في كشف علمي جديد أظهرت دراسة حديثة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن خطر الإصابة بالاكتئاب يرتفع بنسبة تصل إلى 50% لدى الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة متعددة، مقارنة بمن لا يعانون من أي مرض مزمن. الدراسة التي استندت إلى بيانات من 19 دولة أوروبية وشملت أكثر من 100 ألف شخص فوق سن ال50 عامًا، خلصت إلى أن الرابط بين الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري وأمراض القلب من جهة، والاكتئاب من جهة أخرى، هو أكثر تعقيدًا وعمقًا مما كان يُعتقد سابقًا، ويستلزم تحولات جوهرية في السياسات الصحية. أنواع الأمراض والخطر تؤكد الدراسة أن المرضى المصابين بأمراض مزمنة يواجهون مخاطر مرتفعة للإصابة بالاكتئاب. فالإصابة بمرض واحد فقط كفيلة برفع احتمالية الاكتئاب بنسبة 21%، بينما تقفز هذه النسبة إلى 42% مع وجود مرضين، وتبلغ ذروتها عند 50% لدى من يعانون من 3 حالات مزمنة أو أكثر. وتتفاوت النسب بحسب نوع المرض، إذ يرتفع خطر الاكتئاب بنسبة 15% لدى مرضى السرطان، و18% لدى مرضى القلب أو السكري، بينما يقفز إلى 27% في حالات الأمراض الرئوية المزمنة مثل الانسداد الرئوي، و23% بين من تعرضوا لسكتة دماغية. الجنس والدخل عاملان حاسمان ترصد الدراسة تباينات ديموغرافية مهمة، إذ تبين أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 40% مقارنة بالرجال، حتى عند تساوي عدد الأمراض المزمنة بين الجنسين. وفي ما يتعلق بالوضع الاقتصادي، فإن الأشخاص منخفضي الدخل يواجهون خطر الاكتئاب بنسبة أعلى تصل إلى 57% مقارنة بأقرانهم من أصحاب الدخول المرتفعة، وهو ما يعكس التداخل بين العوامل الصحية والاقتصادية والنفسية في رسم مشهد معقد للمرض النفسي. تكاليف مضاعفة تُظهر الأرقام أن التداخل بين الأمراض المزمنة والاكتئاب لا يقتصر على الأثر الإنساني والنفسي، بل يمتد ليشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على أنظمة الرعاية الصحية. فتكاليف علاج مرضى السكري المصابين بالاكتئاب تصل إلى 20 ألف دولار سنويًا (75 ألف ريال)، أي ما يقرب من ضعف كلفة علاج مرضى السكري الذين لا يعانون من اكتئاب. وفي فرنسا، على سبيل المثال، يرفع الاكتئاب تكلفة رعاية المرضى المصابين بأمراض مزمنة بنحو 4.054 يورو سنويًا، مما يعزز الحاجة لسياسات صحية أكثر تكاملاً وشمولاً. العوامل المسببة للاكتئاب تُعزى العلاقة بين الأمراض المزمنة والاكتئاب إلى عدة عوامل، منها بيولوجية مثل تأثير العلاجات الكيميائية وتلف الأعصاب، ونفسية واجتماعية كالعزلة، والخوف من تطور المرض أو الموت، إلى جانب سلوكية كضعف الالتزام بالأدوية أو النشاط البدني. هذه العوامل تتفاعل معًا لتقود إلى تدهور في الصحة النفسية يُصعّب رحلة العلاج ويزيد الأعباء. السياسات الصحية أوصت الدراسة بضرورة دمج الصحة النفسية ضمن خطط مكافحة الأمراض المزمنة، مؤكدة أن برامج «إدارة الذات» والتمارين الرياضية يمكن أن تقلل من أعراض الاكتئاب بنسبة تصل إلى 30%، وتحد من دخول المستشفيات. كما دعت إلى تعزيز الكشف المبكر عن الاكتئاب، خصوصاً أن أقل من 40% من المصابين بالاكتئاب في أوروبا يتلقون علاجًا مناسبًا، والنسبة أقل في دول العالم النامي، مما يفتح الباب أمام تدهور غير مرئي لملايين المرضى. ومن الناحية الاقتصادية، فإن كل دولار يُستثمر في الوقاية من العوامل المسببة للأمراض المزمنة والنفسية، يوفر 4 دولارات من تكاليف العلاج المستقبلية، بحسب ما أكده التقرير. عقبات مزمنة رغم وضوح الأرقام والدعوات المتكررة لدمج العلاج النفسي ضمن الرعاية الصحية العامة، لا تزال هناك عقبات مزمنة تعرقل ذلك، من أبرزها نقص التشخيص، إذ إن نصف حالات الاكتئاب لدى مرضى الأمراض المزمنة لا تُشخص كما في حالة البرازيل. كما أن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض النفسي لا تزال تحول دون طلب المساعدة، حيث كشفت الدراسة أن 60% من المرضى لا يطلبون العلاج النفسي خوفًا من التمييز أو العزلة. دمج الخدمات الصحية أكدت الدراسة أن المرض الجسدي والنفسي وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصلهما في السياسات الصحية. التجارب الناجحة في دول مثل السويد وسويسرا، حيث أدى دمج خدمات الصحة النفسية مع برامج الأمراض المزمنة إلى خفض التكاليف بنسبة 20% وتحسين جودة الحياة، تمثل نموذجًا يمكن أن يُحتذى به عالميًا. الرسالة واضحة: لا يمكن الحديث عن نظام صحي متكامل دون أن تكون الصحة النفسية جزءًا أصيلًا من منظومته، لا هامشًا مهملًا أو رديفًا ثانويًا. تعدد الأمراض المزمنة يرفع خطر الاكتئاب إلى %50. النساء والفقراء أكثر عرضة للإصابة 60% من المرضى لا يطلبون المساعدة النفسية بسبب الوصمة كل دولار في الوقاية النفسية يوفر 4 دولارات مستقبلاً تكلفة مريض السكري المصاب بالاكتئاب 20 ألف دولار سنويًا