أكثر من 5 آلاف سيارة أجرة لنقل الحجاج    خادم الحرمين يتلقى رسالتين خطيتين من ملك الأردن ورئيس مصر    تفاصيل العرض الأول من النصر لضم برونو فيرنانديز    قدوم 935966 حاجا من خارج المملكة    هنري لم يضم مبابي في القائمة الأولية للمنتخب الأولمبي الفرنسي    أيمن يحي يخرج من حسابات مانشيني    الفضلي: المنتدى العربي للبيئة يؤسس منصة حوار لتوحيد الرؤى تجاه القضايا البيئية    أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء    جونيور أفضل لاعب في ال «UEFA»    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    مواطن يمكّن مقيماً من سجله بمعرض ستائر وديكورات    زراعة أكثر من 596 ألف شتلة من الزهور والشجيرات والأشجار خلال 4 أشهر الأولى    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمل    أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار    بيئات واستعدادات هيأتها إدارات المدارس في الطائف    أمير تبوك يستقبل معالي مدير عام الجوازات    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    "الهلال" و"معهد إعداد القادة" يوقعان اتفاقية "مسار واعد"    كلاوديا تصبح أول سيدة تتولى رئاسة المكسيك    سفير المملكة لدى الأردن يودع قافلة حجاج بيت الله الحرام    سعود بن بندر يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية بناء ورئيس وأعضاء نادي القادسية    السيسي يكلف مدبولي تشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات    مفتي عام المملكة ونائبه للشؤون التنفيذية يستقبلان رئيس جمعية إحسان لحفظ النعمة بمنطقة جازان    "كفاءة الإنفاق" تطلق الحملة التوعوية بالدليل الوطني لإدارة الأصول والمرافق    بدء اكتتاب الأفراد في 154.5 مليون سهم بأرامكو    أسعار النفط تتراجع    طلائع حجاج إيطاليا تصل مكة المكرمة    نتنياهو يناقض بايدن: «الصفقة» لا تشمل وقف الحرب    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    لأول مرة على أرض المملكة.. جدة تشهد اليوم انطلاق بطولة العالم للبلياردو    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    دموع «رونالدو» و«الهلال» يشغلان صحف العالم    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    توبة حَجاج العجمي !    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنتصر طبائع الاستبداد بفضل الوباء؟
نشر في الوكاد يوم 06 - 04 - 2020

في زمن تفشي فيروس «كورونا المستجد»، تستمر السجالات المحمومة بشأن تفوق النظام الاستبدادي المغلق في مواجهته على النظام الديمقراطي الحريص في الوقت عينه على الإبقاء على الحد الأدنى من الحزم البوليسي وصيانة مكتسباته من الحقوق والحريات. ففي حملة ممنهجة، تضج وسائل الإعلام التقليدية والرقمية بصور لجنود الجيش الصيني يلقون التحية على أطباء وممرضين بعد إنهاء عملهم في ووهان وعودتهم إلى مستشفياتهم في دلالة على الانتصار على الفيروس الفتاك، وفي المقابل تتزاحم صور صادمة لآلاف النعوش في ساحات إيطاليا وإسبانيا بانتظار نقلها إلى المدافن. وطالت هذه الحملة الولايات المتحدة لتبشرنا بقرب أفول «الإمبراطورية» الأميركية وانهيارها اجتماعياً واقتصادياً.
محصلة هذه الدعاية المبرمجة، أن الصين الدولة الديكتاتورية ومنشأ «كوفيد - 19» خرجت الناجح الأكبر في الاختبار وأعلنت تعافيها منه وعودتها إلى الحياة الطبيعية (علماً بأن أحداً لا يستطيع التثبت مما يجري هناك)، فيما دول الغرب الديمقراطية، وخارج كل التوقعات، هي الفاشل الأكبر «ويجتاحها» الفيروس على نحو كارثي متسبباً في سقوط آلاف الضحايا يومياً، سقطت معهم أسطورة الديمقراطيات الغربية في فضيحة حضارية مدوية.
