفلسطينيين، لكن الفلسطينيين يعتبرون أن الحديث عن «الطوعية» مجرد تضليل، مؤكدين أن مغادرة الوطن ليست خيارًا حرًا، بل إكراه في ظروف حرب ودمار. ويقول إسماعيل زيادة، أحد سكان مدينة غزة: «هذه أرضنا، لا مكان آخر لنا.. لن نستسلم.. هنا وُلدنا وهنا نموت»، وهي شهادة تعكس الموقف العام الرافض، على الرغم من تصاعد الضغوط العسكرية والإنسانية. تصريحات إسرائيلية تكشف النوايا جاءت متسلسلة لتؤكد أن التهجير ليس فكرة عابرة، بل جزء من إستراتيجية موازية للحرب: إسرائيل كاتس (6 فبراير): «وجّهتُ الجيش لوضع خطة تسمح لأي مقيم في غزة يرغب في المغادرة أن يفعل ذلك عبر المعابر أو البحر أو الجو». نتنياهو (30 مارس): «سنُتيح تنفيذ خطة ترمب للهجرة الطوعية.. هذه هي الخطة، لا نُخفيها». نتنياهو (21 مايو): «سننشئ منطقة معقمة جنوب القطاع، تُخلى إليها المدنيون، فيما نمضي لاستكمال نزع سلاح غزة وتنفيذ خطة ترامب». نتنياهو (12 أغسطس): «الشيء الصحيح وفق قوانين الحرب هو السماح للسكان بالمغادرة، ثم الدخول بكل قوة ضد من يبقى هناك». تكشف التطورات الأخيرة أن الاحتلال يسعى في مسارين متوازيين الأول: عسكري ميداني يستخدم فيه وسائل تدميرية متطورة كالمتفجرات السائلة والقصف واسع النطاق. الثاني: سياسي يطرح مشروعات «هجرة طوعية» تخفي خلفها سياسة تهجير قسري.