استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على غزة    التخصصي ينجح في زراعة قلب لطفل بعد نقله من متبرع متوفى دماغيا في الإمارات    ألمانيا تعلن «حاجتها لجواسيس».. والبداية من لعبة كمبيوتر    الأمير سعود بن مشعل يكرم الفائزين بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم في دورتها ال45    ارتفاع تكاليف البناء في المملكة بنسبة 0.7% خلال يوليو 2025م    حجب متجرً إلكتروني يغش الذهب من خارج المملكة    السعودية تتيح التقديم المباشر على تأشيرة العمرة بلا وسيط    تراجع أسعار الدولار    فريق نيوم يختتم معسكره وجمهوره في استقباله بالورود    وزارة الداخلية تقيم معرض (الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان) بالرياض    القيادة والمواطن سر التلاحم    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    أكد أنه يتاجر بالطائفة.. وزير خارجية لبنان: لا رجعة في قرار نزع سلاح حزب الله    لافروف يشدد على أهمية حضور روسيا مناقشة الضمانات الأمنية.. واشنطن تراهن على لقاء بوتين وزيلينسكي    اليمن يقطع شرايين تمويل الحوثي    «قوى»: إعادة تشكيل سوق العمل ب 14.5 مليون مستخدم    دك شباك القادسية بخماسية.. الأهلي يضرب موعداً نارياً مع النصر في نهائي السوبر    لاعبو الأهلي: حسمنا الأمور مبكرًا    سحب قرعة كأس الخليج للناشئين    صلاح يدخل التاريخ بحصوله على أفضل لاعب للمرة الثالثة    وزارة الرياضة تُعلن بدء مرحلة الاستحواذ على ناديي النجمة والأخدود    حددت نسبة 10 % لتطبيق العقوبة.. «التعليم»: الغياب يحرم الطالب من الانتقال بين الصفوف    الزهراني يتلقى التعازي في والدته    أمين الباحة يشرف حفل زواج الزهراني    أمن الطرق اسم على مسمى    «سيدة السحاب»    80 محطة ترصد هطول الأمطار    تأهيل ذوي الإعاقة    إرتفاع عدد المنشآت المستفيدة من الصندوق.. «تنمية الموارد» يسهم في توظيف 267 ألف مواطن    «الدارة» تصدر عددها الأول للمجلة في عامها «51»    «المتلاعبون بالعقول».. مدخل إلى فهم التأثير    فروق الكاتب والمؤلف    سعودي يحصد جائزة أفضل مخرج في السويد    نزوات قانونية    وفاة القاضي الرحيم فرانك كابريو بعد صراع طويل مع سرطان البنكرياس    شراحيلي يكرم نخبة من أهل والثقافة والفن والإعلام    الثبات على المبدأ    المشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يزورون المشاعر المقدسة    تأشيرة العمرة.. التقديم مباشر دون وسيط    ضمن إستراتيجية النقل والخدمات اللوجستية.. إطلاق الرحلات الداخلية للطيران الأجنبي الخاص    المرأة السعودية العاملة.. بين القلق والاكتئاب    «الملك عبدالله التخصصي» يُجري أول عملية زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    في مستشفى الدكتور محمد الفقيه عمليات جراحية عاجلة تعيد لمصاب حركته بعد شلل رباعي بسبب حادث سير    سعود بن نايف: صحة الإنسان من أولويات القيادة    نائب أمير الشرقية يطّلع على خطط تجمع الأحساء الصحي    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع برنامجًا لدعم الأيتام في غانا    الفريق المشترك لتقييم الحوادث يفنذ عدداً من حالات الادعاء    تصوراتنا عن الطعام تؤثر أكثر من مكوناته    اجتماع افتراضي لرؤساء دفاع الناتو بشأن أوكرانيا    وزير الخارجية يبحث مع نظيريه في قطر والبحرين التطورات الإقليمية    محافظ الدرب يستقبل رئيس وأعضاء جمعية علماء    الأهلي يكسب القادسية بخماسية ويتأهل لنهائي كأس السوبر السعودي    تعليم الشرقية يستعد لاستقبال أكثر من 700 ألف طالب وطالبة    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    طلاق من طرف واحد    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتلقي والعلامة الفضلي بين صدمة الكتابة وذهول المجالسة
نشر في الشرق يوم 20 - 04 - 2013

دفعني حبي للشعر- وقد كنتُ طالباً في المرحلة المتوسطة – أن أخوض عباب البحر وأسبر أغوار علم العروض لأنجح في كتابة أبيات موزونة سليمة من الكسر ومن الخلط بين البحور.
