رحلت الشهر الماضي، رائدة تعليم البنات في منطقة الحدود الشمالية المعلمة الفاضلة هناء بنت محمد عبدالقادر المغربي المولودة في مكةالمكرمة، عن عمر يناهز ال72عاماً، حيث وافاها الأجل في مستشفى الشميساني بالعاصمة الأردنيةعمان. والمربية هناء -رحمها الله- ينطبق عليها قول الشافعي: قد مات قوم وما ماتت مكارمهم.. وعاش قوم وهم في الناس أموات. فالمغربي هي المشجعة الأولى لتعليم البنات، وتغيير فكرة «اقتصار عمل المرأة في المطبخ»، حيث طرحت فكرتها، وأقنعت الآخرين في وقت كان الحديث فيه عن تعليم المرأة من المحرمات بحكم الظروف الاجتماعية والأعراف آنذاك، فلم يكن المجتمع مهيأ ولا متحمساً لتعليم البنات في مدارس تسير إليها الفتاة بعيداً عن عيون أهلها. أصرت على تحدي الظروف في ذاك الوقت وشجعت الفتيات على التعليم، وقالت في وقت سابق «تعلمت في الأردن عند جدتي لأمي وهي التي ألحقتني بالمدرسة وبعد وفاتها عدت إلى المملكة قبل أن أتم تعليمي. فلمست أنه لا وجود لتعليم البنات في عرعر، وأن معظم البنات أميات، وأصبحت أعمارهن كبيرة، أخذني حماس الشباب، فطرحت على والدي فكرة افتتاح مدرسة، فرحب بالفكرة، ودعمني، وتحول منزلنا إلى أول مدرسة بنات أهلية خيرية في عرعر، ورغم شح الإمكانات التي تساعد في العملية التربوية حينذاك، إلا أن والداي شجعاني ومنحاني جزءاً من منزلنا يتكون من غرفتين وباحة وحمام. ووعدني والدي بأن يزودني بالمال وأي شيء أطلبه مقابل تعليم الناس». تقول المغربي «بدأت استقبل الطالبات حتى وصل عددهن إلى 35 طالبة، فدرّستهن القرآن الكريم والتفسير المبسط والحساب والعلوم والمطالعة والإملاء والقواعد، وبعد بدء الدراسة بثلاثة أيام انسحبت عشر طالبات لأن أولياء أمورهن لا يريدون أن يدرسن سوى القرآن الكريم. وبقينا أربعة أشهر نفترش الأرض على حصر يقوم بصنعها بعض أهالي مدينة سكاكا، من جريد النخل وكنا نكتب على سبورة من الكرتون المقوى صبغتها بيدي، وبعدها أتفقت مع نجار اسمه»النبهان» أن يعمل لنا مقاعد مستطيلة الشكل على أن ندفع تكلفتها بأقساط شهرية وبحسب ما يتوافر لدينا من المال فوافق رحمه الله، ثم طلبت من الأهالي التبرع شهرياً للمدرسة كلاً بحسب استطاعته، فأرسل المبالغ للنبهان نظير صنعه الطاولات». وتحكي المغربي قصة الدراسة الفعلية وسعيها للمدرسة المثالية قائلة «بدأتُ التدريس عام 1379ه، وحدي ودون مساعدة من أحد، وكنت أقلد نظام المدرسة التي تعلمت فيها، فعملت بيدي عديداً من وسائل الإيضاح من الخامات الموجودة في البيئة، وجاءت النتائج مبشرة. حيث تجاوبت معي الطالبات بشكل مذهل، وكنت كلما أجد تجاوباً أعطي بلا حدود، فصنعت لوائح النظام والتدريس. وكنت لا أعرف طريقة تقسيم المنهج على أشهر السنة أو سلم العلامات، بل أعطي الدرجة حسب قوة الطالبة العلمية واستخدم مع طالباتي كلمات الثواب مثل ممتازة إلى الأمام وكل طالبة تجمع 