كتبت عن تجمد الأنظمة الوظيفية وبالذات سلم الوظائف العامة، وعن مدى التباين في الأنظمة التقاعدية واتساعه في مجال التقاعد المبكر. كتبت كثيرا وتساءلت بتحريض من نبض الشارع وتجاربه وآلامه عن الأسباب الداعية إلى عدم إعادة فتح المجال للناس لضم خدماتهم السابقة إلى خدماتهم الحالية، ولي في هذا المكان مقال لم يجف حبره تحت عنوان (غشيتوا الوزير وأحرجتم الوزارة) وفيه ناقشت بالتلميح كارثة السلم الوظيفي المعتمد في إحدى الوزارات دون (استيعابه لما قبله) وتأثيره بالتالي على حقوق فئات من العاملين القدامى رغم حرص الوزير المختص على العدل والمساواة كما أعرف. بالمختصر، نبهت بشكل عام إلى خطورة التراكمات السلبية على مصالح المجتمع، وقد لامني بعض القراء الكرام على اتباع منهج الرمزية ووصفوا مقالاتي بالمشفرة وهنا أقول لهم عذرا قصدت لفت نظر المعنيين دون النبش والتعرية. واليوم أقول إنه يصعب إلى درجة بعيدة افتراض أن مجلس الشورى لا يعير شؤون موظفي وموظفات الدولة والعاملين والعاملات في القطاع الخاص – سواء على رأس العمل أو في مرحلة ما بعده (التقاعد) ما يلزم من الاهتمام لضمان الحقوق وتحسين الأوضاع في إطار ما للمجلس من علاقة بدراسة الأنظمة. ويخرج من حسابات المنطق ويصعب أيضا افتراض أن أعضاء وعضوات مجلس الشورى يجهلون الآثار المترتبة على عدم إشباع حاجات العاملين وعدم صون حقوقهم. في تقديري أن تجاهل مطالب وتطلعات القوى العاملة في ظل تسارع تعقيدات المعيشة مع ما في جوف المرحلة من تحديات يقع في خانة «اللا معقول واللا مقبول»، وأعتقد أن عدم القبول ينسحب على تراخي عديد من المصالح الحكومية في المواجهة وتعليق ما يصيبها من فشل على شماعة الأسباب المالية في الوقت الذي يلمس فيه القاصي والداني سخاء عطاء الدولة. إلى ما سبق، المتوقع هو أن للأكثرية داخل مجلس الشورى وخارجه تجارب في مجال الترقيات أو مواقف معينة مع العلاوات، وبالتالي يكون من غير المقبول ألا ينال هذا الشأن الوطني المقلق ما يستحق من الجهود المنحازة للمصلحة العامة للسيطرة الكاملة على تحركات الخلل، مع ملاحظة أن تعظيم الولاء ودفعه لا يأتي من فراغ ولا يتحقق دون إشباع الحاجات وضمان الحقوق، من الذي يستطيع أن ينكر أهمية ولاء العاملين لجهات عملهم سواء في مجال جودة الإنتاج أو مجال نمو المنشأة واستقرارها. ومن ذا الذي يستطيع أن يقلل من أهمية خلو بيئة العمل من الاحتقان والمشاعر السلبية. من المؤكد أن المسؤول الذي يدير الأمور بإخلاص لضمان حقوق العاملين وتحفيزهم أينما كانوا وكائنة ما كانت هذه الحقوق يمهد لنشر ثقافة الولاء في عالم المهنة ويؤسس لحفظ التوازن الشخصي وأيضا الاستقرار النفسي لدى العاملين وذلك يؤدي دون ريب إلى تأصيل شمولية الولاء للوطن على أسس لا تقبل المزايدة ولا تسير إلى الخلف ويعم الاستقرار كمحصلة نهائية وهل من عاقل لا ينشد هذه النتيجة في زمن لا يحتمل تورم الأخطاء ولا يقبل بالمراوحة في ذات المكان؟. عموما، رغم توافر الفرص والإمكانات واستمرار الدعم، لا أذكر أن وزيرا من أهل الاختصاص المباشر قد سجل له في تاريخ العمل المؤسساتي مبادرة أو موقف للقضاء النهائي على مشكلة التجمد الوظيفي في سلم الوظائف العامة، ولا أذكر أن لجنة كونت لهذ الغرض وما يتصل به قد أفلحت وختمت أعمالها بما يكفل حصول الترقيات في وقتها أو الاستمرار في صرف العلاوات السنوية مقابل عدم التدرج الوظيفي دون شروط وقيود تعيد المشكلة إلى المربع الأول، أتمنى أن أكون مخطئا (ولا أقول أكثر). بصراحة قناعتي أن كل ما طرأ من احتواء وتحسين في هذا الشأن أتى بتوجيهات من القيادة السياسية التي تتلمس احتياجات أبناء وبنات الوطن بشكل مباشر وتبحث شؤونهم بشكل أبوي. فهل باستطاعة مجلس الشورى في دورته الحالية أن يقدم حلا جذريا لهذه المعضلة المزمنة التي ضاق بها الجميع ذرعاً ويسجل له موقفا تاريخيا في ذاكرة الوطن؟. ومن ناحية أخرى، التقاعد المبكر مبني في الأصل على رغبة الموظف/ الموظفة، الخاضعين لنظام العمل الذين يدفعون فاتورة الاختلاف. هل باستطاعة المجلس الموقر أن يكون في المقدمة ويوحد عدد سنوات الخدمة المحددة للتقاعد المبكر بين الأنظمة التقاعدية؟. المجلس شاهد على العصر والعصر شاهد عليه.