عندها عزمت على ارتياد المكتبات للبحث عن ضالتي ولتحقيق الغرض المذكور وقع نظري على كتابين تراثيين الأول يحمل عنوان«مفتاح العلوم» للسكاكي والثاني يحمل عنوان«العقد الفريد»لابن عبد ربه الأندلسي.
المؤلفان جعلا للعروض نصيباً من كتابيهما ولكنني بعد تجوال متكرر في سفريهما رأيتني أرجع بخفي حنين فلم أحصل على بعض نصيب من نصيبيهما ثم وقع نظري على كتابين خاصين في تقديم علم العروض وهما لمؤلفين معاصرين اسم الكتاب الأول «ميزان الذهب» واسم الكتاب الثاني «أهدى سبيل إلى علمي الخليل» الكتابان المعاصران نهجا نهج أخويهما التراثيين فقد أربكتني المصطلحات الكثيرة للزحافات والعلل والتفعيلات المبنية على دوائر الخليل في توزيع وتعيين الأسباب والأوتاد والفواصل.
لقد أذهلني رسم دوائر الخليل فتصورت أنني أقرأ في كتب السحر والطلاسم! لكن كتاب «في علم العروض نقد واقتراح» للعلامة الفضلي بمجرد أن وقع نظري على قسم النقد فيه الذي وجهه إلى نقد المنهج القديم وخلَّص العلم من فرضيات الدوائر ومن كثير من المصطلحات المبنية على أساس منها ارتحت كثيراً لأن الكتاب قد نقد جانباً شكَّل عقبة لي حالت بيني وبين تعلم بحور الشعر ثم كان كتاب العلامة الفضلي الثاني «تلخيص العروض» خالصاً لتقديم العلم وفق منهجه الجديد وكان أوسع من سابقه في التطبيقات.
إن لغة العلامة الفضلي تتمتع بسحر الجاذبية فتغري القارئ العادي وتدفعه ليقتحم دهاليز العلوم التخصصية بجرأة فإن حالفه الحظ ظفر وإن لم يحالفه فإنه لن يرجع بخفي حنين.
واستعجالي وولهي بالشعر جعلني أقرأ البحور كلها وأعيد قراءتها مما سبب لي بعض التشويش من الناحية التطبيقية. وبمقدار رشفات من «استكانة» شاي وبمدة زمنية لا تتجاوز نصف دقيقة قال لي صاحب المنهج الجديد في علم العروض: عليك أن تركز على بحر واحد فتتقنه من خلال التطبيقات ثم تنتقل إلى البحر الآخر، وهكذا دواليك حتى تتقن البحور كلها لأن التركيز على بحر سيبعدك عن الارتباك وبفهمه ستتضح لك الطريقة وتكون بقية البحور بمثابة أمثلة أخرى على كيفية الميزان الشعري.
طبقتُ ما قاله لي المؤلف فوجدتني أنطلق بسرعة الصاروخ في فهم العلم والوقوف على كل تفاصيله. عبقرية الفضلي في كتاباته تصدم وتذهل ولو سنحت لك الفرصة وجالسته فإن ذهولك سيتعاظم حين تكتشف أن لجج بحر كتاباته التي أذهلتك ما هي إلا قطرات من بحر علمه العجيب.