10 ممتاز تحصل على جائزة أفضل ممن تجمع 10 جيد جداً، وكانت الجوائز بسيطة حسب إمكاناتنا». مضيفة «بعد ستة أشهر من بدء الدراسة أجريت امتحاناً لتصنيف الطالبات إلى فصلين، وكانت النتيجة إما ناجحة أو راسبة، ولا يوجد دور ثانٍ، وبعد ذلك اتبعت خطة الفصول المجتمعة والمعلمة المنفردة، وهنا أصبحت بحاجة إلى كتب دراسية، فأرسلت خطاباً إلى مدير المدرسة الوحيدة الموجودة فاعتذر لشح الكتب، وأرسل قائلاً إن لديه كتباً قديمة ومستهلكة، وإذا رغبت فيها فهي عهدة عليّ، فوافقت ووقّعت واستلمت الكتب، وطلبت من الطالبات الكبيرات الحضور يوم جمعة لنقوم بمعالجة وإصلاح وضع هذه الكتب، وفعلاً قمنا بذلك، وأصبحت أدرّس منهج وزارة المعارف». وتتابع المغربي، فتقول «ذاع صيت المدرسة وأصبح الإقبال عليها بشكل متزايد، وأصبحت حديث المجالس، وكنت أرفض بعض المتقدمات بعد تدفق الطلبات، لأنني وحيدة وطاقتي محدودة، فلم يرض عن ذلك بعض الأهالي، وكثرت المضايقات، فقررت إغلاق المدرسة والعودة لإتمام دراستي، وبعد هذا القرار فوجئت بأن مجموعة من أولياء أمور الطالبات قاموا بكتابة معروض رفعوه إلى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد أمير الحدود الشمالية لمنعي من السفر، لأني كما ذكروا -بدأت بمشروع ممتاز يخدم بنات البلد-، فقام سموه بمخاطبة الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- لفتح مدرسة في عرعر، وفعلاً تجاوبت الرئاسة العامة لتعليم البنات، وأرسلت لجنة قررت ضم المدرسة للرئاسة، واعتبارها مدرسة رسمية من ذلك اليوم، ثم عينوني مديرة لها، واستأجروا لها مبنى قديماً». وعن عدد الطالبات اللاتي التحقن بالمدرسة الحكومية والعوائق التي واجهتها، تقول «ارتفع عدد الطالبات إلى 200 طالبة، وكتبت أول خطاب إلى الرئاسة بهذه الصيغة: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -1 وصل عدد الطالبات إلى 200طالبة -2لا توجد مقاعد -3 لا توجد كتب -4 لا توجد معلمات 5- أنا لا أستطيع تدريس هذا العدد لوحدي. ودمتم. وبعد فترة طويلة جاء الرد كما يلي (مديرة المدرسة الأولى في عرعر.. تعرفنا على خطابكم من ختم البريد، ضعي الرقم، والتاريخ، واسم المدرسة، في المرة المقبلة. وعن الوضع الداخلي للمدرسة والصعوبات الإدارية، التي واجهتها بعد ضم المدرسة للرئاسة، قالت المغربي «بعد ضم المدرسة للرئاسة لم تنته معاناتي بل زادت، حيث بقيت فترة طويلة دون إداريات، وأدرّس 28 حصة، ومنزلي أصبح فندقاً للمدرسات المتعاقدات اللاتي أصبحن يتوافدن كل سنة، حيث لا توجد فنادق ولا استراحات في عرعر، آنذاك، ومع هذا، وعلى مدار ثلاثين عاماً قمنا بتخريج كثير من القيادات التعليمية التي تعمل في أنحاء المملكة، ويكفينا شرفاً أن تكون الأميرة جواهر بنت عبدالله بن مساعد آل سعود المساعدة للشؤون التعليمية في المنطقة الشمالية حالياً من أولى خريجات هذه المدرسة».