الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    أبها يتغلب على الاتحاد بثلاثية في دوري روشن وينعش آماله في البقاء    المملكة وأذربيجان.. تعاون مشترك لاستدامة أسواق البترول ومعالجة التغير المناخي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام أبها    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين المملكة وجمهورية أذربيجان    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    بعد نحو شهر من حادثة سير.. وفاة نجل البرهان في تركيا    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    المعرض السعودي للإضاءة والصوت SLS Expo 2024 يقود التحول في مستقبل الضوء الاحترافي والصوت    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    قصة القضاء والقدر    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قامت ثورات أوروبا في العصور الوسطى ضد الكنيسة بينما تقوم الثورات العربية لصالح المسجد
نشر في الشرق يوم 21 - 12 - 2011

أكد أميرمنطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل، أن الجميع مسؤولون عن تأصيل الاعتدال فكراً، وعلماً، وعملاً، ومنهجاً، والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يميناً أو يساراً عن هذا الوسط العدل الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وقامت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بحضورأمير منطقة المدينة المنورة، الأمير عبدالعزيز بن ماجد، وعدد من المثقفين والأدباء والطلاب، حيث بدأ محاضرته بالشكر والتقدير لهذه المنارة العلمية السامقة، والقائمين عليها، مؤكداً أن الجامعة أصبحت منبراً يتصدى بالحق للجهل والجهالة.

الاعتدال والمستجدات
كما تحدث الفيصل عن لقائه مع أعضاء هيئة التدريس، وطلاب جامعة الملك عبدالعزيز، وحديثه قبل عامين عن «منهج الاعتدال السعودي» الذي يعني المواءمة والموازنة بين التمسك بأهداب الدين والقيم الإسلامية من جهة، والاستفادة، على الجانب الآخر، من المكتسبات الحضارية العالمية، بضوابط تلك القيم، مما نتج عنها استحداث كرسي بحثي في الجامعة، لتأصيل هذا المنهج: سياسياً واقتصادياً، وتاريخياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتنفيذ برنامج توعوي لنشر ثقافة الاعتدال في المجتمع عامة، وبين فئات الشباب خاصة.
واعتبرالفيصل هذا اللقاء امتداداً لما سبقه، وما تبعه من وقائع لتفعيل الهدف، والمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية، التي لاتزال تؤكد سلامة هذا المنهج، ودوره في حماية البلاد، وتحقيق أمنها ورخائها ومنعتها.
واعتبر الفيصل وقوفه بين العلماء والباحثين ليس ادعاء بالعلم، وإنما ينطلق من شعور المواطن الغيورعلى وطنه، وإحساس المسؤول عن ثغر من ثغوره.
وتنشر الشرق نص محاضرة الأمير خالد الفيصل كما ألقاها أمس:

الاعتدال هو العدل
ما أحوج الإنسان المسلم إلى كل رأي سديد وفكر رشيد، يضيف إلى ما وقر في علمه، أو يصوبه، لأن أحداً لا يمكن أن يحتكر الحقيقة وحده، و»الحكمة ضالة المؤمن»، كما جاء في الحديث الشريف.
ولوأسعفني الوقت، ما وفرت فرصة في طول البلاد وعرضها، إلا واصلت مسعاي في هذه المهمة الجليلة، استشعاراً بأننا جميعاً مسؤولون عن تأصيل «الاعتدال»: فكراً، وعلماً، وعملاً، ومنهجاً، والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يميناً أو يساراً عن هذا الوسط العدل، الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وقامت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها الأول.
لقد طرحتُ مصطلح «منهج الاعتدال السعودي» وأنا أعنيه تماماً، فهو منهج لأنه ثابت، وهو اعتدال بمعنى التزام العدل الأقوم، والحق الوسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، وهو التفسير العملي لقوله، جل وعلا، «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً...»، حيث فسر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الوسط هنا بالعدل.
ووصفتُ الاعتدال بالسعودي، لأن المملكة العربية السعودية قد (انفردت) على الساحة الإسلامية ببناء دولتها على شرع الله وحده في الكتاب والسنة.

