نائب أمير القصيم يطلع على جهود (وقاية) في تعزيز الصحة الوقائية    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    انطلاق صيف منطقة عسير 2025 "أبرد وأقرب" برعاية سمو أمير المنطقة    لجنة فلسطين تناقش مستجدات فلسطين    الأمير سعود بن نهار يطلع على أعمال التجمع الصحي    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    وزير الدفاع الأميركي يؤكد نجاح الضربات على مواقع نووية إيران    روسيا وأوكرانيا تتبادلان مجموعة أخرى من الأسرى    «لنصنع التاريخ معاً»... أول تعليق من رونالدو بعد تجديد عقده مع النصر    سوق الأسهم السعودية تغلق على ارتفاع    القبض على (31) إثيوبياً في عسير لتهريبهم (465) كجم "قات"    اللواء الودعاني: حرس الحدود يواصل أداء واجباته في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود    ورش عمل نوعية تُعزز جهود مكافحة الإدمان ضمن المؤتمر العلمي الثاني "مستجدات الوقاية والعلاج من إدمان المخدرات" بجازان    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    ليفربول يواصل تعاقداته الصيفية بضم لاعب جديد    موعد الظهور الأول لكيليان مبابي في مونديال الأندية    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    البدء بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين ابتداءً من 1 يوليو    وزارة الرياضة تعلن توقيع عقود تنفيذ فندقين في مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مدغشقر بذكرى استقلال بلاده    النفط يرتفع مع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتعزيزات قوة الطلب    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    "التجارة" تشهر بمنشأة نظمت مسابقة غير مرخصة    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    جيلاني لوفد الشورى: علاقات متينة تربط البلدين.. تعزيز العلاقات البرلمانية السعودية – الباكستانية    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    رخصة القيادة وأهميتها    صوت الحكمة    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا الهارب الأبدي.. من فقدي وأوجاعي
للعصافير فضاء
نشر في الرياض يوم 08 - 10 - 2013

يقول صديق ناصر، وسعود القوس ضحيتي مطاردة الهيئة إنه مسح كل الصور والفيديوهات التي في جواله لصديقيه وهما يتحدثان، وهما يركضان، وهما يمارسان الحياة اليومية بتفاصيلها، حيث أعطى بعض الصحف صورا لأحدهما في البحر، وأخرى وهو يقف معه امام سيارته، بمعنى أنها صور للحياة اليومية التي عاشها مع صديقيه وضمت الذكريات المشتركة التي تحتفظ بنا، ونحتفظ بها عادة في اقصى الذاكرة ونعبئها ونسترجعها.
توقفتُ أمام عبارة انه مسح كل شيء يذكرِّه بهما رغم قسوة ما قام به إلا أنه كما قال لم يستطع بعد ذلك أن يرى تلك الصور، أو يتجول فيها، ويضحك، أو يعلق، أو يتصل على احدهما ليتذكر معه تفاصيل لحظة جمعتهما معاً.
ما استوقفني هو فكرة مسح كل شيء بسرعة دون الانتظار لزمن قادم تملأ نفسك منه بتلك الذكريات لتعيش الماضي وترتوي به. هو كصديق وأعرف جيداً مثل تلك المواقف، تجرَّع الألم كاملاً وسيظل وبالتالي هو يعيشه لكن عليه أن لا يتذكره كل لحظة من خلال جواله الذي يجمعه بهما. وكلما رآهما افتقد تلك اللحظات الجميلة.
هو الفقد بمرارته وألمه عندما يملأ نفوسنا، وينسحب داخلها مستوطناً كل جزء منها.
هو الفقد الذي لا يجعلك تعتاد أن تعيش إلا داخله فقط، وكأن نزيفه الدامي هو من يمنحك قبلة الحياة.
مررت بهذه التجربة، وغيري كثيرون مروا بها ولا يمكن أن يتشكل وجع شخص مع آخر فثمة أوجاع فقد لا تداوى، وثمة آلام فقد تسري في عظامنا حتى الموت.
