اللائحة التنفيذية لتنظيم الدعم السكني تدخل حيز التنفيذ    الأمن العام يشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    الأسهم الآسيوية والأوروبية تسجل مكاسب قوية وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفّذ أكثر من 81 ألف جولة رقابية على المساجد والجوامع خلال الربع الأول من عام 1447ه    وزير الداخلية: معرض الصقور منصة عالمية لصون الموروث الثقافي السعودي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق خطتها الاستراتيجية الثالثة (2025–2030) الاحد المقبل    «زاتكا» تُحبط تهريب 19.2 كجم من "الشبو المخدر"    إمام المسجد الحرام: تزكية النفوس سبيل السعادة والعيش الطيب    إمام المسجد النبوي: التباهي والتفاخر مظهر كبر وجهل وزيف دنيا    القيادة تهنئ رئيس ألمانيا بذكرى يوم الوحدة لبلاده    رينارد يضم العمري للمنتخب السعودي    رئيس إنتر ميلان يكشف حقيقة رحيل أوسيليو لنادي الهلال    شراكة استراتيجية بين "إكرام الجود" والهيئة الملكية لدعم مستهدفات رؤية 2030 في خدمة ضيوف الرحمن    الرياض الدولي للكتاب 2025 يشرع أبوابه لعشاق الثقافة في حرم جامعة الأميرة نورة    أكثر من 23 ألف منشط دعوي ينفذه فرع "الشؤون الإسلامية" بالمدينة خلال الربع الأول من 1447ه    روسيا تحاول التشويش على أقمارنا الاصطناعية "أسبوعيا"    القهوة.. رمز عالمي للتواصل ومورد اقتصادي يفوق 100 مليار دولار سنويًا    أمين الطائف يدشن مبادرة "تحسين وتطوير مداخل المويه"    97 ألف زائر يتعرفون على تقنيات طباعة المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة    قنديل في مهب العاصفة    المقاومة الزائفة    انطلاق بطولة آسيا للياقة البدنية الوظيفية 2025    ترامب يحذر من تسريح موظفين وإلغاء مشاريع    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    مطار ميونيخ يوقف الرحلات الجوية    المملكة والمكسيك توقعان مذكرة تفاهم    الأخضر السعودي في مجموعة قوية بكأس آسيا تحت 23 عامًا 2026    الرخص الرياضية استثمار منظم يفتح أبواب الاقتصاد الجديد    "الهجن السعودية" تتصدر قوائم كأس الاتحاد السعودي ب 4 كؤوس و45 شوطاً    هيئة المساحة الجيولوجية: رصد زلزال بقوة 5.1 درجات في وسط إيران    ديشان يدعم قاعدة (البطاقة الخضراء) ويدعو لاستغلالها بشكل إيجابي    ترامب: أميركا تخوض «نزاعاً مسلحاً» مع كارتلات المخدرات    قراءة في مجد الطبيعة وصغارة الإنسان    الإعلاميان الكبيران : محمد عابس وعبدالعزيز خزام في مهرجان القصيدة الوطنية    نحترق لتنضج الطبخة    الشيخ والغوغاء 2/2    ضبط مواطن في جازان لتهريبه ونقله مواد مخدرة وإيواء مخالفين    مواقف المملكة العربية السعودية «الأفعال تصنع الفرق قبل الأقوال»    تركيب لوحات شارع الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في العاصمة الرياض    التعليم معركة الوعي وبناء المستقبل    التكيُّف مع الواقع ليس ضعفًا بل وعي وذكاء وقوة    "التخصصي" في المدينة ينجح في إجراء زراعة رائدة للخلايا الجذعية    إرث متوارث.. من قائد (موحد) إلى قائد (ملهم)    «التأمينات» اكتمال صرف معاشات أكتوبر للمتقاعدين    تابع سير العمل ب«الجزائية».. الصمعاني: الالتزام بمعايير جودة الأحكام يرسخ العدالة    حققت مع 387 موظفاً في 8 وزارات.. «نزاهة» توقف 134 متهماً بقضايا فساد    شذرات.. لعيون الوطن في يوم عرسه    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.. اقتحام الأقصى وتصاعد حصيلة الشهداء في غزة    هجوم حوثي صاروخي يستهدف سفينة هولندية في خليج عدن    اغتيال مرشح برلماني يهز طرطوس.. أردوغان يحذر من المساس بسلامة الأراضي السورية    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    تقليص ساعات العزاء والضيافة عن نساء صامطة    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية    بطل من وطن الأبطال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جهاز القضاء في المملكة .. هل هو حل أم مشكلة؟