يتربصون بالإسلام
فالإسلام، كما هو معلوم، خاتم الرسالات السماوية، قد جاء وسطاً عدلاً بين كل طرفين خارجين عليه: فهو وسط بين الانجراف في المادية، وبين الاستغراق في الروحانية، وهو وسط بين من ألّه الأنبياء، وبين من كذبهم وقتلهم، وبين من يسيد العقل مطلقاً وحده، ومن يعطلونه تعلقاً بالوهم والخرافة.
والإسلام ينكرالرهبنة، ويستنكر المغالاة حتى في العبادة، كما جاء في رد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على من يصلي فلا ينام، ومن يصوم ولا يفطر، ومن لا يتزوج النساء، حيث قال: «... أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
وإذا كان هناك من يدعو المجتمع المسلم إلى الجمود والقعود والانسحاب من العصر، فإن هناك فريقاً آخر لا يقل خطراً على هذا المجتمع، يحمل لافتات: كسر القيود، والخروج على المألوف، والحرية المطلقة، ويركب موجة الانسلاخ عن قيم الإسلام، ويعتمد نقل النموذج الغربي، دون سبر جوهره وفلسفته، وهذا التيار هو أداة غزوة منظمة من المتربصين بالإسلام والوطن، تشجع هذا الخروج وتروج له، وتبالغ في تكريم أصحابه والدعاية لهم، وبهذه المغريات تستقطَب الفراشات الساعية إلى حتفها نحو شعاع حارق!
وهذا الفريق يحذو حذو الدعوة القديمة في الغرب، لفصل الدين عن الدولة، التي صاحبت الثورة الصناعية، وكانت، بزعمهم، سبباً في النجاح الذي حققه، ومن ثم (ينصحوننا) أن نأخذ بتجربته حزمة متكاملة، دون النظر إلى خصوصيتنا.
ولا شك أن كل هذه الادعاءات، كما تعرفون، باطلة:
أولاً: لأن الإسلام دين ودنيا، لم يقتصر على تنظيم العلاقة بين الإنسان وبين خالقه فحسب، بل نظم أيضاً كل التفاصيل في حياته، وأسس لعلاقة الفرد بالفرد، وعلاقته بالجماعة، على نحو لا يشوبه خلل، أو قصور، فلماذا نستورد أفكار الغير، ولدينا معين لا ينضب من الفكر الشامل الراسخ والمعصوم؟!
ثانياً: لأن إنكار خصوصية هذه البلاد، باطل وعار عن الحقيقة تماماً، فهو بلد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي بآخر الرسالات، وبلسانها العربي نزل آخر الكتب السماوية، ومنها بُعث خاتم الأنبياء والرسل عربياً، وقد شرفنا المولى، جل وعلا، بجوار بيته العتيق، ومسجد رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وبخدمة ضيوفه من الحجاج والمعتمرين والزوار، لذلك فإن هذه البلاد وإنسانها، على رأس المكلفين بتبليغ الرسالة ونشر الدعوة، وتقديم المثل والقدوة للإسلام: مواطناً ودولة، فالخصوصية هنا تشريف وتكليف معاً.

