الفتح ينهي استعداداته قبل لقاء الأهلي    يايسله يرحب برحيل لاعب الأهلي    غيابات عديدة في النصر أمام الأخدود    ارتفاع سعر الذهب الى 4501.44 دولار للأوقية    برعاية أمير منطقة جازان.. مهرجان جازان 2026 يستهل مشواره بانطلاقة كرنفالية كبرى    البحرين تعرب عن دعمها للجهود الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن    120 صقارًا يدشنون أشواط نخبة المحليين في انطلاق مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    «بيئة مكة» تمكّن الأطفال من الابتكار التطوعي البيئي عبر هاكاثون «غراس» الأول    روسيا تنفي التقارير حول عزمها تعديل الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا    ترسيخ ثقافة العطاء والانتماء    الرئيس التركي يلتقي رئيس مجلس السيادة السوداني    اتحاد الغرف السعودية يكرم السلامة    آل الشيخ: جائزة طارق القصبي نموذج وطني لدعم البحث والابتكار في الهندسة المدنية    المطر والحنين    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    واشنطن مُهددة في سباق الذكاء الاصطناعي    نيوم يتغلب على النجمة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الاتفاق يكسب الرياض بثنائية في دوري روشن للمحترفين    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كجم "قات"    من البحث إلى التسويق الجامعات في فخ التصنيفات العالمي    الفصحى: جمع شمل    رومانو : ريال مدريد غير مهتم بالتعاقد مع لاعب الهلال روبن نيفيز حاليًا    برعاية وزير التعليم جامعة أم القرى تفتتح ورشة "تبادل التجارب والممارسات المتميزة في كفاءة الإنفاق لمنظومة التعليم والتدريب"    جامعة أم القرى تستضيف اجتماع وكلاء الجامعات السعودية للشؤون الإدارية والمالية    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمسيرة العطاء مع مرضى التصلب المتعدد    نائب أمير جازان يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"        ‏نائب أمير منطقة جازان يستقبل نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين    الشؤون الإسلامية في جازان تُقيم ورشة عمل لتأهيل المراقبات بمساجد محافظة أبو عريش    مركز الحياة الفطرية يطلق 61 كائناً فطرياً بمحمية الملك خالد الملكية    مدير عام فرع الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد جوامع ومساجد العيدابي ويفتتح مسجد النور    د. مريم الدغيم تحصل على براءة الاختراع الأمريكية    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 32.3% في أكتوبر 2025    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى فيتنام    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    تكريم الجمعيات المتميزة وقادة العمل التطوعي في جازان خلال حفل مركز التنمية الاجتماعية    جولة ميدانية للوقوف على جاهزية الواجهة البحرية بقوز الجعافرة استعدادًا لانطلاق المهرجان الشتوي    السعودية: تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة تمت دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    في دوري أبطال آسيا 2.. النصر يدك شباك الزوراء العراقي بخماسية    صندوق الطائرة الأسود قرب أنقرة.. تركيا تعلن العثور على جثة رئيس الأركان الليبي    المملكة في صدارة الدول بالترفيه الرقمي ب34 مليون مستخدم    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    «الجوازات» تصدر 17.767 قراراً إدارياً بحق مخالفين    استدعاء 40 شخصاً نشروا «محتوى يثير التأجيج»    ارتفاع النفط والذهب    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    الشباب يعلن غياب مهاجمه عبدالرزاق حمد الله لقرابة شهرين    مرحوم لا محروم    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تهنئة الكفار بأعيادهم»
نشر في الشرق يوم 10 - 01 - 2013

يتكرر صدور الفتاوى التي تحرِّم «تهنئة غير المسلمين بأعيادهم» في نهاية كل سنة ميلادية.
ويُقصد بذلك أساسا تحريمُ تهنئة المسيحيين بما يسمى «عيد الميلاد»، و»رأس السنة الميلادية». ويرى مصدرو هذه الفتاوى أن هاتين المناسبتين دينيتان يترتب على التهنئة بهما إقرار للمسيحيين على دينهم وممارساتهم الشعائرية، وهو ما يؤول إلى الاعتراف بدين «محرَّف» جاء الإسلام ليلغيه.
