أسماء لمنور وعبادي الجوهر يحييان ليلة طربية في موسم جدة    إدراج منهج الإسعافات الأولية للمرحلة الثانوية لتعزيز مهارات السلامة    إلا إذا.. إلا إذا    من العيادة الاجتماعية    أمانة القصيم توفر 290 منفذ بيع عبر 15 حاضنة بلدية لتمكين الباعة الجائلين    شمعة تنفذ لقاء تعريفي عن طيف التوحد الأسباب والدعم    جمعية التنمية الأهلية بأبها تختتم مشروع "رفد للفتيات" بدعم المجلس التخصصي للجمعيات وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق برنامجي عناية وقناديل    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب شرقي أفغانستان    الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مجلس الجامعة العربية يُحذر من مخاطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط    كأس السوبر السعودي للسيدات : الأهلي يضرب موعداً مع النصر في النهائي    إيطاليا تستهل حقبة جاتوزو بخماسية ضد إستونيا بتصفيات كأس العالم    «سمكة الصحراء» في العُلا... طولها يعادل طول ملعبَي كرة قدم    غرينوود على رادار النصر مُجددًا    "الأخضر تحت 18 عاماً" يتأهّل لنهائيات بطولة العالم للكرة الطائرة الشاطئية    مبابي وأوليس يقودان فرنسا لبداية مظفرة لتصفيات كأس العالم    ترمب: أميركا ستستضيف قمة مجموعة العشرين 2026 في ميامي    الاتحاد يتعاقد مع البرتغالي"روجر فيرنانديز" لاعب سبورتينج براجا    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    هيئة الموسيقى و«فيلهارموني باريس» يوقعان برنامجًا تنفيذيًا للتعاون في مجال الموسيقى    حين تتحول المواساة إلى مأساة    الذهب يسجل مستوى قياسيا بفضل توقعات خفض الفائدة    حقيقة تحمل الهلال راتب ميتروفيتش في الريان    إنزاغي يُسجل ثنائي الهلال الأجنبي في النخبة ويتمسك باستمرارهم    الأمن البيئي: غرامة صيد الذئب العربي 80 ألف ريال    السجن والغرامة لمرتكبي المخالفات التي تهدد السلامة العامة    خطباء المملكة يخصصون خطبة الجمعة للحديث عن مكانة كبار السن وحقوقهم    خطيب المسجد النبوي: الظلم يُذهب الأجر ويقود للهلاك    خطيب المسجد الحرام: الحسد من أعظم ما يُنغص على العبد طمأنينته    طقس ممطر ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق    المعمرون أقل عرضة للأمراض    التربية بين الأنْسَنة والرقْمَنة    ملامح عامة في شعر إيليا أبو ماضي    مفردات من قلب الجنوب 19    حملة الدراسات العليا بين الموارد والتعليم    من قلب الأحساء إلى العالمية... حكاية اللومي الحساوي    هل الروبوتات أكبر خطر يُهدِّد البشريّة؟    كل عام وأنت بخير    كيف ستغير رسوم الأراضي البيضاء مسار السوق العقارية ؟    الرواية.. سحر الحكاية وشغف القراء    اضطراب المساء عند كبار السن (متلازمة الغروب)    النوم عند المكيّف يسبب الخمول    الجوف تشهد انطلاقة أعمال السجل العقاري    محافظ الخبر يدشن المؤتمر الدولي الخامس لمستجدات أمراض السكري والسمنة    ضبط 26 مخالفًا لتهريبهم (450) كيلوجرامًا من القات المخدر    السعودية تفرض قيوداً على لعبة روبلوكس لتعزيز الأمان الرقمي    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    حُسنُ الختام    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن رد أمين جائزة أبها ورئيس نادي مكة: استراتيجية التنصُّل!
