في ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تسارع في التنمية الاقتصادية والعمرانية، تتعاظم الحاجة إلى مواءمة هذه الطفرة مع مفاهيم الاستدامة والعدالة البيئية. فالعديد من المنشآت التجارية تستفيد من موارد الدولة الطبيعية، والبنية التحتية، والأسواق المحلية، لكنها في المقابل تُخلّف آثارًا سلبية تتجلى في التلوث، والضغط على الموارد، وتهالك البنية التحتية، وتراجع جودة الحياة في بعض المناطق. من هذا المنطلق بات من الضروري التأكيد على واجب القطاع الخاص في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتعويض ما تُحدثه عملياته من أثر بيئي ومجتمعي. وهذا يتطلب وجود جهة مستقلة تُعنى برصد هذا الأثر، وتقييم الأداء البيئي والاجتماعي للمنشآت، وفق معايير حوكمة واضحة وشفافة. وتأتي هذه الدعوة انسجامًا مع التزامات المملكة في إطار رؤية 2030، ومبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، وكذلك ما وقّعت عليه المملكة من اتفاقيات دولية كاتفاق باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة. ويؤكد الواقع العالمي أن أكثر من 90% من شركات مؤشر S&P 500 تصدر تقارير ESG، كما أن 89% من المستثمرين يضعون اعتبارات ESG ضمن قراراتهم الاستثمارية. ووفقًا لأحدث التقديرات، يتوقع أن تتجاوز قيمة الاستثمارات المؤسسية المرتبطة بالاستدامة 33.9 تريليون دولار بحلول عام 2026. كما تشير الأرقام إلى أن 76% من المستهلكين قد يتوقفون عن الشراء من الشركات التي لا تراعي الأثر البيئي والمجتمعي، في حين يرى 83% من الجمهور أن على الشركات أن تلعب دورًا نشطًا في تطوير ممارسات ESG. إن هذه المؤشرات لا تترك مجالًا للشك في أن الالتزام البيئي والمجتمعي لم يعد خيارًا تجميليًا، بل متطلبًا إستراتيجيًا يؤثر في ثقة المستثمرين وسلوك المستهلكين، ويعزز من الأداء المالي على المدى الطويل. إن إنشاء هذا الكيان يمثل استحقاقًا وطنيًا ملحًّا، وخطوة إستراتيجية لتعزيز التوازن بين التنمية والمسؤولية، ويعكس التزام المملكة بنهج شفاف ومستدام يليق بمكانتها ضمن دول مجموعة العشرين، كدولة تقود برؤية وتتحمل مسؤوليتها بشراكة واعية مع جميع القطاعات. * أستاذ المحاسبة بجامعة جازان.