أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمل    5.4 ألف منتج عقاري للبيع على الخارطة    سمو محافظ الخرج يقف على جاهزية مركز خدمة ضيوف الرحمن بالمحافظة    أمانة الشرقية والحياد الصفري تبرمان مذكرة تفاهم تهدف لزراعة غابة مصغرة حضرية    موسم جدة 2024″ يعود بفصل جديد ويكشف عن هويته    النصر يضع شرطًا لرحيل لابورت    بيئات واستعدادات هيأتها إدارات المدارس في الطائف    أمير تبوك يستقبل معالي مدير عام الجوازات    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    "الهلال" و"معهد إعداد القادة" يوقعان اتفاقية "مسار واعد"    سعود بن بندر يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية بناء ورئيس وأعضاء نادي القادسية    سفير المملكة لدى الأردن يودع قافلة حجاج بيت الله الحرام    كلاوديا تصبح أول سيدة تتولى رئاسة المكسيك    "كفاءة الإنفاق" تطلق الحملة التوعوية بالدليل الوطني لإدارة الأصول والمرافق    «التجارة» تُشهّر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في تجارة الديكورات    مفتي عام المملكة ونائبه للشؤون التنفيذية يستقبلان رئيس جمعية إحسان لحفظ النعمة بمنطقة جازان    السيسي يكلف مدبولي تشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات    بدء اكتتاب الأفراد في 154.5 مليون سهم بأرامكو    نتنياهو يناقض بايدن: «الصفقة» لا تشمل وقف الحرب    أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء، بديوان إمارة المنطقة    أمير الكويت ووزير الخارجية يستعرضان العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    تمارين خاصة للغنام ويحيى في معسكر الأخضر    طلائع حجاج إيطاليا تصل مكة المكرمة    الاتحاد يغري الاتفاق بنجوم صف أول لشراء عقد الموسى    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    لأول مرة على أرض المملكة.. جدة تشهد اليوم انطلاق بطولة العالم للبلياردو    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    دموع «رونالدو» و«الهلال» يشغلان صحف العالم    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    توبة حَجاج العجمي !    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاصطفاف السياسي وفكرة الدولة
نشر في الشرق يوم 05 - 08 - 2013

نوعية الاصطفاف السياسي الذي نجده متمثلاً في المواقف والآراء عند كثير من الناس حيال الأزمات التي تعصف بالوطن العربي وقضاياه، تدل على غياب تام لفكرة الدولة في أذهانهم، ما يؤثر بالتأكيد على تلك المواقف والاصطفافات، في الحياة العامة لدى هؤلاء، وعلى علاقاتهم الاجتماعية، ويصبغها بقناعات تنسجم تماماً مع دلالة مثل هذا الغياب. هذه حقيقة لا ينبغي أن نشيح بوجوهنا عنها، مهما كلفنا ذلك من تكرار في سردها، ولا أن نتغاضى عن تداعياتها على نسيج الوحدة الوطنية، وما يسببه هذا التداعي من شرخ في الجدار.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا في هذه اللحظة: ما وجه العلاقة بين هذا الاصطفاف ونوعيته وبين فكرة الغياب؟ وقبل هذا وذاك ما المقصود بفكرة الدولة هنا؟
لم يكن الفكر السياسي العربي في أي طور من أطواره، يحمل فكرة واضحة عن الدولة كما تشكلت في الغرب الحديث. وعدم الوضوح ناتج من أسباب عدة هي:
أولاً- على مدار قرون عديدة، ترك العثمانيون المجتمعات العربية الانطواء على أنفسهم من خلال تعزيز هوياتهم الدينية والمذهبية والاثنية، ولم تسع إلى الربط فيما بينهم برباط اقتصادي أو ثقافي على الأقل، بل كل ما عملته شيئان اثنان فقط هما: جمع الضرائب والخدمة العسكرية. لذلك لم تكن توجد حدود في ذهن العربي بين منطقة وأخرى في المشرق العربي، ولم يكن يعترف بها أيضاً، عندما قسَّم الاستعمار المنطقة وفق منطق الدولة – الأمة الغربية.
ثانياً – العقدة التي سببها الاستعمار للذات العربية، بحيث وجدنا مفاعيلها سارية حتى بعد أن انحسر الاستعمار نفسه عن المنطقة. فلم يكن المثقف أو المفكر أو السياسي ينظر إلى خصومه أو يخاطبهم إلا من خلال بعبع الاستعمار ودوره التآمري المضخم بصورة كاريكاتورية في أغلب الأحيان، بالخصوص بعد زرع الدولة الصهيونية في قلب فلسطين.
ثالثاً- ما عمق هذه العقدة لاحقاً، هو أن اليسار العربي بدل أن يسعى إلى تصور دولة ذات قيم اقتصادية تتيح لها الاندماج في السوق العالمي، ناهيك عن الاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة، راح يتبنى النظريات اللينينية التي أعادت إلى الواجهة الاستعمار الجديد في حلة جديدة، وقد أسمته الإمبريالية. الأمر الذي أبّد فكرة الاستعمار بوصفه العدو الوحيد، ووسّع الهوة بين التجربة العربية في بناء الدولة وبين جيرانها الآسيويين.
