المنشآت الصغيرة عماد الاقتصاديات الكبيرة.. حقيقة تعبنا من ترديدها وسماعها، فالمنشآت الصغيرة تولد في عالم الأعمال، ولكن القليل منها الذي يكتب له النجاة، ففي الإحصائيات العالمية تقدّر المشروعات الصغيرة التي تستمر لأكثر من خمس سنوات بنسبة20 % فقط من هذه المشروعات ، بمعنى أن ما يعادل ثمانية مشروعات من كل عشرة تموت في سنوات الحضانة الأولى. لكي تعيش المشروعات الصغيرة في غابة الاقتصاد والتجارة ابتكر في الغرب مفهوم رأس المال الجريء، وهو مفهوم يقوم على المواءمة بين عقلية المبادر وغالباً ما يكون من الشباب والذي يتميّز بالحماس والمخاطرة والأفكار الإبداعية والرغبة في صنع المستقبل من جهة، وبين صاحب المال الذي يتميّز بالملاءة المالية والتجربة والخبرة . الميّزة المهمة في هذه المشروعات أنها لا تورّط المستثمر الصغير والناشيء في سلسلة من التمويلات والتي تعتبر قروضاً واجبة السداد، قد تتسبب في فشل المشروع ، أما الميّزة الثانية فهي أنها تحقق مكاسب الشراكة مع أصحاب الخبرة وبالتالي تؤدِّي إلى القرار الرشيد نتيجة الخبرة والمعرفة والمشورة . هذا الخليط الفريد الذي يجمع بين المزايا، عادة ما يتمّ عبر آليات للشراكة ما بين أصحاب الأعمال وأصحاب الأموال، فتبدأ المشاركة وفق مبادئ تشترط التمويل مقابل الشراكة وفق شروط معينة تصبّ في صالح الطرفين، وتمرّ مراحل الشراكة بأكثر من مرحلة، ففي كل توسُّع في المشروع يتمّ ضخ رأسمال إضافي فيه وتعتبر شراكة جديدة وفق قواعد مختلفة، وذلك لاختلاف المخاطر في كل مرحلة. هذا المزيج هو ما يطلق عليه رأس المال الجريء (ويسمى برأس مال المخاطر) ،وفي بعض الأدبيات يسمّى «المستثمر الملائكي»، وسبب هذه التسميات أن المستثمر المالي يضع أمواله في أوعية شديدة المخاطرة.. ولكن هذه المخاطرة قد تقابل بنجاحات غير مسبوقة لمغامرتها. في لقاء جمعني مع وزير التجارة والصناعة الشاب د. توفيق الربيعة، وعد بأن رأس المال الجريء أحد أولويات وزارته لقطاع شباب الأعمال والمنشآت الصغيرة في المملكة، وأنا متأكّد أن معالي الوزير سيفعل، ولكن السؤال هل يتفاعل معه قطاع الأعمال؟ اقتراحي على معالي الوزير لتنفيذ المشروع بأن يتجاوز رجال الأعمال ويتمّ تأسيس شركة متخصصة في رأس المال الجريء برأسمال قدره مليار ريال، مهمتها فقط الاستثمار الجريء، تطرح في السوق مباشرة.