نشر في الشرق يوم 29 - 12 - 2013

يمكن لقضية منح جائزة أبها الثقافية لمنتج علمي رديء ناتج عن رسالة دكتوراة ممنوحة من جامعة وهمية، التي فجَّرها شتيوي الغيثي في عكاظ قبل أسبوعين وكتبت عنها الأسبوع الماضي، أن تكون عينة على أمراض وعلل يعاني منها نسق المكافآت والعقاب داخل منظومة العلم المحلية والحقل الثقافي بشكل عام. ويكشف رد مسؤولي التنظيمين المعنيين بالأمر، نادي مكة الأدبي وجائزة أبها، على صفحات صحيفة «الشرق» الثلاثاء الماضي، جانباً من هذه العلل، ذاك هو المتعلق بعادية الممارسات الانحرافية في هذا الحقل وبرود حراس الحقل والقائمين على صحة الممارسات فيه حيال الانحرافات داخله. إذ إن منطق كل من رئيس نادي مكة الأدبي الدكتور حامد الربيعي، وأمين جائزة أبها الدكتور حسن الشوكاني، يتعامل بحياد مع حقيقة أن العمل المكرم بجائزة ناتج أصلاً عن عمل لاأخلاقي، يتمثل في استصدار شهادة علمية من جهة لا تملك حق منحها، ويركز على سلامة الإجراءات التي أدت لمكافأة عمل يجمع بين التدليس والرداءة، وكأن المسألة أصبحت محصورة في الإجراءات وليست في المنتج! ولعل مقال الدكتور علي آل شريدة في هذه الصحيفة الخميس الماضي خير من لمس هذه الحقيقة الموجعة. فالشريدة قابل تعايشنا المحزن مع الممارسات الانحرافية، كما تجلى بدفوعات الدكتورين الشوكاني والربيعي، بقصة من أمريكا، حيث سحبت رسالة دكتوراة من متخرج وشطبت رسالته وسحب بحثه من المجلة العلمية التي نشر فيها وطرد من عمله لأن مشرفته اكتشفت، لاحقاً وبعد سنوات، أن جزءاً من المادة العلمية في رسالة الدكتوراة، أي المعلومات والبيانات، كان مزيفاً. ولعل هذا التناقض الأليم بين حالنا وحالهم هو ما دفع الشريدة لعنونة مقاله ب«حول لصوص العلم: الجامعات الغربية تعاقب ونحن نكافئ بسخاء»! عموماً، بما أن مقالي كان في الأساس حول خلل نظام المكافآت في مؤسسة العلم المحلية بشكل خاص والحقل الثقافي بشكل عام، فإنني سأركز في تناولي «توضيحات» أمين جائزة أبها ورئيس نادي مكة الأدبي على بعد نوعية العمل الفائز، وسأهمل الجانب الأخلاقي والقانوني المتمثل في أن العمل الفائز أصله رسالة دكتوراة لجامعة وهمية.
فالدكتور حسن الشوكاني بدلاً من إبداء تفاعل الجائزة مع الحقائق المستجدة لاحقاً بعد منح الجائزة، كما فعلت المشرفة على رسالة الدكتوراة في المثل الذي ضربه لنا الدكتور علي آل شريدة، اتبع استراتيجية الإنكار، إنكار أن هناك ما يستحق تبرئة الجائزة منه! يرى الشوكاني أن الجائزة على نوعية العمل ولا دخل لها بتتبع الجهات المانحة شهادة عن العمل. ممتاز جداً! أتفق مع سعادة أمين الجائزة على هذه النقطة تماماً، فليس من مهام الجائزة التدقيق في ما هو أبعد من الأعمال المرشحة. لكن، لماذا البرود أمام الحقائق المكتشفة لاحقاً؟! في هذا الجانب فقط، تلام الجائزة ليس على المنح بل على ردة الفعل على الحقائق المكشوف عنها مؤخراً. العمل الاحترافي لجائزة يفترض فيها أنها شُيدت لتشجيع الإنتاج الثقافي أن تنأى بنفسها عن التدليس فتصدر بياناً بسحب الجائزة لتبيُّن أمر مخل باستحقاقها لم يكن ظاهراً وقت منحها.
لكن لنلاحظ أن سعادة أمين الجائزة أغفل الجانب الأهم في رده. ذاك هو أن العمل الفائز لا يستحق من حيث النوعية أن يمنح أي نوع من الجوائز. بتعبير آخر، كتاب اللحياني لا يستحق الفوز بجائزة سواء كان في أصله رسالة علمية أم لا، وسواء كانت هذه الرسالة مقدمة لجامعة حقيقية أو وهمية! يعتقد الدكتور الشوكاني أن شرح العملية الإجرائية يصلح كإجابة عن سؤال كيف فاز عمل رديء بجائزة أبها؟ فيشرح للقارئ الخطوات الإجرائية للجائزة. كما قلت في مقالي الأسبوع الماضي، فإن الجائزة تبدو من الناحية الإجرائية منظمة وفق الطرق المعتادة في مثل هذه المناشط. لكن المنتج في النهاية كارثي.