ستكتشف أنه يقدم العلم في كتاباته وفق خطة تربوية محسوبة تهدف للأخذ بيد المتعلم شيئاً فشيئاً حتى يصلب عوده ويقف على حقائق العلوم. ولدى استفساري منه حول علم المنطق تجلت مستويات علمية الفضلي التي تفوق بكثير مستويات علمية كتاباته وأذكر عندما سألتُ الفضلي وهو صاحب كتابين في علم المنطق «خلاصة المنطق» و»مذكرة المنطق»: كيف لنا التوفيق بين ادعاء المنطق بأنه يُعلِّم التفكير الصحيح وأن العلوم كلها تحتاج إليه بحيث عبر عنه بأنه خادم العلوم وسيدها وبين طريقة الدراسة الجامعية للعلوم الطبيعية والإنسانية في الدراسات المعاصرة فإن مبدعي التقنيات الحديثة والمنظرين والباحثين لم يدرسوا المنطق ومع ذلك فكروا وكان تفكيرهم صحيحاً فأنتج التطور التقني الذي نتمتع اليوم بمنتوجاته؟
فتبسم الفضلي ثم فاجأني بقوله: إن علم المنطق يعتبر من مناهج البحث القديمة التي تعود إلى أيام أرسطو أما الآن فقد تطورت مناهج البحث وتفكير الباحثين كانت نتائجه علمية سليمة تبعاً لمناهج البحث الحديثة وبهذا اللحاظ لم تعد الحاجة إلى منهج بحث عمره بعمر أرسطو!
فما الحاجة – والحال هذه – إلى تسليط الأضواء على منهج بحث بعمر أرسطو! المنحى التربوي لدى الفضلي سيقول لنا: إن الحاجة تربوية تهدف إلى عرض المنطق القديم بأسلوب واضح ليتسنى للدارس هضم مطالبه فلا يقع فريسة التعقيد اللفظي كما هي حال المصنفات السابقة. وبدراسته يستطيع الباحث أن يفهم العبارات التي حُشيت بمصطلحات منطقية. ففي علم النحو يأتي ابن صاحب ألفية ابن مالك المعروف بِ ابن الناظم حين يشرح قول أبيه:
«كلامنا لفظ مفيد كاستقم / واسم وفعل ثم حرف الكلم» يبدأ ببيان الفرق بين «الكلام والكلم» فيحشر المصطلحات المنطقية في شرحه ليخبرنا بوجود «خصوص وعموم من وجه بين الكلام والكلم» ولا يعرف طالب النحو معنى «الخصوص والعموم من وجه» حتى يدرس «النسب الأربعة» في «علم المنطق» وبإقحام المصطلحات المنطقية في علوم العربية والعلوم الشرعية ستكون الحاجة إلى دراسة المنطق الأرسطي مطلوبة لغرض فك العبارات الملغزة بالمصطلح المنطقي. بينما نجد أن ابن عقيل لم يحشر المطالب المنطقية في شرحه للبيت نفسه فدارس ابن عقيل لا يحتاج إلى منطق أرسطو ليفهم النحو مثلما يحتاج إليه دارس ابن الناظم.
وكما وقع كثير من كتّاب اليوم في دائرة الانبهار بالمصطلحات الأجنبية حتى إنك قد تصادف مقالاً بحجم صفحة واحدة أو صفحتين يحشر فيه كاتبه كلمات من قبيل آيديولوجيا، ميثولوجيا، سوسيولوجيا، وكل عائلة لوجيا، وقع أيضاً الكتّاب القدماء في دائرة الانبهار بالفكر اليوناني إبان حركة الترجمة في العصر العباسي. وقد يحتاج الدارس الحديث للاطلاع على المنطق الأرسطي للاستضاءة والتعرف على تاريخ مناهج البحث. ولهذا وذاك كانت خلاصة الفضلي ومذكرته في علم المنطق ولتأكيده على أهمية مناهج البحث الحديثة التي تنبع حاجتها من موضوعيتها الذاتية في توجيه البحث العلمي الوجهة الصحيحة ، كان كتابه الموسوم بِ «أصول البحث» ملبياً الحاجة المذكورة بخلاف المنطق القديم المقتصرة حاجته على فك عبارات المصنفات المغلفة بمصطلحاته أو المساهمة في إضاءة تاريخ منهجية البحث كما تقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.