انتصرت رواية «جازاويات» للشاعر والروائي الشاب فهد فاتك للمراهق من جديد، ووضعته في قلب معادلة رياضية، في الوقت الذي غابت فيه جماهيرية المراهق في ظل تأزم وضعنا الاجتماعي. تبدأ الرواية ذلك من الغلاف الذي احتوى على «معادلة» رياضية تبدأ ب «جا»، وتختتم ب «زاويات». وتميزت بسرد القضايا بشكل «زاوي» سردي، حيث يفاجئك النص بخروجه مباشرة إلى القضية الأخرى بشكل آخر، وكأن الزاوية الأولى انتهت لتشاهد الزاوية تظهر مرة أخرى، وكأن المشكلة عبارة عن دائرة، والحلول داخل هذه الدائرة في زاوية ما، عندما يترك الحل مبهماً ليفكر فيه القارئ. واعتبرت الرواية «السَّرَحان» أحد الحلول الذاتية التي يعتمد عليها المراهق كثيراً ليعالج فيها بعض همومه مع نفسه، فهو يرى أن الحلول الخارجية لا تكون مناسبة تماماً لحل قضيته، فدائماً ما يعالج في ذاته هذه الهموم، بحديثه مع نفسه، أو مع من حوله. واعتمدت الرواية على أسلوب الأنا في السرد، حيث تقرأ وكأنك صاحب هذه السيرة المكتوبة، والقصة التي سردت، وكأنك تعاني أنت شخصياً من هذه المشكلة، فهي ليست إلا قضايا مر فيها كل مراهق خلال مروره بهذه المرحلة العمرية في حياته. يبدأ الكاتب بقضية المنزل والأسلوب التربوي الذي يقابل به المراهق في المنزل، والعنف الأسري، والحديث العابر، ونظرة المراهق للحدث داخل بيته في هذه الزوايا. والرواية تصور قضية العنف الأسري على أنها مشكلة لا تنتهي، ولن تنتهي بسهولة إلا من خلال قوة شخصية المراهق في التعامل معها. كما ذكر أيضاً قضية المراهق مع المدرسة، والحصص والكتب التي يدرسها أيضاً، فهو كما يعبر من خلال الغلاف بأن المعلم هو نتاج معادلة: (شخص + عصا) توبيخ = معلم. والطالب نتاج معادلة: عقل – (إنسان + حقيبة) = طالب. والمدرسة لا شيء، سوى سجن يدخل له الطالب يومياً، ويفرج عنه في منتصفه! ويرى أن الكتب التي يدرسها الطالب لا تقدم شيئاً للطالب، فهي معدة مسبقاً من فئة لم تفكر بتاتاً في الفئة التي تدرس هذه المناهج. كما فتح قضية لماذا لا يتعلم الطالب المراهق مبادئ تطوير الذات، فهي شيء أساسي لتقديم الطالب في مرحلة ما بعد الدراسة، أو المنزل. ويعود مجدداً لزاوية القضايا المجتمعية، كخطبة الجمعة التي تراها الرواية وسيلة لتبرير الخطأ في حق المراهق، دون طرح حلول، وأنها وسيلة اتهام أكثر من أنها وسيلة لطرح حلول على المنبر. وقضية المهور الباذخة التي جعلت من الزواج سوقاً سوداء لبيع النساء من خلاله، وفتح قضية جدلية كأن تتصرف البنت المقبلة على الزواج في المهر، وليس الأب الذي ربما يكون سبباً في عنوستها، أو فشل زواجها بعد ذلك، فالمهور الباذخة تسبب الدَّين، ويرى الديون أحد الأسباب المهمة لتفاقم الطلاق والمشكلات داخل الأسرة، فالديون دائماً ما تجعل الزوج معدماً، وإذا كان كذلك فقلة المال تجعله غير قادر على تلبية كثير من مستلزمات الأسرة. وجاء في الرواية أنه ما المانع في أن تخرج المرأة على أبيها، أو روتين مجتمعها، لتقرر زواجها بنفسها دون الالتفات لهذا العائق الكبير الذي هو الأب والأسرة والمجتمع. وأخذت الرواية منعطفاً آخر في قضية المراهقة التي تذنب، فالمجتمع قد يغفر للمراهق المذنب، أما الفتاة فذنبها جريمة غير قابلة للمغفرة، وخطيئتها قد تكون مبرراً لقتلها. والرواية تُطرح من وجهة نظر مراهق ينتقد مجتمعه، في ضوء التقاليد المطروحة على الساحة، التي يعايشها المراهق. يذكر أن الرواية سترشح لجائزة البوكر العربية، وقيَّمها موقع «جود ريدز» من مؤلفات 2012م الجيدة للقراءة، فهي تعالج قضايا جدلية كثيرة، ولا تطرحها فقط.