ثورات المساجد
وبرأيي أنه في خضم الأحداث الراهنة في الوطن العربي، والنتائج الأولية التي تشير إلى التوجه الإسلامي في كثير من بلدانه، ما يؤكد أن الثورات العربية الحالية تختلف عن الثورات الأوروبية في العصور الوسطى، حيث قامت الثورات هناك ضد الكنيسة، بينما تقوم هنا الآن لصالح المسجد.
وهذا يحتم تقديم «منهج الاعتدال السعودي» أنموذجاً ناجحاً للدولة الإسلامية، المتمسكة بالقيم الإسلامية، والمنفتحة على المكتسبات العلمية والحضارية للعصر، فيما لا يتعارض مع جوهر الإسلام وقيمه.وتبرز مسؤولية المملكة، قيادة وشعباً، في مواصلة نجاح النموذج وتطويره، عبر مشروع الإصلاح والتطوير الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في المجالات كافة: السياسية، والاقتصادية، والعدلية، والإدارية، والعلمية، والثقافية، وغيرها، ليظل الأنموذج الأمثل، الذي يمكن البناء عليه من قبل الباحثين عن نظام إسلامي معاصر، ولعل هذه هي أهم خصوصيات المملكة العربية السعودية.
ثالثاً: ليس في الإسلام ما يدعو إلى التخلف، فهو الدين القائم على جناحي استخلاف الإنسان على الأرض: عبادة الله وحده، جل وعلا، والعمل على تطوير الحياة وترقيتها، ونستطيع أن نقدم التجربة السعودية، تطبيقاً حياً لهذه النظرية الإسلامية، لندلل على أن التخلف لا دخل للدين فيه، وأنه محض صناعة بشرية، فالإسلام ليس دين تخلف وقعود، وإنما هو دافع قوي للتقدم والتطور، وإذا كان من تقصير فليتحمل المقصرون وحدهم وزره، وليجتهدوا لإصلاحه، ولا يجيرون مشكلتهم الذاتية طعناً في الدين.
رابعاً: إن العصر الإسلامي المزدهر قد قدم أول نظام عولمي إيجابي وحد البشر في دولة عظمى ينعم فيها الجميع بالخير والعدل، بينما عولمة اليوم قد تحمل بعض النفع، لكنها لا تخلو من أثر سلبي في بعض تطبيقاتها.
خامساً: أن الأفكار لا تنقل كالأحجار، ولا تُفرض فرضاً خارج مواطنها، دون احترام للقيم والخصوصيات المتباينة، لأن المنتج الفكري لا يخضع للمقاييس نفسها التي تطبق على المنتج المادي.
سادساً: أن قيم الغرب التي يتغنى بها هؤلاء، من عدل ومساواة وحرية، وما إلى ذلك، قد جاء بها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً، فهي ليست اختراعاً غربياً، أو شرقياً.
لذا، فلابد من تعليق الجرس، لكلا الفريقين الخارجين عن القيم الوسطية في الإسلام: الغالين في الدين، والداعين للانسلاخ عن قيمه، للعودة إلى الطريق القويم، قادة لحركة المجتمع، وسفراء له في العالم، ينافحون عنه ضد الناقمين علينا نعمتي الأمن والرخاء.
الأخوة الأكارم...
إن قارئ التاريخ يدرك أن الدولة السعودية، منذ «الحركة الإصلاحية التجديدية» التي قامت مراحلها الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، قد اعتمدت منهج الاعتدال السعودي الذي يدل عليه توصيف الحركة في المصطلح التاريخي، ولم تحد عنه طوال مسيرتها.

تعليم البنات
وعلى هذا الأساس، انطلق الملك عبد العزيز، بعد التوحيد، إلى تنمية البلاد، وتطوير المجتمع البسيط آنذاك، إلى مجتمع عصري متحضر، فبنى الهجر، وحفر الآبار ليساعدهم على الزراعة والتوطن والاستقرار، وأرسل المعلمين والقضاة والدعاة، يعلمونهم القراءة والكتابة وأمور الدين، وبعدها افتتح المدارس لتعليم منتظم، ثم أقام هيكل الإدارة، وأدخل الآلة: السيارة والطائرة والقطار والبرقيات والراديو.
وحين عارض أصحاب الفكر المتطرف هذا التحديث بدعوى التحريم! ما كان من الملك المؤسس إلا أن نظم حلقات نقاش في طول البلاد لدراسة الاعتراض، أسفرت عن الانتصار لما فعل، لكن الرافضين شرعوا في وجهه السلاح، فواجههم بالمثل، وانتصر عليهم، وفرض التحديث فرضاً، على أساس منهج الاعتدال السعودي.
ثم إنه حين رأى في الحرم المكي منابر متعددة، وكلٌّ يصلي وراء إمامه حسب مذهبه، وحدها في منبر واحد، وعين شيخاً مصرياً شافعياً إماماً للحرم المكي!