نشر في الوكاد يوم 31 - 05 - 2011

أتذكر حادثة وقعت قبل سنوات، حيث كنت مفاوضاً ممثلاً لشركة سعودية مع شركة أخرى خارج المملكة، وكانت كل الأمور تجري على ما يرام، حتى وصلنا إلى مرحلة كتابة العقد، وفي فقرة النزاع أصر الجانب الآخر على أن يكون محل القضاء في لندن، وبعد جولات من التفاوض وافق على تعديل لندن ليكون أي مكان آخر، لكن ليس في السعودية! لماذا ليس في السعودية؟ صدقوني لم يكن بسبب أنها تُحكم الشريعة والناس خارج المملكة ضد الشريعة، لكن لأن سمعة مؤسسات القضاء مخدوشة كما قيل لي آنذاك، وكلمة ''مخدوشة'' أتعبتني حتى وصلت إليها كأخف تعبير يمكن إطلاقه بديلاً لما قاله لي المفاوض الأجنبي، لماذا هي مخدوشة؟ الأسباب كثيرة، لكن من أهمها مشكلة عدم الاختصاص، كما هو التضارب بين المحاكم الشرعية والمحاكم التجارية، إضافة إلى إمكانية الحكم بحكمين مختلفين في قضيتين ذات وقائع متماثلة، وعدم وجود نظام للرهن العقاري، والاعتماد المطلق على تقارير الخبراء ... إلخ، لكن كل هذا ''كوم'' ومشكلة المشكلات في تأخير النظر في القضايا والمدد التي يستغرقها نظر الدعوى والبت فيها والحكم والتمييز ''كوم'' آخر.
طبعاً .. خرجت من مفاوضاتي تلك متذمراً من اتهام الغير ''الأجنبي'' لجهازنا القضائي الذي نشرُف به، ولم تفد العروض الدفاعية التي قدمتها لإقناع الطرف الآخر بتحديد المملكة كمكان للتقاضي، بل كاد تعسفي بالإصرار عليه أن يلغي الصفقة بالكلية، ولم يكن دفاعي شكلياً، بل كانت قناعتي مؤكدة بأن ما قيل غير صحيح.
بعد تلك الحادثة بسنوات، وكنت مفاوضاً أيضاً وممثلاً لأحد طرفي الصفقة التي كانت بين جهتين داخل المملكة، وفي هذه الصفقة كانت المفاجأة أن كلا الجانبين يطلبون مكان التقاضي والتحكيم في لندن أو سنغافورة أو في أي مكان آخر، المفاجأة الأكبر أنني كنت غير معترض على ذلك! يا ترى ما الذي تغير؟
الذي حدث أن الفارق الزمني بين الحادثتين أثرى خبرتي وتجربتي على الواقع، فقد سمعت خلال تلك الفترة عن العديد من القضايا التي شابها ما شابها من ملابسات، لكن كانت المشكلة الأساسية والعامل المشترك بينها والشكوى المستمرة تكمن في التأخير والتسويف في نظر القضايا والتأمل فيها وطول المواعيد والتردد في الحكم، وإجازات القضاة أو طلب تعديل الوكالات ... إلخ، وبين كل جلسة وأخرى أشهر من الصبر والمعاناة لأطراف الدعوى، خاصة المتضرر منهم، والأدهى والأمر قيام القاضي بالبدء بنظر الدعوى من جديد عند تغيير القاضي السابق نتيجة ترقيته أو تقاعده ... إلخ.
ففي قضية شهدتها شخصياً استغرق الحكم فيها مدداً طائلة وانتهت بأداء اليمين، ثم تم الحكم فيها، وتم انتهاء مهلة التمييز، وبعد ذلك رفع المدعي دعوى جديدة على الشخص نفسه في الموضوع ذاته، لكن بحجج أخرى فأحيلت الدعوى للقاضي نفسه الذي حكم في القضية الأولى، وما زالت الدعوى منظورة منذ سنوات، وأخيرا تمت ترقية القاضي وأحيلت القضية إلى قاض آخر، والذي بدأ في النظر فيها من جديد، وبموعد جديد وما زال الطرف المدعى عليه ينتظر الفرج.