هذه الحملات غير جديدة، وهي تدخل دون شك في سياق التجاذب السياسي العالمي المعهود بين المعسكرين الشرقي والغربي، فاستغل الأول الأزمة الصحية السائدة لشن حملة تضليل كبرى، كما وصفها الاتحاد الأوروبي، للتهويل من أثر «كوفيد - 19» وخلق حالة من الذعر ونشر أجواء عدم الثقة داخل المجتمعات الغربية. وللتذكير، حتى في الغرب نفسه لا سيما الولايات المتحدة، ظهرت منذ عقود أدبيات تتناول تراجع الولايات المتحدة تدلل على مكامنه مقابل صعود الصين وغيرها مثل دول البريكس، في نقاش دفع البعض إلى القول إن الأميركيين يجلدون أنفسهم.
لا ريب أن بعض الحملات التي طالت الأنموذج الغربي أو الليبرالي وتحديداً الليبرالي الجديد مبرَّرة ومفهومة، ذلك أن المنتقدين محقّون بالقول إن هذه الدول المتطورة الجبارة ذات الموازنات والقدرات والطاقات الاقتصادية والمالية والعلمية الهائلة، عجزت مؤسساتها وأجهزتها الصحية والحوكمة المتقدمة المتّبَعَة فيها عن مواجهة الجائحة بالشكل الذي كان متوقعاً منها. وهذا أثبت، وفقاً لهم، أن توحش رأس المال أسفر عن نمو قوى وطاقات ومؤسسات وشركات عالمية أغفلت إيلاء العناية الكافية للبحوث والعلوم وعلى رأسها تلك المرتبطة بالقطاع الصحي، إضافة إلى تخصيصها أموالاً طائلة للإنفاق العسكري على حساب قضايا أخرى تهمّ مصير الإنسان، الفرد والجماعة. إلى هذا، وعند بداية انتشار الوباء في الصين، اعتقد الغرب أنه فيروس محصور جغرافياً (Epidemic) ولن يستشري ليصبح وباءً عالمياً (Pandemic)، وكان الهوس حول مصير الاقتصاد أكبر من الخوف على حياة البشر. وشاب تعاطي الديمقراطيات الغربية على المستويين الرسمي والشعبي نوعاً من اللامبالاة، فلم تتوقع الجهات المعنية حجم تداعياته ولم تباشر إلا متأخرة فرض ما يسمى التباعد الاجتماعي، الأمر الذي فاقم انتشار الفيروس.
الموضوعية تقتضي عدم القفز فوق هذه الوقائع المفجعة والاعتراف بفشل الديمقراطيات في المواجهة الأولية لهذا الوباء وباجتياحه لها في غفلةٍ عنها وتغافلٍ منها، ولعل في ذلك درساً ستتعلم منه دون شك.
لكنّ هذا الأمر شيء، والترويج لأن هذا الفشل مؤشر إلى فشل النموذج الحضاري الغربي في مساره الرأسمالي الديمقراطي الليبرالي وبشرى باقتراب نهايته شيء آخر، أقل ما يقال فيه إنه تبسيط ساذج للتاريخ برمّته ينمّ عن حقد مَرضي على ما يمثله الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. ومن المنصف هنا اعتماد مقاربة عقلانية هادئة لهذا السجال الدائر حول الأنموذجين، وأيهما أفضل في تحقيق الهدف الأسمى للحكم، وهو الحفاظ على الروح البشرية وإنسانيتها.