الملك فيصل
وقبل قيام جامعة الدول العربية بسنوات، كان الملك عبدالعزيز قد أسس مجلساً استشارياً ضم نخبة من المفكرين العرب، إلى جانب السعوديين، ليتواصل بذلك منهج الاعتدال السعودي، فلا تعصب ولا تشدد، ولا بأس أن نستفيد من كل فكر لا يخالف شريعتنا.
لكن الفكر الرافض لم يهادن، ولا هادنته الدولة أبداً، ففي عهد الملك سعود، – يرحمه الله- بدأ فتح المدارس للبنات، رغم اعتراض بعضهم، الذين هم اليوم أول من يطالب بإلحاح لتعليم بناتهم، ولم يوقف الاعتراض المسيرة. فقد تصدى الملك فيصل- يرحمه الله- وبقوة، لاعتراض الرافضين، وواصل فتح مدارس البنات، وحماية الطالبات من اعتراض طريقهن وتهديدهن، كما أدخل التلفزيون رغم اعتراض بعضهم أيضاً.

ضد الشيوعية
وكان المد الشيوعي في أوجه غطى معظم الساحة العربية، وجرت محاولات نقله إلينا، لكن المملكة هي الوحيدة التي صمدت أمام الهجمة، وتمسكت بدينها الحنيف، بكل إصرار وعزم وثبات، رغم الحملات الإعلامية الشرسة، التي تصاعدت إلى الحرب المسلحة، وانتصر فيصل على تطرف الداخل والخارج، ومضى إلى حركة تطوير شامل، باستكمال إنشاء المؤسسات الحكومية والاجتماعية وتنظيم البنوك، وتحرير الرق، فيما عرف حينذاك بالنقاط العشر التي طرحها الملك فيصل لتنظيم الحكم.
ولم يستكن التطرف، بل عاد لمحاولاته في عصر الملك خالد- يرحمه الله- بحركة جهيمان، التي هددت الطفرة الاقتصادية والتنموية، التي عاشتها المملكة آنذاك، ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، فيقضى على المجموعة التي احتلت الحرم، ومنعت الصلاة فيه لأسابيع عدة.

التطرف والديكتاتوريات
وعاودت جذور الفكر الكامنة انطلاقها مجدداً في عهد الملك فهد، يرحمه الله، ولكن بتناغم عجيب بين تيارين: المتطرفون التكفيريون في الداخل، وصدام حسين بفكره المتطرف الإلحادي، الذي غزا الكويت، وهدد دول الخليج على أساسه، وهذا التحالف يؤكد أن التطرف الذي يتزين بعباءة الدين الإسلامي ليس منه في شيء، وإنما هي أطماع سياسية تسعى للاستيلاء على السلطة، تبنتها كل الحركات المبثوثة في الوطن العربي، والشرق الأوسط، وأساءت لنا أيما إساءة لدى العالم أجمع.
ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، بإصرار الملك فهد على الوقوف بحزم في وجه الغزو الخارجي، والتيارات المتطرفة الداخلية، حتى تحررت الكويت من عدوان الفكر الإلحادي، واضطر كثير من قيادات التطرف في الداخل أن يعلنوا عودتهم إلى الاعتدال، وتخليهم عن قناعاتهم السابقة.

عقيدتنا ومجتمعنا
ثم جاء عهد الملك عبد الله الزاخر بالخير والتغيير من أجل التطوير، على منهج الاعتدال السعودي، وهو يؤكد هذا المنهج بقوله:
«إننا نرحب بعولمة التجارة وبعولمة الاستثمار، ولكننا نرفض عولمة الفكر الفاسد، ونرفض عولمة الانحراف الذي يختفي تحت أسماء براقة، وهذا لا يعني الجمود في الحركة، فصدورنا وبيوتنا مفتوحة لكل جديد مفيد، ولكنها موصدة في وجه الرياح التي تحاول زعزعة معتقداتنا، وخلخلة مجتمعاتنا، فمنهجنا يستمد قوته من وسطية الإسلام، التي نتخذ بها موقفاً معتدلاً من القديم والجديد».
ومع ذلك، عاد التطرف الداخلي أشد عنفاً: تكفيرياً تفجيرياً، يجند شبابنا، ويلوث عقولهم، ليفجروا أنفسهم بين إخوانهم المسلمين والمقيمين في ذمتنا، ويهددون المجتمع، ويحطمون مكتسباتهم الحضارية.
ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، وتتفوق المواجهات الأمنية الاستباقية على هؤلاء، ويفتح باب المناصحة والكفالة للعائدين منهم عن غيهم، لأنهم في النهاية أبناء الوطن المغرر بهم.