رابعاً- القوميون العرب حين تبنوا نظرية الدولة – الأمة على قرار ما طرحه القوميون الألمان (المفكر فيخته بالخصوص) كان التشابه بينهما كبيراً في مواجهة الإرث الاستعماري، الأول الاحتلال البريطاني والفرنسي في القرن العشرين، والآخر احتلال نابليون في القرن التاسع عشر. لكن الفرق بينهما تجسد في العلاقة التي أقاموها بين الدولة من جهة والأمة من جهة أخرى. فأبرز منظري القوميين العرب الذين أثروا لاحقاً في بناء الدولة (ساطع الحصري) أعلوا من شأن وحدة العنصر اللغوي دون أن يهتموا بباقي العناصر الأخرى من قبيل وحدة الاشتراك في الجغرافيا أو وحدة الحياة الاقتصادية على سبيل المثال، وأصبح بهذا المعنى «حدود الأمة هي حدود لغتها» ما يعني غياب مفهوم الوطنية ضمن منطق وحدود الدولة على اعتبار أن هذه الوطنية تشمل الاندماج والتكامل الاجتماعي ضمن المجال السيادي للدولة. بينما القومي الألماني اعتمد على منظور عرقي في تشكيل هوية الدولة، ساعده في ذلك الإرث الأوروبي المشترك الذي تمخض عن عصر النهضة وعصر الأنوار.
لأجل هذه الأسباب، وأخرى غيرها كان الأثر كبيراً على فكرة الاصطفاف التي صدرنا بها المقالة، وبالتالي أثرها على تغييب منطق التحليل العقلاني للسياسة في إطار مفهوم الدولة. فالمراقب للأحداث السياسية وأزماتها الحالية يلاحظ أن المسار الاصطفافي الذي يجتمع حوله كثير من السياسيين والكتَّاب والمحللين والمثقفين العرب يتسم بفكرة مرجعية واحدة، وهي حضور جبروت المستعمِر (بكسر الميم) إزاء ضعف المستعمَر (بفتحها)، وعليه لا يخلو تحليل أو نظرة إلى تلك الأحداث، إلا وكانت هذه المرجعية إحدى الروافع الكبرى التي تُبنى فوقها المواقف، وترسم من خلالها العلاقات. لذلك يسمي الكاتب حازم صاغية هذه الحالة سياسة ضد السياسة.
وإذا كانت الشام وفلسطين والعراق والأردن هي الحواضن الكبرى التي جرى فيها هذا النوع من المسار الاصطفافي، بحيث أعطته سمته العامة التي يتسيج بها، فثمة أيضاً اصطفاف آخر، مساره مختلف عن الأول، يرتبط أولاً وأخيراً بمجتمع الجزيرة العربية. فمنذ قيام الدعوة السلفية الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، في القرن الثامن عشر، على أسس من قبيل إخلاص التوحيد لله تعالى، وفتح باب الاجتهاد، ومحاربة التقليد الأعمى باتباع الكتاب والسنة، وأثرها الذي تركته على باقي الحركات الإصلاحية كالسنوسية في ليبيا أو المهدية في السودان، لم يكن الاستعمار كثقافة وواقع قد تسلل إلى الجزيرة العربية بخلاف تلك الحركات الإصلاحية الأخرى التي استوطن أرضها الاستعمار بعد احتلالها. ولم يكن يشكل أيضاً عقدة للذات – كما رأينا سابقاً – داخل مجتمع الجزيرة بعدما قامت الدولة السعودية وترسخت مؤسساتها في قلب المجتمع. لكن المؤكد أن غياب هذه العقدة، لا يعني عدم وجود ما ينوب عنها، في الوظيفة أو الأهداف. فقد استطالت الهويات المتنوعة للفرد، من فرط ما امتلأ بها المجال العمومي في شؤون الحياة المختلفة. ولسنا في وارد البحث عن أسباب هذه الاستطالات هنا، ما يهمنا هو نتائج هذه الاستطالة، وانعكاس ذلك على الواقع. ورغم أنها لم تتحول إلى عقدة كما في حالة الاستعمار، إلا أن هذه الأخيرة لم تنسحب في تأثير عقدها خارج المجال السياسي وقضاياه، بل ظلت داخل حدودها ومسيجة بإرثه الطويل، بينما الحالة الأولى كانت استطالة الهويات فيها يُفسر بها كل المواقف السياسية وغير السياسية: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحتى الموقف من الأحداث التاريخية يعاد إنتاج قراءتها من خلال هذه الهويات. الأمر الذي أفضى في كثير من الأحيان إلى سوء فهم في الخطاب السياسي العربي، بين نظرتين كل واحدة منهما لها مرجعياتها المختلفة في تصورها للأحداث السياسية ذاتها. سوء الفهم الذي نعنيه، وبالتالي يمكن حله بالحوار، ينطبق بالأساس على عموم جمهور المجتمع العربي، على اعتبار أن مواقفه أغلبها ترتكز على البراءة والبساطة، أما النخب المثقفة فهي غير بريئة، بحسبان مصالحها، أو بحسبان مواقفها السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.