مع توالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمياه والكهرباء؛ بدأ كثيرٌ من الإيرانيين الذين يكافحون لسد احتياجاتهم يفقدون إيمانهم برئيسهم صاحب الوعود بمستقبلٍ مشرق. وتأثرت البلاد بشدة بعاملين لهما وطأة ثقيلة تمثَّلا في استمرار العقوبات الغربية بسبب الأنشطة النووية والانخفاض الشديد في أسعار النفط، لكن قادة إيران يقولون للشعب إن المحنة ستزيد بلدهم قوة. لكن ذلك لا يمثل عزاءً يُذكَر لكثيرٍ من الإيرانيين العاديين الذين يكافحون لإعالة أسرهم في وقتٍ بلغت فيه البطالة مستويات مرتفعة وظلت فيه الأجور على انخفاضها. وعلق كثيرٌ من الإيرانيين آمالهم على الرئيس حسن روحاني الذي تولى منصبه عام 2013؛ بفضل ما أطلقه من وعود لتحسين الاقتصاد من خلال وضع نهاية للمواجهة النووية المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات مع الغرب، إلا أن الجانبين لم يتوصلا حتى الآن إلى اتفاق شامل. ويقول مراد رضايان، وهو أب لخمسة أطفال يملك متجر بقالة صغيراً في مدينة بندر عباس الساحلية الجنوبية، إن «كل هذه الوعود بتحسين الاقتصاد ليست سوى كلمات لطيفة، وليس باستطاعتي أن أطعم أطفالي وعوداً جوفاء». ومع انتصاف الولاية الأولى لروحاني؛ لم يُغضِب الرئيس المتشددين السياسيين الذين يعارضون تقاربه مع الولاياتالمتحدة «الشيطان الأكبر» فحسب، بل بدأ يفقد تأييد كثير من أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض الذين منحوه أصواتهم في الانتخابات ويتحملون الآن جانباً كبيراً من أعباء المشكلات الاقتصادية. وفي العام الأخير، غيَّرت سفن كثيرة تجلب الحبوب وجهتها وابتعدت عن الموانئ الإيرانية لأن طهران لا يمكنها سداد مستحقات المورِّدين الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية. وارتفع سعر رغيف الخبز الإيراني بنحو الثلث في الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها ليصل إلى 10000 ريال «ثلاثة دولارات»، بحسب الموظف في القطاع الخاص في مدينة تبريز «شمال غرب» قنبر عمادي. ويتساءل عمادي «هل نستطيع أن نشتري سلعاً؟ بالطبع لا، يبدو أن زعماءنا يعيشون في بلد آخر غير الذي نعيش فيه عندما يتحدثون عن النجاح الاقتصادي». وعلى مدى سنوات؛ ظلت إيران عضو منظمة «أوبك» تعوِّض الأثر الضار للعقوبات بإيرادات النفط المرتفعة، فكان دخل صادرات النفط يسدد تكلفة جانب كبير من احتياجات البلاد من الغذاء وكثير من مكونات التصنيع الضرورية لتجميع السلع في المصانع المحلية. غير أن أسعار النفط انخفضت إلى النصف منذ يونيو الماضي وخفَّضت الإيرادات؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم أثر عقوبات قلَّصت صادرات إيران من النفط بنسبة 60% إلى نحو مليون برميل في اليوم. وعالجت إدارة روحاني بعض الضرر الاقتصادي الناجم بصفة أساسية عن العقوبات بإجراءات؛ منها تثبيت العملة وتطبيق سياسات نقدية ومالية متحفظة لخفض معدل التضخم السنوي الرسمي بمقدار النصف إلى حوالي 20%. لكن وبعد أكثر من عام من التوصل لاتفاق أولي مع القوى العالمية الست بشأن «النووي»؛ لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق نهائي يضع حداً للعقوبات التي دفعت الحكومة لخفض دعمها لأسعار المواد الغذائية والطاقة في محاولة لتخفيف العبء عن الموازنة العامة. وتتساءل ماهسا حسيني (42 عاماً) التي تعمل مدرسة في طهران «أسعار الخبز والكهرباء والماء والغاز الطبيعي تتزايد.. لماذا؟ نحن بلد غني بالطاقة، ما الذي حدث لكل تلك الوعود الانتخابية لروحاني؟». وعلى الدوام كانت حالة الاقتصاد عاملاً أساسياً في تشكيل التطور السياسي في إيران منذ قيام الثورة التي أطاحت بالشاه المدعوم من الولاياتالمتحدة عام 1979. ويتوقع دبلوماسيون ومحللون أنه إذا لم يستطع روحاني الوفاء بوعده برفع العقوبات فربما يفقد تأييد كثير من الإيرانيين بما يعزز موقف المتشددين في التركيبة السياسية المعقدة للبلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور العلاقات مع الغرب. ويقول دبلوماسي غربي كبير في طهران إن «مسيرة روحاني السياسية تتوقف على تحسن الاقتصاد، وانخفاض أسعار النفط لا يساعد الحكومة، الناس بدأت تفقد الأمل وفي الشوارع لا يتحدثون عن شيء سوى الصعوبات الاقتصادية». وبمقتضى الاتفاق النووي المؤقت؛ أوقفت إيران أكثر الجوانب حساسية في برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية. مع ذلك، لم تتدفق استثمارات أجنبية كبرى بسبب استمرار الغموض بشأن ما إذا كانت العقوبات ستُخفَّف بدرجة أكبر أم لا. وأكثر من 15% ممن هم في سن العمل في إيران عاطلون، كما أن الرواتب لكثير من الوظائف هزيلة. ويربط محللون بين رفع العقوبات – إن حدث اتفاق حول «النووي»- وإطلاق جولة جديدة من استثمارات القطاع الخاص التي ستكون مفتاح إنقاذ للاقتصاد الإيراني. ويقول محمد رضا، وهو وكيل العقارات في مدينة أصفهان «وسط»، إنه «لا أحد يريد إبرام صفقات في إيران، فكل شيء يتوقف على الاتفاق النووي، ومع انخفاض أسعار النفط كل يوم فإن عدم التوصل لاتفاق نهائي يعني أننا سنعاني أكثر». ويشير رضا إلى «ارتفاع أسعار العقارات، فلا أحد يستطيع أو يريد أن يشتري عقارات فهم خائفون من الاستثمار في بلد ليس له مستقبل واضح». ووفقاً لبعض الدبلوماسيين؛ فإن الشهور المقبلة ستكون حاسمة للاقتصاد وللرئيس، فإذا نجح روحاني في توقيع اتفاق نووي نهائي فإن وضعه سيقوى وسيضمن الفوز بفترة ثانية في الرئاسة. «لكن في حالة فشل المحادثات ستكون اليد العليا للمتشددين وستصبح إيران أكثر عداءً للغرب»، بحسب المحلل سعيد ليلاز.