تجربة استصلاح الأراضي الزراعية القديمة وتحويلها إلى بساتين مثمرة بفضل الله أعمال رائعة تستحق الإشادة والتشجيع وهي تدخل في تجربة السياحة الزراعية الريفية، وتلقى إقبالاً من المصطافين والزوار. وزاد من جمال هذه التجارب الملهمة أن الأهالي بمختلف الأعمار يعملون بجد ونشاط إلى جانب حرصهم الشديد على بقاء النمط التراثي التقليدي العام لتلك المواقع وما تحيط بها من بيوت وقلاع، طرقات وجُرن، آبار، أماكن لتخزين الحبوب وكل المعالم الجميلة للحياة في الريف. واستطاع الوجه الإجتماعي المعروف عبدالله بن محمد الشيخ، وشقيقه «علي» أن يُعيدا إحياء مزرعتين قديمتين في«الرهوات» شمال مدينة ابها، وحولاها إلى أنموذج زراعي مبهج تجري فيه دورة الحياة، وملجأ آمن للحياة الفطرية وحقل تجارب سخرا خبرتهما في الزراعة، والثروة الحيوانية وتربية الدواجن والطيور، فجاءت النتائج مبشرة بفضل الله وتحولت إلى منظومة بيئية متكاملة تسر الناظرين. وفي الأيام الماضية أُُتيحت لي زيارة قرية «الحصون» الوادعة الرابضة بين أكتاف الهضاب، المتمددة على أهداب السحاب، بمبانبها التراثية القديمة، وإطلالاتها البديعة، التي يزيد عمرها على ثلاثة قرون، ويرتفع بعضها سبعة أدوار، وتم بناؤها بأساليب هندسية بالغة الروعة، فيها من الدقة، وجمال التصميم، وروعة التنفيذ ما يجعل الزائر بتوقف كثيرًا، خاصة الجدران الخارجية المكونة من آلاف الأحجار المستطيلة الصلبة الناعمة، المكحولة والمصفوفة، بطريقة تدعو إلى الدهشة والإبهار، وهي تعكس عبقرية متفردة لإنسان هذه الأرض. وفي جولة داخل البستاتين بمرافقة «علي بن مخلد، إبراهيم مطاعن، إبراهيم آل مريع، معاذ آل حشان» كشفت الأرض عن زينتها، وتنافست أشجارها التي أثمرت بأمر ربها من كل زوج بهيح. ولفت نظري الثمار التي أثقلت أغصانها من البرتقال، السفرجل، لتفاح، المشمش، الكمثرا التوت، الرمان، وأنواع أخرى من الفواكه. ونجح «أبو عبدالعزيز» في زراعة اليانسون وبعض أنواع الزهور والنباتات العطرية النادرة التي تنشر شذاها كل مساء على محيط المكان. وخصص الشقيقان معملًا صغيرًا يحوي جميع المعدات والأدوات الزراعية، يتم فيه الاستفادة من القطع الحديدية والخشبية والأثاث القديم، وعبوات البلاستك لإعادة تدويرها بما يحقق الفائدة، مع تصميم وتنفيذ بعض الأفكار الناجحة من قنوات تصريف المياه والري بالتنقيط ومصدات الرياح والجدران الاستنادية الصغيرة. و أثبتت مثل هذه لمبادرات، والأفكار الزراعية الطموحة أثرها الإيجابي بصفة عامة في توسيع الرقعة الخضراء، وزيادة منابت الجمال، وتوقف تدهور التربة، وتحسين جودة الهواء، وزراعة شتلات جديدة من الفواكه والنباتات التي تتلائم مع أجواء المنطقة في الفصول الأربعة، وتشجيع تجربة السكن في الريف للجيل الجديد، واكتساب المهارات من خلال العمل في المزارع والبساتين، وانعكاساتها النفسية الطيبة على الإنسان.