يظل لغز الموت محيرًا للإنسان منذ وعيه بالحياة ؛ ما جعله يسعى و يبحث عن طقوس و علاجات و رقى يدفع بها ذلك الضيف الثقيل . و ربما كانت حياة الإنسان أطول حينما كان يعيش في الغابة و الأدغال ولا يخشى على حياته خطر الموت إلا من الحيوانات المفترسة التي يتنافس معها بغريزة البقاء. أما في العصر الحاضر ومع التقدم العلمي والتكنولوجي قَصُر عمر الإنسان ، فلم تعد التهديدات التي كان قد صادفها حين كان في الأدغال تغتاله بقدر ما يخاف من جاره البشري الذي يتربَّص به ليقتله. و لقد مات ملايين البشر بسبب المجاعات و الاضطرابات الاقتصادية التي أفرزت القلاقل الأمنية و زادت من نسبة الجياع ووصول خط الفقر إلى ما تحت كعوب الأقدام و هو ما جعل القوي يأكل الضعيف ويسحقه. و بالإضافة إلى ما خلّفه تصارع القوى العظمى على الأرض ومحاولة كل منها بسط نفوذها على جماجم البشر واستخدام الأسلحة الفتاكة و جعل البشر كفئران تجارب لا خيار لهم سوى الاستسلام أو الموت وما تخلفه تلك الصراعات من سقاية لجذور الكراهية بين البشر وتدمير الحضارات الإنسانية وتفكيك معاني التسامح و بث روح الطائفية والمذهبية التي تعد أقوى فتكا من الأسلحة المادية. و في بحث عن أعداد القتلى الذي أجرته الباحثة السياسية تانيا هسو ذكرت فيه أن ما يقارب من 216,729,730 إنسانا، أي ما يقترب من الربع مليار إنسان، قتلوا بسبب الحروب وأغلبها طائفي وحروب دينية و مذهبية و بعضها عرقي يشكل العرب 5,251,730 أي ما يقارب الخمسة ملايين و ربع المليون إنسان عربي علمًا أن الإحصائية منذ عام 2007 فكم ستصبح اليوم؟! كما لا يمكن إغفال ما سببه التقدم الصناعي من تلوث للبيئة نجم عنه هلاك ٌ للحرث و النسل و نفوق للأنواع الطبيعية التي عاشت مع الإنسان ردحا من الزمان و ما نتج عن هذا التلوث من تغيرات مناخية سببت الكوارث الطبيعية كالفيضانات التي قتلت مئات البشر . و إن الإنسان ما خرج مختارا من قانون الغاب والافتراس إلا ليمارس هذا القانون على نفسه و بني جنسه و يدمر الطبيعة التي آوته و ساعدت النوع الإنساني على البقاء حتى يذكرها في يوم ٍ ما بخير و يصون العقد الحياتي و لكنه أبى إلا أن ينقض العهد ويخون الوعد .