كان يقول : "اكتبوا حتى بأهدابكم وأظافركم إذا لم تُطعكم أقلامكم اكتبوا حتى بأهدابكم و أظافركم إذا لم تطعكم أقلامكم" .. هذا ما قاله شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله، الذي غيّبه الموت يوم أمس الأول، لتترجل قامة من قامات الجزائر الفكرية والعلمية والسياسية. امتدت مسيرة الراحل أبو القاسم 1930-2013 الذي ينعت في الجزائر ب " شيخ المؤرخين " أول رعيل جزائر ما قبل الاستقلال و بعده ممن حوّلوا الجزائر زمن السبعينات إلى قبلة لمثقفي العالم من الأحرار، وأثروا مكتباتها العامة والجامعية بمصنفات تحكي الجزائر ثقافيا و سياسيا و ثقافيا و لغويا مرحلة بمرحلة على مدى قرن من الزمن فقد ظل خلال ثلاثة وثمانين عاما يحكي التاريخ بلسان جزائري خالص مصححا الكثير من المغالطات التاريخية التي كتبها مؤرخون فرنسيون ومستشرقون ليس عن الجزائر فقط ،بل عن منطقة الشمال الإفريقي والعديد من البلاد العربية وبلدان العالم الإسلامي. لم يكن يفصل أبو القاسم يوما في كل كتبه السياسية والثقافية، فكان عندما يتحدث عن مرحلة ثقافية بأحداثها وأسمائها، يحكيها في علاقاتها مع محيطها السياسي، وفي تفاعلها مع هذا الواقع، وربما هو التأثير الأمريكي في التكوين الذي تلقاها الراحل حيث درس التاريخ و مناهجه في جامعة منسوتا الأمريكية، فضلا عن فهمه التاريخ، وكيفية كتابة تاريخ الآخرين بلغتهم، فلقد كان الراحل يقرأ، ويكتب، ويحكي، باللغة العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والفارسية، وهي اللغات التي ترجم منها و إليها العديد من الكتب التي تناولت أدب المستشرقين، والرحالة الذين جاءوا البلاد العربية والإسلامية، وكتابات الغربيين الذين تناولوا الثورة الجزائرية، حيث أصدر سعدالله العديد من المؤلفات في مجال الترجمة، والتحقيق، والسير، إلى جانب ما كان يحرره من مراجعات، وتأملات، ومقالات نافست أصداؤها مؤلفاته. ويعد من أشهر مؤلفات أبو القاسم "موسوعة تاريخ الجزائر الثقافي " الصادرة في 9 مجلدات كل مجلد يقع في أكثر من 600 صفحة، الصادرة في لبنان عام 1989م التي أعادت الجزائر طبعها العام 2007 بمناسبة الاحتفال ب " الجزائر عاصمة الثقافة العربية " حيث حظيت الموسوعة باهتمام غربي إذ راجعها " آلان كريستلو " باحث تاريخي أمريكي من جامعة آداهو الأمريكية تحت عنوان " لملمة تاريخ الجزائر الثقافي" ونشرت المراجعة بمجلة بحث هولندية عام 2000 وأعادت نشرها بالانجليزية مجلة الزهراء الأردنية العام 2001م. يقول أبو القاسم سعدالله عن مشواره مع الكتابة: هي دوائي وهي دائي، هي غذائي وهي هوائي، فإذا كتبتُ رضيتُ عن نفسي، وإذ لم أكتب سخطت عنها ومرّ اليوم كأنه سرق من عمري".