إن مجمل الركائز التي تقوم عليها الأنظمة الليبرالية في العالم والمغيبة في الأنظمة الشمولية المستبدة، من تداول للسلطة عبر الانتخابات النزيهة والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، إلى الشفافية والمحاسبة، وحماية المجتمع المدني من تغول الدولة، كلها نتاج تراث ثقافي وفلسفي وأدبي وفني وعلمي وتقني جذّر لمجموعة من المبادئ الاجتماعية والأخلاقية أسّست لأنظمة تُعلي شأن كرامة الإنسان وتقدّس الحرية. وبخلاف المتّبع في دول مثل الصين وروسيا وغيرها، فإن أهمية الحكم في البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية الليبرالية تكمن في كونه حكم مؤسسات وليس حكم أفراد، فالقادة يأتون عبر التصويت على رأس المؤسسات لإدارتها والتقيد بأصول عملها وإجراءاتها وإدارة البلاد عبرها، ويخضعون على مدار الساعة للاستجواب والمساءلة. والاختلاف الثقافي هنا واضح، بين ثقافة تجد أن تمديد فترة حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسنة 2036، أمر طبيعي، وأن بقاء الرئيس الصيني في الحكم مدى الحياة مألوف، وأن تقييد حرية استعمال الإنترنت وسجن المعارضين بدون محاكمة وإخفاءهم واغتيالهم بالرصاص والسم لا ريب عليه، وثقافة لا تعد هذه الأمور مستهجنة فحسب بل هي بالنسبة إليها تدخل في نطاق «غير المفكر فيه».
ولا يغيب عنّا هنا الدور المحوري الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الأنظمة الليبرالية، ويكفي في هذا السياق النظر إلى دور مؤسسات على غرار «نيويورك تايمز» و«سي إن إن» و«إيه بي سي» وغيرها من الصروح الكبرى في مراقبة عمل السلطة الرسمية والحكومية، والتي دونها لكانت الأمور مختلفة كلياً. ولعلّ مرحلة إدارة الرئيس دونالد ترمب بخاصة، كفيلة لتبيان الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في السياسة الأميركية.
ومن المفيد أيضاً مراجعة سريعة لسجلّ جوائز نوبل منذ نشأتها للملاحظة أن أغلبية حائزيها في مختلف الحقول هم من الولايات المتحدة بخاصة ومن الدول الغربية بعامة، أو أنهم على صلة بجامعات ومعاهد ومراكز بحوث وصروح ثقافية وعلمية غربية. كما نظرة سريعة على المؤسسات الرائدة في العالم اليوم من «مايكروسوفت» إلى «غوغل» إلى «ياهو» إلى «تويتر» بدون أن ندخل في تعداد الشركات الأميركية الموجودة في كل أنحاء العالم، تدفعنا إلى اعتبار أن استسهال القول إن الأنموذج الأميركي بخاصة والغربي بعامة قد سقط فيه الكثير من التسرع والخفة وما يصح تسميتها نزعة العداء لأميركا والغرب بعامة.
وبعد ما جرّه على العالم تكتم الصين على الحقائق وإخراس الأطباء الذين حاولوا التنبيه من الفيروس، لن تنجح محاولاتها اليوم لعب دور المخلص من الجائحة بواسطة القوة الناعمة. فالاحتفال الرومانسي بعودة الاشتراكية الستالينية واندثار العولمة على وجه التحديد يخالف منطق التاريخ، إذ حتى الصين لم تعد اليوم دولة اشتراكية بل نظام رأسمالي تديره الدولة وتقيد فيه الحريات، تماماً كما هي الحال مع روسيا التي أصبح نظامها أوتوقراطياً رأسمالياً يقوم على تعطيل المؤسسات وتجويف الديمقراطية.
ما يُنظر إليه اليوم من فشل الغرب في التصدي لجائحة «كورونا» لعله خسارة آنيّة لمعركة في حرب، وعلى الرغم من مروره بعصور انحطاط يبقى الأنموذج الغربي متجذراً في التاريخ بدءاً من حضارة الإغريق والرومان مروراً بعصر النهضة ووصولاً إلى العولمة، وسيتفوق مرة أخرى في التجدد الحضاري والإنساني ولن ينساق إلى خدع الاستبداد وسيعزز وفق كل المؤشرات قدراته العلمية والفكرية لتجاوز هذه الجائحة دون التفريط في ركائز نموذجه الديمقراطي.
نقلا عن الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.