في العام 2006، اعتبرت واشنطن فوز "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية أمراً غير مرحب به، وأدى ذلك بشكل تحفيزي إلى صراع الإخوة ونقصد به هنا (فتح وحماس). وفي الحقيقة أن الولاياتالمتحدة بعيداً عن أي إيديولوجيا فكرية تتصرف بعقلية الامبراطورية والدولة الباحثة عن مصلحتها وما يمكن أن يحقق أغراضها في المدى القريب أو البعيد. فالولاياتالمتحدة التي انتقدت وصول حماس (الإخوانية) في الانتخابات التشريعية، رفضت التغيير في مصر والذي أنهى حكم الإخوان المسلمين. وهنا نتذكر مقولة القائد البريطاني ونستون تشرتشل في جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفييتي عندما دحر القوات النازية التي كانت تهدد باجتياح أوروبا. يومها قال تشرتشل "حياة ستالين هي أغلى ما نملك". وعندما لامه اللوردات في مجلس العموم على تحالفه مع هذه الشخصية الشيوعية الدموية (يقصدون ستالين) قال: "أنا مستعد للتحالف مع الشيطان من أجل وطني". الولاياتالمتحدة بعد مضي أكثر من ستة عقود أصيبت بالترهل تجاه القضية الفلسطينية، ولم تعد قادرة على مجاراة تطور الأزمة وتعقيداتها، ولم تكن محاولات الإدارة الأميركية الحالية بدءاً من محاولات إرسال السياسي الأميركي جورج ميتشل الذي نشأ في كنف أسرة "شامّية" من أجل التوسط للوصول إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنتهاءً بتعيين السفير الأميركي مارتن إنديك ذي الأصول اليهودية لأجل ذات المهمة التي لم ينجح أي من المبعوثين في تحقيق أي اختراق نحو تأسيس أرضية ملائمة لبدء مفاوضات الحل النهائي. الرغبة الأميركية في إنهاء الأزمة، وإن كانت قد بدت جادة من خلال الرحلات المكوكية التي قام بها جون كيري وزير الخارجية خلال الستة أشهر الماضية، وتفاؤل البعض بأن تؤدي اللقاءات التي عقدها الأخير في العواصم العربية إلى تحقيق اتفاق سلام في نهاية فترة الرئيس باراك أوباما الثانية، إلا أن البيت الأبيض أصيب بخيبة أمل خصوصاً أن واشنطن تدرك تماماً أن التعنت الإسرائيلي هو سبب تعثر عملية السلام، لكن في الوقت ذاته لا أهمية إستراتيجية تراها الولاياتالمتحدة حالياً في الوصول إلى اتفاق سلام، فالمنطقة منغمسة بشكل غير مسبوق تاريخياً في الفوضى، ويمكن أن تكون مشروعات التقسيم التي تمطرنا بها مراكز البحث الأميركية من وقت إلى آخر هو الهدف النهائي. الولاياتالمتحدة تملك قدرة "الفرض والرفض" على إسرئيل، وقد قامت يوماً ما بذلك إبان عهد إيزنهاور وأمرت إسرائيل بالخروج من سيناء في (حرب 56)، ورفضت قرض تمويل المستوطنات بعشرة مليارات دولار في عهد بوش الأب. واشنطن المقتنعة بعبثية ووحشية العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة، تفقد حضورها ورصيدها السياسي في المنطقة. أميركا اليوم مختلفة تماماً عنها قبل عقدين، ويبدو أن المنطقة بانتظار وسيط نزيه سيطول انتظاره.