ليس كل من قال لك سرك في بير هو كاتم للأسرار ومحافظ عليها ويتحكم في ضبط نفسه وحفظ لسانه في عدم إفشاء السر وإذاعته فمن البشر من لا يستطيع كتم السر والحفاظ عليه حتى لو وعدك بذلك وقطع على نفسه العهود والمواثيق، فالطبع يغلب على التطبع والأشد من ذلك من يتخذ خصوصيات الناس مادة للحديث بها في المجالس من باب حب التفرد بالأخبار الخاصة والحصرية. وربما تجد من يحفظ السر لسنوات طويلة ولمجرد خلاف وسوء فهم يكشف كل الأسرار في ساعة ويضيف عليها قليلا، وهذا من صنع القلوب المريضة التي تحتاج لتنقية من الحسد والحقد والضغينة، فالحياة مليئة بالتجارب كلما عشت فيها زمنًا كثيرًا عرفت الكثير من طباع البشر المتنوعة والناس يختلفون في طباعهم وخصوصياتهم فمنهم من يكون كتابًا مفتوحًا ومكشوفًا للجميع، ومنهم من يكون دون ذلك وآخرون يحتفظون ببعض أمورهم وتفاصيل حياتهم، وهذا الاختلاف والتنوع طبيعي فالناس أجناس. أحيانًا يحتاج الإنسان لشخص يتحدث معه عن بعض خصوصياته وأسراره ويخرج ما في صدره ويكشف له بعض معاناته وآهاته ويظهر له صدمات وجروح الزمان وهذا البوح يعتبر متنفسًا له وتخفيف من حمل هموم الدنيا. فكن أيها المستمع مستودع للأسرار محكم عليها بالأقفال ومحلا للثقة وجدير بها. من المعلوم إن السر ثقيل على النفس فمن أمن على سر فهو مؤتمن عليه ومن خص ببعض الخصوصيات من باب الثقة ينبغي أن يكون أهلا لحفظ السر ويعتبر إفشاؤه خيانة للأمانة كما أن حفظ السر وكتمانه من أخلاق المؤمنين ومن فضائل الأعمال، ومن خصال الكبار فلا يجوز للمسلم إفشاء سر مؤتمن عليه. ومن هذا الباب يجب أن يعلم المتحدث وقبل أن يقول ما في خاطرة أن يختر من يتحدث معه ومن يكشف له أسراره، ويعلم أن الخبر الخاص إذا تحدث به لم يعد سرًا، فالسر يبقى أسير عندك فإذا تكلمت به صرت أنت أسيره حتى لو قال لك المستمع تحدث فإن سرك في بير. عمومًا... أحفظ سرك في صدرك أضمن وأفضل لك فإن البير مكشوفة.