قضية أخرى أعرف أطرافها وشهدت على أحداثها شخصياً، رفعت فيها الدعوى في أوائل عام 1429ه وأعطي الموعد الأول بعد ما يقارب ثلاثة أشهر، بعدها تم تأجيل النظر ما يقارب خمسة أشهر، وفي هذه الجلسة طلب القاضي تعديل وكالات الطرفين، وفي الجلسة التالية بعد ما يقارب أربعة أشهر رد القاضي الدعوى بعدم الاختصاص، وبعدها بسنة كاملة تم الفصل في تنازع الاختصاص وردت إلى القاضي نفسه للنظر فيها، وأعطى الطرفين موعداً بعد ما يزيد على ستة أشهر، وبعد سماع تعليق ورد المدعي على أقوال المدعى عليه يعطى الطرفان موعداً آخر بعد أكثر من أربعة أشهر، وعند حضور الطرفين حسب الموعد يقال لهما إن القاضي في إجازة مرضية! فيعطيان موعداً جديداً بعد أكثر من ستة أشهر! هل يعقل هذا؟ هل مصالح الناس بهذه المهانة؟ ما ذكرته أعلاه ليس فيلماً أو حلما، بل حقيقة واقعة، فالقضية تجاوزت مدة تقديمها ثلاث سنوات وهي ما زالت مكانك راوح!
المشكلة ليست في قلة القضاة أو الموظفين فقط، المشكلة الأكبر في الاهتمام بالآخرين، والنظام المطبق في المحاكم، والمساعدين، بل حتى في أبسط سبل التعامل مع الغير، فلماذا تنظر القضية أربع مرات حتى يحكم فيها بعدم الاختصاص؟ ولماذا لا يبلغ أطراف الدعوى بإجازة القاضي أو غيابه قبل حضورهم لمجلس القضاء خاصة مع التقنية الحديثة التي أصبحت معها المستشفيات والسفارات، بل حتى الوزارات الأخرى لا تتعامل إلا مع رسائل الجوال تحديداً وتذكيراً للمواعيد وتأكيداً أو اعتذاراً لها؟ ولماذا عندما يفوت القاضي موعد الجلسة يحدد موعداً جديداً يتجاوز ستة أشهر؟ لماذا لا يحدد موعداً جديداً قريباً لنظر القضايا المتأخرة؟ ولماذا يحكم في القضية ثم يقبل نظرها مرة أخرى وهي منتهية بالتمييز أو عدمه؟
هنا أتساءل ويحق لي: أين صرفت مبلغ السبعة مليارات التي خصصت لتطوير القضاء؟ إذا كانت لم تصل تقنية الوزارة إلى مستوى رسالة الجوال التي يعتذر بها القاضي عن غيابه!
لقد تغير القضاء كثيراً، لكن ما الذي تغير! الجميع يجزم بأن المكاتب أصبحت أجمل والديكور أحدث والتكييف أبرد، لكن هل هذا هو المطلوب؟ نريد قضاة أكثر، نريد التزاماً أكبر، نريد احتراماً يليق بنا، نريد أحكاماً لا تتأخر، نريد الأفعال والمعاني لا المباني.
كل ما قلته لا يعني التعميم، فهناك الكثير من القضاة الأفاضل الذين لا يألون جهداً في إنهاء القضايا المعلقة، بل تعجيل البت فيها وكسر حواجز الروتين الذي قد يؤخرها، كما أن هناك الكثير منهم الذين يراقبون الله أولاً وأخيراً حتى في حضورهم وانصرافهم، بل منهم من يصرف من وقته الخاص لدراسة القضايا وفك طلاسمها، لكنها مع الأسف تصرفات القلة التي تفسد سمعة الكل.
همسة أخيرة .. هل يعلم القضاة والمسؤولون في الجهات القضائية أن القضاء أصبح بعبعاً للناس بدلاً من أن يكون ملجأً لهم؟ فإذا أراد مماطل أن يشاغب هدد بالقضاء، وإذا أراد مشاكل أن يتملص هدد بالمحاكم، ألا توافقونني أن القضاء في هذه الحالة يصبح مشكلة وليس حلاً.
نقلا عن الاقتصادية السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.