1.18 مليون موظف بالقطاع العام    51.3% من عقود المشاريع بالخليج للسعودية    5.8 مليارات ريال تداولات الأسهم    اللعب على المصطلحات: صراع اللغة في زمن الإبادة    حينَ تَتكلَّمُ الرِّياضُ... يَصمُتُ الإملاء    المنتخبات العربية المتأهلة إلى كأس العالم 2026    رينارد يواصل كتابة التاريخ مع منتخب السعودية    الرجال حسموها    حاضرون وداعمون    ما بين التراث والتاريخ قصة مؤسسة    تكلفة إعادة إعمار غزة تصل إلى 70 مليار دولار    عون يأمل وقف العمليات الإسرائيلية لبدء التفاوض    قولوا آمين يا هيئة التأمين!    مركز إتمام.. ركيزة التطوير العقاري    بوصلة السلام    الذهب يرتفع مدفوعاً بتصاعد رهانات خفض الفائدة    وزير الرياضة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل الأخضر لكأس العالم 2026م    الأخضر السعودي يتأهل إلى مونديال كأس العالم للمرة السابعة في تاريخه    رونالدو يصبح أفضل هداف في تاريخ تصفيات كأس العالم    سالم الدوسري: تأهل يدل على قوة منتخب السعودية    مجلس الوزراء: نتطلع أن تسهم «قمة شرم الشيخ للسلام» في استقرار الشرق الأوسط    المملكة أوقفت الحرب في غزة وتسعى لدولة فلسطينية    غازي القصيبي في الدوحة    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    جامعة طيبة.. حملة توعوية تُعزز صحة المرأة    هيئة وجمعية حقوق الإنسان تبحثان أوجه التعاون    متعة الترفيه    90 ألف مراجع لعيادات "الملك خالد" بالخرج    صدور رواية نبية وبيوت الموت للأديبة والفنانة التشكيلية سعاد عسيري    "جمانة" تحقّق ميدالية برونزية مع المنتخب السعودي في البطولة العربية المدرسية لكرة القدم    القبض على (7) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (120) كجم "قات"    حزمة كبيرة من المساعدات السعودية تصل غزة    محافظ تيماء يستقبل مدير المعهد الصناعي الثانوي وفرع الكلية التقنية بتيماء    ختام الآيات ومناسباتها وعلاقتها بما قبلها    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية السادسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    الملك فهد الجامعي" يفعّل اليوم العالمي للصحة النفسية تحت شعار "لتصل لذاتك"    تجمع الرياض الصحي الثاني يستقبل أكثر من 470 متدربًا ومتدربة في برامج البورد السعودي    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    تعليم جازان يتصدر ب 10.8% من المدارس الحكومية المتميزة على مستوى المملكة.    «ضمانات» مباشرة لمفاوضي حماس تقود لاتفاق غزة    تحذيرات روسية لواشنطن وأوروبا: «توماهوك» قد تشعل مواجهة نووية    أمير المدينة المنورة يدشن مشروعات صناعية ولوجستية    تخريج أطباء سعوديين من برنامج «القيادة المتقدمة» بأوتاوا    برعاية وزير الداخلية وبمشاركة 40 دولة ومنظمة.. مؤتمر الإنتربول يناقش مستقبل العمل الشرطي    «الأرصاد» : حالة مطرية خلال نوفمبر بمعظم المناطق    رئيس جامعة الملك سعود يدشن الدورة الخامسة.. بدء الترشيح لجائزة «جستن للتميز»    «فلكي» يوضح أسباب الاختلاف في موعد دخول الوسم    الكلمة الطيبة.. محفّزة    بدعم من القيادة الرشيدة ..مرحلة جديدة نحو المستقبل.. السعودية تتسلم رسميا راية «إكسبو 2030 الرياض»    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    المملكة تتضامن مع أسر ضحايا حادث شرم الشيخ    «التخصصي» يعزز ريادته في العلاجات الجينية    الوطن أمانة    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    أمراض الراحة    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة ديناميكية نفسية لكتاب "حياة في الإدارة"
نشر في الوطن يوم 14 - 09 - 2024

كتاب "حياة في الإدارة" للدكتور غازي القصيبي من فرائد المكتبة العربية التي جمعت بين السيرة الذاتية والادارة باسلوب أدبي رفيع. و كغيري من المهتمين بهذا الفن، قرأت الكتاب أكثر من مرة، حتى أن قراءته اصبحت عادة لي قبل مباشرتي لأي عمل اداري جديد. إلا أن قراءتي الأخيرة له كانت مدفوعة بالرغبة في مقارنة الديناميكية النفسية للقادة السعوديين في مراحل زمنية مختلفة، لفهم الثوابت والمتغيرات التي تؤطر السلوك التنظيمي للفرد ، والمنظمة، و دور القائد في التحول والتغيير، اللذان يعتبران حجرالأساس للاستدامة والتنافسية لأي منظمة.