مثلاً، الجائزة تشترط للأعمال العلمية «أن يكون البحث العلمي ذا قيمة في مجال تخصصه، ويتمثل طريقة علمية في منهجية الكتابة». لكن، البحث لم يتمثل الطريقة العلمية في منهجية الكتابة. فعلى المستوى الشكلي البحت، ترد المراجع مرة باسم المؤلف ومرة بالعنوان وأحياناً بالدولة وبلا ذكر حتى سنة النشر، مثل «ذكرت دراسة عراقية.. وتشير دراسة أمريكية»! هذا العيب الشكلي الظاهر، الذي يتبين عند تصفح العمل فقط دون عناء قراءته، يقدح وحده في كون العمل يستحق أن يكافأ، فمن عجز عن الاتساق في طريقة الإشارة إلى المراجع، والطرق متعددة ويمكن للباحث اختيار واحدة منها، لا يتوقع منه يأتي بعمل مميز. أما على مستوى المحتوى، فكما أوضحت الأسبوع الماضي، العمل يعاني من مشكلات أعمق. فمثل، في الفصل الرابع المعنون ب«تحليل نتائج الدراسة وتفسيرها» لا يوجد أي تفسير باستخدام أي من النظريات الموردة في الإطار النظري، فقط وصف إحصائي للنتائج! كيف يثاب عمل لا يقدر أن يشرح الواقع الذي كشفت عنه الدراسة الميدانية بالنظريات التي رُصّت في بداية العمل؟! هذا يتنافى تماماً مع شرط اتباع «طريقة علمية في منهجية الكتابة»! نريد من الدكتور الشوكاني أن يشرح لنا كيف فاز عمل ركيك بجائزة أبها دون أن يتكئ على مسألة وهمية الشهادة، أن يرد على نقطة ضعف القيمة العلمية للعمل الفائز!
رد رئيس نادي مكة الدكتور حامد الربيعي، يكشف أيضاً جانباً من خلل نظام المكافأة في الحقل الثقافي عامة. الربيعي يقول باختصار إن أحد أعضاء مجلس إدارة النادي اقترح ترشيح كتاب اللحياني، مسوغاً اقتراحه ب: «توافق عنوانه مع موضوع الفرع المرشح، اشتماله على رصد توثيقي بناء على استبانة رسمية من إدارة تعليم مكة، تنوع مصادره ومراجعه، ثراء النتائج التي توصل إليها، رصده الحركة الإعلامية المرئية، وربطها بالمؤثرات النفسية في علم النفس التربوي». ولا يصدق من كل هذه المسوغات إلا نقطة توافق عنوان الكتاب مع طلب الجائزة ترشيحات في موضوع أثر الإعلام الجديد على المراهقين والمراهقات. أما بقية النقاط فسأكتفي بإيراد جملة واحدة من الكتاب الفائز فقد تكون دالة على نوعية العمل. يقول اللحياني: «أنا في هذا البحث لن أكرر ما يقال بأن التليفزيون سلاح ذو حدين، والسبب في ذلك أننا إذا أطلقنا عليه هذا التعبير فهذا خطير جداً لأن إطلاق هذا التعبير على التليفزيون يعني أن له إيجابيات وسلبيات كثيرة، والباحث يعتقد أن سلبيات التليفزيون تفوق كثيراً إيجابياته، لذلك فهو في هذا المعنى لا يصلح على الإطلاق لمشاهدة الطلاب له» (ص: 106). ولك عزيزي القارئ أن تعجب أكثر حين تقرأ تعريف قائل هذا الكلام لنفسه بوصفه (ممثل القناة الثقافية السعودية بمكة المكرمة، عضو اللجنة الاستشارية لجمعية المسرحيين السعوديين بمكة، عضو اللجنة الإعلامية بنادي مكة الثقافي الأدبي). مثله مثل أمين جائزة أبها، يحاول رئيس نادي مكة أن يحصر القضية بعدم مسؤولية مؤسسته عن «تفحص الرسالة العلمية». هل هذا منفذ ممكن للبراءة؟ وماذا عن المحتوى الركيك؟ كيف يرشح عمل رديء لجائزة ثقافية؟! الخطير في كلام الدكتور الربيعي هو تصوُّره الذهني عن الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسة ثقافية في نسق المكافآت داخل الحقل الثقافي. فالنادي «لا يعدو أن يكون وسيطاً»! أليست هذه الوساطة مسؤولية؟ ألا يضفي ترشيح النادي لعمل ما تزكية مؤسسية للعمل وعده متميزاً مستحقاً للتكريم؟ حين ترشح مؤسسة ثقافية أو إبداعية أو علمية عملاً ما فإنها تقول للحقل برمته إن هذا العمل طابق معايير الجودة المطلوبة. أيضاً، لقد صرح الدكتور الربيعي لعكاظ بُعيد فوز الكتاب بالجائزة مفتخراً ب«حرص النادي على تبني جميع المبدعين ودعمهم وتشجيعهم». لا أظن أن التنصل الآن، بدلاً من الاعتذار، استراتيجية ذكية!
حين نظّر ميرتون للعلم بوصفه مؤسسة اجتماعية لها استقاماتها وانحرافاتها وتأثرها ببقية المؤسسات الاجتماعية وتأثيرها عليه، فإنه قصد أن ينتبه السوسيولوجيون لامتدادات الثقافة المجتمعية العامة داخل هذه المؤسسة. مثلما أن رجل المرور لا يرى في تخطي سائق بسيارته كل السيارات المنتظمة أمام إشارة المرور أمراً يستحق تدخله، وهذا يحدث بشكل يومي في شوارعنا، يرى رجل المؤسسة الثقافية أيضاً أن مكافأة الأعمال الرديئة مسلك لا يستحق الاعتذار والتراجع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.