الاقتصاد الإسلامي
ولم يكن مستغرباً مع ثورة الاتصالات والمواصلات وانفتاح العالم على بعضه بعضاً، أن يظهر لدينا، على الجانب الآخر، ذلك التيار المتطرف المستورد، المتأثر بثقافة الغرب، كردة فعل للتيار الأول التكفيري، وكلا التيارين لا يفتأ يحاول خطف منهج الاعتدال السعودي.
لكن المملكة رغم هذه التحديات استطاعت، بعون الله تعالى، ثم بحنكة وعزيمة قادتها، وإرادة شعبها، الانتصار على التطرف في جانبيه، والتغلب على كل التحديات بمنهجها المعتدل، الذي حول تلك التحديات إلى فرص إيجابية، وحضور سياسي قوي، واقتصاد مميز على الساحة الدولية. لقد تقدم نظامنا في المملكة بما يفوق كثيراً ما حققته الأنظمة التي ابتعدت عن الدين، وتلك التي جمدت على حالها وتقوقعت في بيات طويل، وأثبتت المملكة أن النظام الإسلامي هو الأكثر صموداً أمام زلزال الاقتصاد العالمي، وغدت المملكة العربية السعودية من أفضل دول العالم تطوراً، لا بسبب البترول كما قد يعتقد بعضهم، لأن غيرنا لديه البترول والمياه والزراعة، وتاريخ سابق في الحضارة، ولكنه لم يرق إلى درجة بلادنا، وحقيقة الأمر أن ما وصلت إليه المملكة كان نتاج فكر ومنهج وقيم وحنكة القيادة، وتجاوب المواطن وجهده.

خلاصات
وقد فصل خادم الحرمين الشريفين في هذه المسألة بقوله «نحن لدينا أهم من البترول: ديننا الإسلام، والكعبة المشرفة، فالعرب لم تقم لهم قائمة إلا بالإسلام، وهو ثروتنا الحقيقية».
وفي الوقت الذي تتهدد العالم توابع الزلزال الاقتصادي، وتهتز حكومات الغرب بسببه، وتضج جنبات وطننا العربي بزلازل الثورات التي تراق فيها الدماء، وتدمر المكتسبات، فإننا، ولله الحمد والمنة، ننعم بالأمن والرخاء، وبالتحالف الفريد بين المواطن وقيادته التي تبادر دائماً بتلبية حاجاته وتوفير العيش الحر الكريم له.
ولننظر إلى ما تحقق لنا من تطورحضاري في كل مجالات الحياة، حتى انتقلنا بأمان من حال القبائل المتفرقة، إلى بلد متحضر يتربع على قدم المساواة، مع أكثرالدول تقدماً في قمة العشرين.
جاهد الآباء والأجداد واجتهدوا من أجل ذلك، ونحن اليوم مطالبون بمواصلة مسيرة الخير على النهج نفسه، وهي أمانة في عنقنا للجيل الحاضر وأجيال المستقبل.
الإخوة الأفاضل...
في ختام حديثي معكم عن «منهج الاعتدال السعودي»، اسمحوا لي أن أوجز أهم تطبيقاته، ورؤيتي لحمايته.
أولاً: في السياسة الخارجية:
اتسمت سياسة المملكة منذ أنشأ الملك عبد العزيز وزارة الخارجية، وحتى يومنا هذا، بالثبات على منهج واحد عنوانه»الاعتدال»، ومن أهم الدلالات على ذلك:

