توقع كثير من المتابعين والمهتمين بالمشهد الثقافي أن تكون الأمسية الفكرية التي أقامها الناقد سعيد السريحي في المنتدى الثقافي بفرع جمعية الثقافة والفنون في الباحة حول الإنسان المبدع وجدلية الزمان والمكان، مثار جدل يعززه حضور لافت من قِبل المناوئين للفكر الحداثي والممانعين لثقافة التغيير وإعمال العقل؛ ولكنها جاءت هادئة وسلسة. الأمسية التي قدمها الإعلامي مهدي الكناني، على الرغم من أنها شهدت عدة مداخلات نقدية قوية من كل من: خميس سالمين وغرم الله الصقاعي وعلي البيضاني وعبدالعزيز أبولسة ومحمد ربيع، بدت هادئة. وأوضح السريحي أن سبب الهدوء هو أن ملف الحداثة والسريحي وبعض الأسماء لم تعد مغرية للنقاش أو حتى مجادلتها مباشرة من ناحية، ومن ناحية أخرى قد تتضمن مسألة أمنية بعد أن انكشفت أوراق كثيرين من المتشددين الذين اتضحت ولاءاتهم الخارجية وارتباطهم الفكري والروحي بتنظيمات محذورة، فآثروا ألا يظهروا في الصورة، وألا يثيروا مزيداً من اللغط. ورقة السريحي التي جاءت بعنوان (قراءة تفكيكية لجدلية المكان والزمان وعلاقتهما بالإنسان المبدع)، أوضح فيها أن الإسلام لم يقطع الهوية الإنسانية، مستشهداً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام «إنما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق»، وأوغل في تفكيك مفهوم الهوية الذي يختلف حسب سياقاته الثقافية، مشدداً على وجود هوية ثابتة في ظل تقاطعات الزمان والمكان، ومعللاً ذلك بأن الإنسان كائن متأثر ومؤثر. وحول قلق الهوية، أبان السريحي أن هذا القلق جزء من حركة «الزمنكانية» لم ينجُ منها حتى الغرب الذي يغير نظرياته وأنماط حياته. وذهب إلى أن مشكلة الهوية لا تتوقف عند هذا الأمر، إذ ليست جوهراً ثابتاً لا يتغير كما يروج لذلك بعض المرتابين من التغيير، كما أنها ليست كذلك جوهراً قابلاً للإضافة والحذف كما يقول بذلك أنصار التغيير. كما دعا السريحي إلى التسامح والتعددية بين أفراد المجتمع كونها تعد أحد أهم عوامل الانفتاح والنمو الصحي للمجتمعات، وأحد أعمدة حركة الوعي والتنوير، فالتعدد يسمح بقبول الآخر ويفتح نوافذه لكل التناقضات والمعارضات والأضداد، مما يسهم في تلاحم طبقات المجتمع وتماسكه. وقد استدعى السريحي في معرض حديثه عن التسامح سؤال محمد سرور الصبان في كتابه «المعرض» الذي طرحه على الأدباء مستفسراً عن رؤيتهم حول التجديد في الكتابة وفي اتباع المدارس الحديثة أو سلوك طريق العرب الأوائل. واصفاً سؤال الصبان بالمؤرق، رغم أنه يبدو في ظاهره سؤالاً أدبياً محضاً، وذلك لاتصاله بالهوية في عصر استشرف مثقفوه ما باتت تتعرض له الهوية من زحزحة عما استقرت عليه منذ قرون.