ولا يميز مصدرو هذه الفتاوى بين أن يحتفل بعض المسلمين بهاتين المناسبتين وتهنئةِ بعض المسلمين لبعض المسيحيين. إذ يرون أن تهنئة المسلم للمسيحي بهما لا يختلف عن احتفاله بهما إما تقليدا أو مشاركة لأصدقائه المسيحيين مراعاةً للعلاقات الإنسانية التي تنشأ عن المعايشة.
غير أن بعض علماء المسلمين المعاصرين يقيمون هذا الفارق بين الحالتين. ومن هؤلاء الشيخ عبدالله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، الذي لا يرى مانعاً من «تهنئة المسلمين في الغرب لغير المسلمين في تلك البلدان بأعيادهم، وبخاصة ممن تربطهم بهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل والرفقة في العمل والزمالة في الدراسة»(عكاظ، 1434/2/22ه). وهو يجيز كذلك مبادلتهم الهدايا في المناسبتين وغيرهما. ويميز بين المسيحيين المحاربين وغير المحاربين. والواضح أن هذا التمييز يقوم على تصوِّر للعلاقات كما كانت قائمة بين المسلمين والمسيحيين قديماً، وهي التي لم تعد قائمة في العصر الحاضر. ذلك أن العلاقة المعاصرة بين الفريقين صارت علاقة أفراد لا علاقة أمم متحاربة. ومما يدل على ذلك أن كثيراً من «المسيحيين» في الغرب يعارضون السياسات الخارجية لحكوماتهم التي تنتهج غالباً غزوَ البلدان الإسلامية واستغلال خيراتها.
واللافت أن الشيخ ابن بيه لم يعرض لجواز أو منع مثل هذه المعاملة الحسنة بين المسلمين والمسيحيين في البلدان الإسلامية التي يقيم المسيحيون فيها إما لكونهم من أهلها أو لأنهم موجودون فيها بصفة مؤقتة للعمل كما هي الحال في المملكة.
ويقوم موقف المجيزين والمانعين لتهنئة المسيحيين بمناسباتهم الموسمية على الاعتقاد بأنها مناسبات دينية، كما سبق. لكن هذا الاعتقاد يتنافى مع طبيعة هذه المناسبات كما تمارس في العصر الحاضر. ذلك أنها ليست مناسبات دينية في الأصل، كما يقابَل نظرُ بعض المؤسسات الدينية المسيحية إليها بأنها مناسبات دينية بالسخرية والتجاهل.
ويمكن التدليل على أن هذه المناسبات غير دينية في الأصل بما كتبه أوليفييه روي، الفرنسي المتخصص في الشؤون الإسلامية، في كتابه «الجهل المقدَّس، 2010م». (وقد تُرجم إلى العربية. ويحاج فيه بأن التوجهات الأصولية المعاصرة في الأديان كلها تنحو الآن إلى الفصل بين الأديان والثقافات التي ارتبطت بها في القديم. وأنا أترجم هنا عن النسخة الإنجليزية للكتاب):
«هناك خلاف جديد في العالم المسيحي، وهو يتعلق الآن بالاحتفالات الدينية. فقد أغضب إدخالُ «احتفال» الهالوين (وهو احتفال يقوم على السخرية) إلى فرنسا في أواخر تسعينيات (القرن العشرين الميلادي) بعضَ الأساقفة الذين شجبوه بوصفه احتفالا «وثنيّا» -وهو كذلك- ويرون أنه يعزِّز الانحدار من «المدنَّس» إلى الوثني، وهو ما يؤدي إلى مزيد من عزل الدين عن الثقافة. أما تجريد «عيد الميلاد» من صفته المسيحية فواضح جداً: ذلك أن قليلاً من الناس يحضرون قدّاس منتصف الليل هذه الأيام (وهو من الشعائر الدينية المصاحبة لهذا العيد)، وصار «بابا نويل» سانتا كلوز أكثر أهمية من المسيح. لكن تجريد عيد الميلاد من صفته المسيحية صار واضحاً في إطار يتميز ب«التعدد الثقافي»، وهو إطار يطالب فيه مزيد من الناس باختفاء الإشارات المرجعية إلى المسيحية لصالح الحياد الديني. ويتمثل ذلك في اجتناب استخدام عبارة «عيد الميلاد» (في الدلالة على هذه المناسبة) غالباً في الولايات المتحدة، وتفضيل استخدام كلمة «إجازة» holiday عليها أو استخدام الكلمة ذات الأصل الألماني Yule، وهي اسم لاحتفال وثني قديم كان يحتفل به في نهاية ديسمبر بمناسبة انتصاف فصل الشتاء؛ وصارت المتاجر الأمريكية الكبرى تستبدل باللافتات المكتوب عليها «عيد ميلاد سعيد» Merry Christmas لافتات تحمل عبارة «تهانٍ موسمية» Season›s Greetings المحايدة دينياً، وهو ما يُزعج كثيراً من المسيحيين.