1. أن المملكة لا تسمحُ لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية، وفي المقابل تلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
2. استطاعت قيادة المملكة، منذ تأسيسها، تجنيب البلاد ويلات الحرب والمغامرات غير المحسوبة، التي أقدم عليها غيرها من دول المنطقة، على حساب مشروعها التنموي، بل وعلى حساب سيادتها الوطنية.
3. شاركت المملكة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وكان لها الدور الريادي في قيام مجلس التعاون الخليجي، وهي عضو في عديد الهيئات والمنظمات العربية والإقليمية والدولية، وقد توجت مؤخراً عضواً في «نادي دول قمة العشرين» العالمية.
4. تتبوأ المملكة موقعاً عالمياً مميزاً، وتؤدي دوراً مهماً في نصرة القضايا الإنسانية العادلة، كما أنها بذلت مساعيها للتوسط بين الفرقاء العرب والمسلمين، تكللت غالبيتها بالنجاح، وقد اكتسبت مصداقيتها في محيطها العربي والإسلامي ببقائها على مسافة واحدة من كل أقطاره.
5. باعتبارها حجر الزاوية في سوق النفط العالمية، انطلقت المملكة في سياستها من رفض الاحتكار، ووازنت دائماً بين مصلحة المنتج وحاجة المستهلك.
6. كانت المملكة، ولاتزال، رائدة الدعوة إلى الحوار والتسامح والسلام، بدأته محلياً بمركز الحوار الوطني، الذي أسهم في نبذ التطرف ومقاومة الإرهاب، ثم تبعته بتنظيم حوار موسع بين علماء الطوائف في البلاد الإسلامية، ومؤخراً تم تأسيس»مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» في العاصمة النمساوية، ليؤدي المهمة على النطاق الإنساني كله.
7. استطاعت المملكة العربية السعودية، منفردة، بفضل منهج الاعتدال، أن تثبت أمام كل التيارات الإلحادية أللا دينية، التي اجتاحت المنطقة العربية، منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، ولاتزال تطل برأسها حتى يومنا الحاضر، وظلت المملكة، وحدها على الساحة، قابضة على الكتاب والسنة، بمنهج الاعتدال فيهما، رغم ما كلفها ذلك من اتهامات باطلة، ونعوت استفزازية، ومؤامرات دنيئة، من القاصي والداني، منذ نشأتها وإلى يومنا هذا.
ثانياً: في السياسة الداخلية:
بتوحيد البلاد، استطاعت قيادة المملكة العربية السعودية، أن تحقق أنجح وحدة عربية في التاريخ الحديث، وأن تحافظ على ديمومتها واستقرارها، من خلال أمور عدة أهمها:
1. تحقيق العدل: بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع محاكمها، وإخضاع كل أنظمتها لمقتضى الشرع الحنيف، ويشهد القضاء في الوقت الراهن مشروعاً ضخماً يتبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير أدائه.
2. نشرالأمن: بتأمين جميع وسائله وأسبابه للمواطن والمقيم، وللوافدين من ضيوف الرحمن الذين كانوا يعانون شتى أنواع المخاطر قبل قيام الدولة السعودية. ثم إن المملكة واجهت التطرف والإرهاب، في الداخل والخارج، بكل الحزم، انطلاقاً من موقفها الثابت الذي أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، في اجتماع لجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في تونس عام 2000م، حين قال: «إننا نأتي في طليعة الأمم والشعوب التي تنبذ العنف والإرهاب بأشكاله وأنواعه كافة، وندعو إلى التسامح والإخاء والمحبة، انطلاقاً من مبادئنا الإسلامية التي تحرم ترويع الآمنين وسفك دماء الأبرياء، والتعدي على الحقوق والممتلكات، وانتهاك الأعراض والحريات».
3. نشر المعرفة: بتوفير كافة وسائلها وآلياتها، من خلال افتتاح المدارس والجامعات، وابتعاث ما يزيد على مائة ألف من أبنائها وبناتها إلى أرقى جامعات العالم لكل التخصصات، في أضخم مشروع تعليمي يشهده وطننا العربي في العصر الحديث. كما شهدت البلاد تطوراً مهماً في الكم والكيف بميدان الإعلام، والأندية والمؤسسات الثقافية، التي أصبحت منارات تشع العلم والمعرفة في كل أرجاء البلاد.
4. تمكين المرأة وتعظيم دورها كشريك فاعل في تنمية بلادها، والوصول بها إلى المجالس البلدية ومجلس الشورى، طبقاً للضوابط الشرعية.
5. التوسع في نظام الانتخاب للمجالس البلدية، والأندية الأدبية، والغرف التجارية، وغيرها.
6. التنمية الشاملة والمستدامة: من خلال خطط خمسية بدأت العام 1391ه، ومخططات إقليمية طويلة الأمد أعدت حديثاً لكل منطقة.

