في تجربة رائدة تجمع بين الرقابة الذكية والتطوير المهني، لجأت البلديات في فرنسا إلى إطلاق دورات مهنية فنية تستهدف أصحاب المطاعم والعاملين فيها، وبخاصة تلك المطاعم التي تقدم نفسها على أنها تمثل مطابخ عالمية، كالمطاعم الإيطالية واليابانية والهندية وغيرها. لم يكن الهدف فقط هو تحسين الأداء أو تزيين الشهادات، بل كان التوجه أعمق من ذلك، إذ سعت السلطات المحلية إلى ضمان أن ما يُقدم للناس باسم «المطبخ الإيطالي» أو «الفرنسي الكلاسيكي» يحمل في طياته طابعاً أصيلاً، ومكونات سليمة، وخدمة تعكس فعلاً هوية المطبخ الذي يُنسب إليه المطعم. هذه الدورات شملت التدريب على فنون الطهي بحسب المعايير التقليدية لتلك الدول، إضافة إلى تدريب مهني في النظافة، والسلامة الغذائية، وتقديم الأطباق بطريقة احترافية. وقد تم اعتماد هذه الدورات بالتعاون مع مؤسسات دولية وأكاديميات فنون الطهي، لتمنح في نهايتها شهادات معترف بها، تعزز من مصداقية المطعم وترفع من تصنيفه. هذا التوجه لم يكن شكلياً أو دعائياً، بل رافقته آليات رقابة دقيقة تم تطويرها داخل البلديات بالتعاون مع وزارات الصحة والاقتصاد، فكل مطعم يرفع شعاراً لمطبخ أجنبي يخضع لتقييم دوري من حيث جودة المواد، وسلامة التحضير، ورضا الزبائن، ومطابقة ما يُقدم لما يُروج له. وقد أظهر هذا البرنامج نتائج إيجابية مباشرة، حيث تحسنت مؤشرات جودة الطعام في عدد كبير من البلديات، وانخفضت حالات التسمم الغذائي، وارتفعت ثقة السكان والسياح في جودة الخدمات المقدمة. علاوة على ذلك، أسهمت التجربة في تنظيم السوق ومنع بعض الممارسات التجارية غير المنصفة، كمطاعم تسوّق نفسها على أنها مطاعم إيطالية وهي لا تمت للمطبخ الإيطالي بصلة لا في الوصفة ولا في الذوق. وبذلك، لم تكن الرقابة فقط أداة للمنع، بل تحولت إلى أداة تطوير ودعم ومهنية. أثبتت فرنسا من خلال هذا النموذج أن النهوض بالخدمات البلدية لا يكون فقط بالبنية التحتية أو اللوائح، بل يبدأ من المطبخ، من الطاولة، من تفاصيل الخدمة اليومية التي تصنع انطباعاً وتؤسس لجودة حياة متكاملة يشعر بها المواطن والزائر معاً.