في بلد أنهكته الحروب والنزوح والفقر، تكاد خدمات الصحة العقلية تكون معدومة، بينما تتعرض المراكز القليلة المتوفرة لخطر الإغلاق. حيث تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن جنوب السودان يسجّل رابع أعلى معدل انتحار في إفريقيا، والثالث عشر عالميًا. وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الانتحار يضرب بالأساس النازحين داخليًا، نتيجة البطالة والفقر والعنف القائم على النوع الاجتماعي. كما أوضح جاكوبو روفاريني، من منظمة أمريف هيلث أفريكا، أوضح أن أكثر من ثلث من خضعوا للفحص النفسي في إطار المشروع أظهروا علامات اضطرابات عقلية، مضيفًا: «العبء على الأفراد والأسر والمجتمع هائل، ولم يُعالَج بعد». عيادات نادرة وتعد عيادة موندري بولاية غرب الاستوائية، واحدة من ثماني نقاط طبية ضمن مشروع يقدّم لأول مرة خدمات الصحة النفسية لأكثر من 20 ألف شخص في أنحاء جنوب السودان. أُنشئت نهاية 2022 بجهود مشتركة بين منظمات خيرية بقيادة Amref Health Africa، وبالتعاون مع مراكز صحية حكومية ورعايا كاثوليك ومحطات إذاعية محلية. لكن هذه الخدمة الحيوية مهددة بالتوقف، إذ يقترب تمويلها – المقدم من جهات إيطالية ويونانية – من الانتهاء، وسط غياب مصادر بديلة تضمن استمراريتها. تحذيرات متصاعدة وفي الشهر الماضي، أعلنت سلطات جوبا تسجيل 12 حالة انتحار خلال أسبوع واحد فقط، دون كشف تفاصيل إضافية. وقالت الدكتورة أتونج أيول لونجار، رئيسة قسم الصحة العقلية بوزارة الصحة وأحد الأطباء النفسيين القلائل في البلاد، إن حالة «عدم اليقين» التي يعيشها السكان بسبب خطر الحرب المستمر، تقوّض إحساسهم بالأمان: «لا يمكنك التخطيط للغد... قد يقول الناس: لا توجد حرب، لكنك لا تشعر بالسلام من حولك». وفي موندري، ما تزال آثار قتال 2015، الذي دمّر المنطقة بين القوات الحكومية والمعارضة، حاضرة. كثيرون لم يتعافوا بعد من النزوح وفقدان الممتلكات والعنف الجنسي. محاولات لسد الفجوة وبعض الجمعيات، مثل منظمة كاريتاس الكاثوليكية، تحاول توفير دعم مجتمعي عبر جلسات «Self Help Plus» – برنامج جماعي أطلقته منظمة الصحة العالمية عام 2021 لإدارة التوتر، ويستهدف بشكل خاص النساء، مع تقديم تمارين يمكن ممارستها في المنزل. لكن لونجار تحذر من أن استمرار هذه المبادرات مرهون بالتمويل، في ظل تراجع الدعم الدولي، خاصة من الولاياتالمتحدة. إذا توقف التمويل، فقد تُغلق العيادات المتخصصة، ومنها عيادة موندري. حرب ونزوح ومنذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، بين قوات الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار، شهدت البلاد موجات نزوح هائلة، لتتحول – بعد عامين فقط من استقلالها عن السودان – إلى واحدة من أكبر الدول المصدّرة للاجئين. رغم توقيع اتفاق سلام عام 2018، عاد القتال منذ يناير الماضي، ما دفع الأممالمتحدة للتحذير من احتمال انزلاق البلاد مجددًا إلى صراع شامل. اليوم، يعيش أكثر من 90 % من السكان على أقل من 2.15 دولار يوميًا، وفق البنك الدولي، ما يزيد الضغط النفسي على الملايين. أبرز المعاناة التي يواجهها جنوب السودان: • الصراعات المسلحة بين الحكومة والفصائل المتمردة، وما ينتج عنها من انعدام الأمن. • النزوح الجماعي لملايين السكان داخليًا وخارجيًا بسبب الحروب. • انعدام الغذاء وانتشار المجاعة في عدة مناطق نتيجة النزاع والجفاف. • تدهور الاقتصاد واعتماده شبه الكامل على النفط وسط تقلبات الأسعار. • ضعف البنية التحتية وانهيار الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. • انتشار الفساد وضعف مؤسسات الدولة. • الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف التي تزيد من سوء الأوضاع الإنسانية. • انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك العنف الجنسي والتجنيد القسري للأطفال.