في سن العاشرة من عمري وقبل أن أعرف تفاصيل الموت، أو ماهيته، كنتُ اسمع عمتي المرحومة (السيدة) هاشمية هاشم، تحكي لجاراتنا عن حلمها الذي لم استوعبه أنها قد تموت قريباً، ولم أفهم وجارتنا مريم تقول لها هو حلم يا هاشمية والله يعطيك طول العمر.
بعدها بليلتين ربما كانت الساعة الثانية عشرة وكنت انام معها أنا واخي في نفس المكان سمعتها وكعادة نومي من طفولتي المتنبه تنادي نجوى أريد ماء، تحركت بسرعة وسمعت امي ولم يكن غيرنا ركضت بكأس الماء، ورفعت أمي رأسها وأنا معها وقبل أن تتجرع الماء، سقط رأسها على يدي، كل ما أعرفه أنها قالت لي ولا انسى انتبهي لإخوانك في ثوان سريعة، ربما أسرع من لمح البصر، غادرت، صرخت أمي بقوة، صرخت أيضاً.
حضر الجيران لتلاصق المنازل، ساعتانن كأنهما حلم أو أقل، وذهبت عمتي إلى الدار الآخرة التي لن تعود منها، دخل الليل وهي معنا وهي التي ربتني، وكانت أمي، وهي التي ربت والدي وأخويه، كانت سيدة الحي كله (حي الساحل في جازان) غادرت دون أن أعي مفهوم الفقد، أو تفاصيله، لكن كل ما أعرفه أن (السيدة هاشمية) البالغة من العمر أربعين عاماً فقط قد توفيت، وتم دفنها بعد ساعتين وغابت معها كل الأشياء التي تعودتها، كانت تُسمِع لي القرآن، وكانت شديدة في تربيتي، ليس أنا حتى والدي كان يحترمها ويهابها، انزويت وكرهت تلك المرأة التي جاءت لغسلها، ولم أفهم معنى أن تغسل بسرعة، وتدفن، وتعود (القعادة) التي حملت عليها فارغة منها.
مع إطلالة نهار جديد كنا أنا وأمي فقط بعد أن غادر الجميع، 6 ساعات كانت كافية لأن نفقد عمتي كجسد كان معنا، ولكن كل جزء في المنزل كانت تسكنه، هنا كانت تطبخ، وهنا تجلس، وهذا سريرها، وهنا تتحدث وهنا تصلي وهذا مصحفها، كانت تقرأ في زمن لا أحد يقرأ من جيلها، حيث علّمها والدها جدي السيد هاشم (القراءة) وهو من افتتح كتاتيب في ذلك الزمن.
عشت الفقد بمرارته، وأوجاعه من تلك السن، عشت معنى ان تفقد أحداً، ليس كذلك فقط، ولكن يموت على يدك وترى الموت للمرة الأولى حاضراً، قاسياً بوجهه المرير، يخطف منك عزيزا وليس بإمكانك مجابهته.
حتى اللحظة تسكنني عمتي هاشمية، وقد يلتقيني صديقاتها اللاتي لم أنقطع عنهن وترى واحدة أن فيَّ الكثير منها، ولكن ما زال سؤال يلتحف داخلي: ماذا لو كانت لا تزال على قيد الحياة؟ كيف غادرت في ساعتين دون أن اشبع منها؟ دون أن اعيش وجهها وابقى معها؟
فقدها أول احساس فقد قاس ومميت، لكن ظلت لها عدة صور لديَّ.. أول مرة استطعت أن اشاهد هذه الصور بعدما يزيد على خمس سنوات، وإلى اللحظة أحتفظ بها وقد تمر سنة او سنتان لا أراها لكن إن شاهدتها لا استطيع ان اتوقف عن البكاء، وكأن عمتي غادرت اللحظة، هو الفقد الكبير بقسوته ومرارته.
لكن هل يفترض أن نمسح صور من فقدنا؟ أن نمزقها؟
وماذا عن فقد الأصدقاء؟
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.