الرؤية والمنهج
وتستهدف كل هذه الخطط تطوير شتى المرافق والخدمات الأخرى: الاقتصادية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، في واحدة من التجارب التنموية الاستثنائية العالمية، من حيث حجم الثمرة، وزمن النضج والقطاف.
وعليها يقوم مشروع طموح يقفز عبره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- يحفظه الله- بالبلاد إلى مصاف العالم المتقدم، في حمى قيم الاعتدال الإسلامي الذي انتهجته البلاد منذ تأسيسها.
ثالثاً وأخيراً: فيما يتعلقُ برؤيتي لحماية هذا المنهج:
فإنني أعتقد، ولعلكم توافقونني، بأن كل هذه النجاحات التي حققتها المملكة العربية السعودية «بمنهج الاعتدال السعودي» والمكانة السامقة التي تبوأتها عالمياً بكل التقدير والاحترام، أهلتها لتكون التجربة الأنموذج المعاصرة لنجاح النظام الإسلامي، كيف لا وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ربطت دستورها بالكتاب والسنة، وتخضع كل أنظمتها لتعاليم الإسلام وقيمه؟!
رايتها عبارة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وفيها قِبْلَةُ المسلمين: الكعبة المشرفة في البيت العتيق، ومسجد رسول الهدى (صلى الله عليه وسلم) في طيبة الطيبة، وهي من أكثر البلاد العربية والإسلامية أمناً واستقراراً.
ولديها مكانة اقتصادية جاوزت حدود الدول النامية، وأهلتها لتكون شريكاً مؤثراً عالمياً، كما أن لديها برنامجاً تنموياً لا أعتقد أن له الآن مثيلاً في المحيط العربي والإسلامي.

قيادة خادم الحرمين
وهذا في نظري هو ما جعل الهجمة الشرسة تشتد وتستعر في الوقت الحاضر على المملكة من أعدائها، الذين هم في الواقع أعداء الإسلام، ممثلاً في الدولة الوحيدة التي تطبقه على حقيقته.
ولهذا، فإن كل من يغارون على الإسلام في كل العالم، ويريدون الخير له، ويحرصون على أن يواصل النظام الإسلامي مسيرة نجاحه، وأن يحصَّن في مواجهة هذا الهجوم، المتعدد الجهات، ضده، عليهم أن يوحدوا صفوفهم مع المملكة العربية السعودية، قيادة وحكومة وشعباً لنصرة الدين ونظامه، لا بالدعوات والتمنيات فحسب، بل بالقول والفعل والعمل.
وختم الفيصل محاضرته قائلاً: إن هذه اللحظة الحاكمة توجب علينا في جبهتنا الداخلية، مواصلة مسيرتنا صفاً خلف قائد الإصلاح والتطوير في بلادنا، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأن نؤازره بكل ما نملك من فكر وجهد وإخلاص وأمانة، وأن نسد الثغرات التي ينفذ منها أعداؤنا لمواصلة حملتهم علينا، كذباً كانت أم حقيقة.
مؤكداً على أنها فرصتنا جميعاً لنقدم للعالم الوجه الحقيقي الناصع للإسلام.
«الحكمة ضالة المؤمن».. والاعتدال في الإسلام هو العدل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.