حسين أنور السنان تُعد تجربة شركة أرامكو في مجال السكن والإسكان على مدى العقود الفائتة تجربة رائدة ومتميزة من كافة النواحي التي لم يستطع أن يجاريها أحد إلى الآن، لا من المؤسسات الرسمية أو الوزارات ولا من الشركات الوطنية الضخمة باستثناء الهيئة الملكية للجبيل و ينبع في بعض الجوانب. لقد أنشأت أرامكو حياً سكنياً نموذجياً متكامل الخدمات والمرافق تضاهي خدماته أرقى أحياء مدينة لوس أنجلوس الأمريكية! فما أن تدخل إلى «الكامب» الخاص بالموظفين إلا وتشعر بالفرق الواضح الكبير بينه و بين الأحياء الأخرى للمدن، من حيث التصميم وجودة الشوارع والمرافق العامة وكثرة المسطحات الخضراء و جمال البيوت على الرغم من بساطة تصميمها و رخص المواد المستخدمة في بنائها. شيدت أرامكو هذا الحي على ربوة صخرية في صحراء الظهران منذ ما يربو على نصف قرن، و لم يكن وقتها وجود لأي تجمع سكاني في تلك المنطقة و لم تكن تتمتع بمقومات العيش، فلا وجود للماء أو الخضرة كما أنها تُعد بعيدة نسبياً عن شاطئ البحر. مع هذا نجحت أرامكو في تحويل تلك البقعة القاحلة من الأرض إلى حي جميل تدب الحياة في جميع أرجائه، و بعدها بدأت في إنشاء مناطق سكنية مشابهة لموظفيها في كل من رأس تنورة، بقيق، العضيلية، السفانية و تناجيب بنفس المعايير و المواصفات الأساسية حسب حجم الحي وعدد سكانه و احتياجاتهم. لم تكتفِ أرامكو بهذا، بل قامت بإنشاء المدارس الحديثة النموذجية في عدد من مدن المنطقة الشرقية التي يصل عمر بعضها إلى أكثر من أربعين عاماً و مازالت تلك المدارس قائمة حتى يومنا هذا بحالتها الأصلية لم تتغير أو تتهالك و كأنها بنيت للتو، بسبب متانة التصميم والإنشاء و الصيانة الدورية. الكل يعلم مدى أهمية وحساسية ملف الإسكان في المملكة، والمعوقات و الصعوبات التي قد تقف حجر عثرة في طريق التقدم نحو إتمام أهداف خطط الإسكان، من هذه المعوقات شح أو انعدام الأراضي السكنية بداخل المدن و الصالحة لإقامة مشاريع الإسكان عليها، حيث يرغب غالبية المواطنين في العادة بالسكن ضمن نطاق مناطقهم الجغرافية المعتادة ولا يحبذون الابتعاد باتجاه الصحراء وخاصة أهالي السواحل، إلا أن الأخذ بتجربة أرامكو المتميزة من الممكن أن يغيّر تلك النظرة، وبالتالي يسهل على وزارة الإسكان مهمة اختيار الأراضي لمشاريعها الإسكانية و يجعل الخيارات أمامها واسعة حتى و إن كانت تلك الخيارات بعيدة عن المدن الحالية. الأمر الآخر المهم هو آلية التصميم والتنفيذ واختيار مواد البناء بما يتناسب و احتياجات المواطنين وأذواقهم وعاداتهم، فمع الأسف نرى أن كل مشاريع الإسكان القديمة كانت تعتمد التصميم نفسه لإنشاء البيوت فيصبح الحي عبارة عن نسخة مكررة مئات المرات لبيت واحد، حتى أن بعض السكان الجدد يحتاج لأيام وأسابيع كي يصل إلى بيته مباشرة دون أن يضيع إلا إذا وضع علامة فارقة تميز بيته عن باقي البيوت! أتمنى لو أن وزارة الإسكان تستعين بشركة أرامكو في هذه المهمة الاستراتيجية الضخمة، وكلي ثقة بأنه لو حدث هذا الأمر فسيسهم بشكل كبير في نجاح مشاريع الوزارة وتحقيق الأهداف المرجوة بتوفير سكن مثالي للمواطن وبالتالي استقراره فيه، ومع أني شخصياً أكره النسخ المكررة لكني لا أمناع مطلقاً بأن تكون أحياؤنا و مدننا الجديدة نسخة مكررة لكامب أرامكو؟