من خلال سابقة عملي القيادي في القطاعات الثلاثة – العام، الخاص، وغير الربحي – مررت بتجارب لم أكن أعلم حينها أنها كانت نمطًا متكررًا مر أيضاعلى غيري من القادة . وإلى عهد قريب، كنت أبحث عن السبب في ذاتي فقط، ولم أعي إلا مؤخرا أن الدينامكية النفسية للفرد والمنظمة تلعبان دروا بارزا في نجاح القادة واستدامة المنظمات التي يديرونها. و أن البشر، رغم اختلاف جنسياتهم و ثقافاتهم ، يشتركون في طبيعة نفسية أساسية واحدة، لذا فإن جزءًا كبيرًا من تعامل القائد مع فريقه يحكمه مستوى اللاوعي الخاص بهم جميعا.
عودا إلى كتاب "حياة في الإدارة" الذي يقدم أنموذجاً معقداً وفريداً، قابلا لاستنطاق مفاهيم الديناميكا النفسية التي رافقت الكاتب خلال سني عمله القيادي ، في ذاته وفي ذوات الأفراد اللذين عملوا تحت ادارته على حد سواء، حيث يمكن من خلال هذه القراءة الديناميكية النفسية للكتاب أن نسبر تأثير الدوافع اللاواعية، وآليات الدفاع النفسي، وملامح الذكاء العاطفي على القصيبي كقائد تحولي، ومنسوبي المنظمات التي تولى إدارتها.
تناول القصيبي في كتابه تأثير تجارب الموظفين السابقة على استجاباتهم لأساليب الإدارة الجديدة التي حاول تطبيقها في الجهات التي تولى قيادتها. وهو ما يمكن أن يفسر بمفهوم التحويل (Transference) أحد مفاهيم علم النفس الديناميكي، الذي يشرح نقل الأفراد لمشاعرهم أو ردود أفعالهم من علاقاتهم السابقة إلى الحاضر.
في هذا الإطار، يشير القصيبي إلى أن بعض موظفيه أبدوا مقاومة في تنفيذ قراراته الادارية التصحيحية. هذا التردد لم في حقيقته رد فعل مباشر على القرارات الجديدة، بل هو ناتج عن تجاربهم مع قرارات قادة سابقين كانت قد أضرت بهم، أو كونت لديهم شعورًا بعدم الثقة ، أو الأمان.
علاوة على ذلك، يتناول الكتاب أيضًا مفهوم الإسقاط (Projection)، حيث يعبر القصيبي عن مخاوفه من أن فريقه قد لا يلتزم بالتعليمات بسبب تجاربه السابقة مع فرق أخرى كانت تفتقر إلى الانضباط. يظهر هذا الإسقاط بجلاء كآلية دفاعية نفسية – للقصيبي نفسه- حيث تم بها نقل مشاعره السلبية من الذات إلى الآخرين، وهي آلية نشأت في اللاوعي لدى الكاتب في حينها لاستعادة التوازن النفسي و مواجهة القلق الناشئ عن الموقف الذي واجهه
أيضًا، يظهر مفهوم الكبت (Repression) في الكتاب كآلية دفاعية يتم بها حجب الأفكار والمشاعر المؤلمة عن الوعي. يلاحظ أن القصيبي تجنب في مواقف عدة التركيز على تفاصيل الأزمات، والمشاكل التي مر بها، كالأوقات الصعبة التي واجهها أثناء إدارة مشروع حكومي كبير، هذا التجنب يعكس محاولة القصيبي لكبت مشاعره للحفاظ على توازنه النفسي والتركيز على تحقيق أهدافه.