«ونشأ عن هذا الانفصال بين الثقافة والدين ظهور توجهين متعارضين في أوساط الهيئات الدينية المسيحية الرسمية. فيطالب أحدهما بإعادة الصفة المسيحية لعيد الميلاد عن طريق الاحتفاظ بكلمة «عيد الميلاد» Christmas وهو بذلك يعيد تأسيس الصلة بين المؤشرات الدينية والمؤشرات الثقافية. ويمثل التوجه الثاني أولئك الذين يريدون، تمشياً مع التقاليد البروتستانتية الأصولية، فصل المجال الديني فصلاً كاملاً عن الثقافة العامة التي يُنظر إليها أساسا على أنها ثقافة وثنية بنيويّا؛ ويقتدي هذا التوجه بطرد (المسيح) للتجار من المعبد، وهو موضوع يتكرر في كتابات عالم اللاهوت كارل بارث. والحقيقة أنه ليس لرغبة البروتسانت في فصل الدولة عن الدين صلة بالليبرالية -بل الأمر على العكس- إذ إن ذلك شكل من أشكال الأصولية (وهو ما يشبه الإسلام الشيعي (كلام المؤلف). فلم يكن الأمريكيون الأوائل (المتشددون دينيا الذين يوصفون) ب «الطهوريين»Puritans يحتفلون بعيد الميلاد، ولم يكن البروتستانت المحافظون يرون أساساً في الإنجيل لهذا الاحتفال (وقد منعوه لفترة)، وكان مجلس النواب (الأمريكي) في أوائل القرن التاسع عشر يعمل في يوم عيد الميلاد. أما عيد الميلاد المعاصر، وهو احتفال عائلي (يحتفل به في المنزل) بصحبة شجرة عيد الميلاد والهدايا فيمثل الخطوة الأولى نحو سلب صفة المسيحية عن ميلاد المسيح، ولم يظهر هذا الاحتفال إلا في العهد الفيكتوري في بريطانيا بعد نشر رواية «ترنيمة عيد الميلاد» Christmas Carole للروائي البريطاني تشارلز ديكنز. وكان ذلك انحرافاً عن الاحتفال بعيد الميلاد الشائع في تلك الفترة، وهو الذي يترك فيه الناس دفء بيوتهم ليمشوا في برد الليل إلى الكنيسة. ويعني هذا مرة أخرى اكتشاف أن «تقليداً مسيحياً» لا يزيد عن كونه تركيبة ثقافية»(ص 121 122).
ومن الأدلة الأخرى التي يوردها المؤلف على انفصال الاحتفالات الشائعة الآن في الغرب عن الدين احتفالُ المسلمين في أمريكا ب«عيد الشكر» وازدياد شرائهم الديك الرومي «الحلال» فيه منذ 2001م، وهو ما يمثل وضعا لرمزٍ «إسلامي» على احتفال أمريكي «ثقافي» (ص122).
لذلك كله ينبغي لمن يحرمون تهنئة المسيحيين بهذه المناسبات ومن يجيزونها أن يعوا جميعا تاريخ هذه الاحتفالات التي لا ترتبط بالدين المسيحي، كما هو الانطباع السائد عند هؤلاء وغيرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.