الحياة الدنيا مرحلة إلى الآخرة، يُبتلى المرء فيها لتُنظر أعماله فيُجازى عليها يوم القيامة، كان لزاماً على المسلم العاقل أن يتحرّى في دنياه كل ما يُعينه على أعباء الحياة وينظر مليئاً إلى السعادة في أُخراه، وأهم مُعين بعد الله عزّ وجل وأول سند، هو الصاحب الصالح، الذي يبدأ بالمجتمع المسلم الذي يعيشُه، ثم اختيار الصديق التقي كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا تصاحب إلاّ مؤمناً) رواه أبو داود، ثم ينتهي باختيار الزوجة الصالحة التي يتوسم فيها أن تكون خير مُعين وطريق إلى السعادة الأبدية إن شاء الله. وتوسُّم صلاح الزوجة لا بد أن يتمثل في جميع جوانب الحياة، فهي التي يظُن فيها أن تحفظ نفسها وعِرضها في حُضوره ومَغيبه، وفي الصغير والكبير لقوله عزّ وجل (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) وهي التي تتحلّى بالخُلق الحسن، والأدب الرفيع، فلا يعرف منها بذاءة لسان ولا سوء عشرة، بل تتحلّى بالطِيب والنقاء والصفاء وتتزين بحُسن الخِطاب ولطف المعاملة، وأهم من ذلك أن تتقبل النصيحة وتستمع إليها بقلبها وعقلها ولا تكن من اللواتي اعتدن الجدال والمراء والكبرياء، وقيل خير النساء التي إذا أُعطيت شكرت وإذا حُرمت صبرت، تسرُّك إذا نظرت، وتطيعُك إذا أمرت، وهي التي تُحافظ على صلتها بربها وتسعى دوماً إلى رفع رصيدها من الإيمان والتقوى فلا تترك فرضاً، وتحرص على كل عمل خير وتقدّم رضا الله سُبحانه وتعالى على كل ما سواه، لقوله صلى الله عليه وسلم (فاظفر بذات الدين ترِبَت يداك). والمرأة الصالحة هي التي ترى فيها مُربية صادقة لأبنائك، تُعلمهم الإسلام والخُلق والقرآن وتغرس فيهم حب الله وحب رسوله وحب الخير للناس وكل ما يعود عليهم بالنفع والخير وتُجنبهم كل ما يعود عليهم بالشرّ والسوء، ولا يكون همُّها من دنياهم فقط، بل مراتب التقوى والخُلق والعِلم المُفيد، وأن تكون الزوجة التي تسكُن نفسه برؤيتها ويرضى قلبه بحضورها، فتملأ عليه منزله ودنياه سعة وفرحاً وسروراً. شرع الله عزّ وجل الزواج وجعل فيه السكينة والطمأنينة، وأنعم الله على عباده المؤمنين بنعمة الزوجة الصالحة، فهي بمنزلة جائزة يُكرم الله بها عباده المؤمنين، فتكن له الراحة والأمان في الدنيا والآخرة، المرأة الصالحة هي المرأة التي تتصف بصفات الصلاح، والصلاح هو الابتعاد عما حرّم الله والعمل بما أمرنا الله به، فأول الصفات للمرأة الصالحة هي حُسن إيمانها، فإن صلح إيمانها صلُح حالها وخُلقها وكانت على خُلق حَسن وجميل، فهي من استقامت بدينها وخُلقها، تخاف الله في كل شيء فيحفظها الله. والمرأة الصالحة قبل أن يتحكم فيها قلبها ومشاعرها تتحكم فيها أخلاقها الحميدة، فتدفعها لِفعل كل ما هو حَميد فتُحافظ على بيتها وأطفالها ونفسها بما يرضي الله تعالى، المرأة الصالحة هي من ترتدي ثوب العِفة فيبُث الله في وجهها النور وفي قلبها السرور ومنحها الهيبة في عُيون الناس، فتطيع الله في السِر والعَلن وتسعى إلى الخير وتنشره فيتحلّى قولها بالصدق وتبتعد عن الكذب، ويتزين عملها بالأمانة والإخلاص فتُخلص العمل بمنزلها وفي عملها الرسمي وتُخلص في تربية أولادها فتحفظ زوجها وأهلها في بيتها ومالها، الزوجة الصالحة لا ترفع صوتها على زوجها أو أهلها، تتحلّى بالصدق دوماً ولا تلجأ للكذب، تبتعد عن الانفعال والغضب والعصبية غير المُبررة، مُتزنة بكلامها وأفعالها وتميل إلى الحكمة، ملتزمة بدينها ومحافظة على عبادتها وعلى طاعة ربها، لا تخرج من بيت زوجها إلاّ بإذنه ولا تصوم النوافل إلاّ بإذنه ولا تنفق من ماله إلاّ بإذنه، تتصف بالحياء والتواضع لله تعالى، وليست مغرورة، تُربّي أولادها تربية صالحة، لا تُفشي أسرار حياتها الزوجية خارج بيتها، تُطيع زوجها بما يُرضي الله ولا تُطيعه في عِصيان الله، تصبر على البلاء وتحمد الله وتشكره عزّ وجل في السّراء والضّراء. المرأة الصالحة هي امرأة أكرمها الله بعديد من النِعم، فمتى ما اتصفت المرأة بالصلاح أكرمها الله وأعزّها بهذه الصِفات الطيبة والحميدة، عليها أن تشكر الله سُبحانه وتعالى على هذه المكرمات والنِعم، فمتى ما اتصفت المرأة بالصلاح أكرمها العلي القدير بالزوج الصالح والذُرّية الطيبة والصالحة وضاعف لها من حسناتها، فيُثقّل عزّ وجل ميزانها يوم القيامة وصارت لها مكانة مرموقة في قلب زوجها وأهلها وأولادها، وزرع الله المكانة لها في أعيُن الناس، فيُسدد الله الحكمة على لسانها ويُثبت قلبها على دينه ويجعل لها فوق راحة الدنيا، راحة في الآخرة وأجراً عظيماً، لأنها تصون بيتها وأهلها وزوجها وتحسِن تربية أولادها، وخير الأمثلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حيث كانت نِعم المرأة والزوجة الصالحة التي إن نظر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سرته وإن خرج عليه السلام حفظته، فلا يخرج منها إلاّ أطيب الكلام، فرضي الله عنها وجعلنا من أمثالها.