من جانب آخر، يتناول الكتاب تأثير تحمل الضغط النفسي (Resilience) كجزء من القدرات القيادية للقصيبي، فتراه يشيد بقدرته على تحويل الضغوط إلى دافع للإنجاز، والابتكار، حيث استخدم هذه الضغوط خلال الأزمات الاقتصادية لتطوير استراتيجيات جديدة حفز بها فريقه للتحول والتغيير. هذا التوجه الذي نحى إليه الكاتب يتسق مع نظرية الإيجابية النفسية (Positive Psychology)، التي ترى أن القدرة على تحويل الضغوط إلى فرص يمكن أن يكون مفتاحًا للاستدامة.
علاوة على ذلك، ناقش القصيبي بشكل ضمني مفهوم التنافر المعرفي (Cognitive Dissonance) في بعض قراراته الإدارية، عندما تعين عليه اتخاذ قرارات تتعارض مع قيمه الشخصية ،أو قيمه ومبادئه، كما في حالة اتخاذه قرارا رأه يتناقض مع مبادئه حول الشفافية. فعمد القصيبي إلى إعادة تقييم الموقف، وضبط استراتيجيته لتقليل التنافر بين قيمه وسلوكياته. هذه النقلة في مباشرة الموقف تتماشى مع نظرية فيستنجر (Festinger) التي تشير إلى أن الأفراد يسعون لتقليل التنافر بين معتقداتهم، وسلوكياتهم للحفاظ على التوازن النفسي.
من الجوانب الأخرى التي يعرضها الكتاب هي أهمية القيادة المستدامة (Sustainable Leadership)، والتي تركز على التوازن بين تحقيق الأهداف قصيرة وطويلة المدى مع مراعاة التأثيرات البيئية ، والاجتماعية. أبرز القصيبي وعيًا بأهمية تبني نهج متوازن يحقق الأهداف المؤسسية دون الإضرار بالموارد أو البيئة، متماشيا بذلك مع النظرية الحديثة في الاستدامة المؤسسية (Corporate Sustainability)، التي تؤكد أهمية الموازنة بين النظرة بعيدة المدى، وتجنب الاستنزاف غير المسؤول للموارد المتاحة.
أخيرًا، يشير الكتاب إلى تأثير الثقافة التنظيمية (Organizational Culture) على القيادة، حيث برهن القصيبي على أن نجاح القائد يعتمد على قدرته على تشكيل وتوجيه الثقافة التنظيمية بما يتماشى مع رؤيته وأهدافه، فتراه يشيد بنجاحه في تطوير ثقافة تنظيمية تشجع على الابتكار والتعاون، مما ساعد على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة التي أشرف عليها. هذا يتماشى مع نظرية إدغار شاين (Edgar Schein) التي ترى أن القيادة الفعالة هي التي تستطيع تشكيل القيم والمعايير السائدة داخل المؤسسة لدعم تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
إن استنطاق عدد من مفاهيم الديناميكية النفسية التي أشار إليها ضمنيًا كتاب "حياة في الإدارة"، يبين أن القصيبي – رحمه الله- قدم أنموذجًا قياديًا معقدًا ومتكاملًا، يجمع بين فهم النفس البشرية وتأثيرها على القيادة. و أرى أن هذه الرؤية العميقة، والمترابطة بين مختلف الجوانب النفسية والقيادية، تقدم إطارًا يساعد على تطوير نماذج قيادية مستدامة وفعالة ، يمكن أن يبنى عليها لتكون قوالب قيادية يسترشد بها قادة منظمات القطاعات الثلاثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.