تستخدم أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم تقنية البلوتوث لغرض التجسس وملاحقة المشتبه فيهم، وذلك لأن هذه التقنية المتطورة التي أنتج منها بليون وحدة في عام 2004 م (حسب إحصائية instat.com)، تملك إمكانيات فنية متطورة جدا لاقتحام الشبكات اللاسلكية والتحكم فيها ونقل وتبادل المعلومات داخلها بكل سهولة وسرعة . وتصدر الدول المنتجة للأجهزة المزودة بالبلوتوث 950 مليون وحدة، للشرق الأوسط نصيب كبير منها ! ورغم كبر حجم سوق هذه التقنية في الشرق الأوسط، إلا أن استخداماتها ما تزال محصورة في نطاقات ضيقة، يسيطر السلبي منها على الإيجابي، حالها في ذلك حال بقية التقنيات التي سبقتها في سوق تقنية المعلومات في العالم العربي. لقد زادت شعبية البلوتوث في المملكة في السنتين الماضيتين بشكل واسع بين جميع فئات المجتمع، خاصة في أجهزة الجوال، حيث زاد الطلب على الجوالات الداعمة لهذه التقنية . وتمحور استخدام هذه التقنية داخل نطاق تبادل الرسائل واللقطات المصورة وملفات الصوت والصورة من جوال لآخر . في موضوع تبادل رسائل البلوتوث، سألنا عدد من الناس عن رأيهم باللقطات التي يستلمونها ويشاهدونها عبر أجهزتهم، ودلالاتها والأبعاد الاجتماعية لها. لقطات مستوحاة من «تنظيم القاعدة » : ترى سمر العتيبي - موظفة - أن بعض اللقطات التي تستلمها عبر جوالها تكون لطيفة وطريفة، وفكرتها جميلة وقد يكون لها هدف معين أن تناقش مشكلة اجتماعية بشكل طريف، مثل لقطات معاكسات الشباب للبنات . وكذلك هناك لقطات كثيرة تظهر مشكلة السمنة في المجتمع السعودي خاصة بين النساء، فنرى «أبطال البلوتوث» او الممثلين في هذه اللقطات، يظهرون بمظهر بدين . هناك أيضا لقطات هادفة، مثل لقطات «الأخطاء الطبية» في مستشفيات المملكة، وهي توصل رسائل للمجتمع قد تساعد على توعية أفراده ولكن بشكل كوميدي خفيف. كما أنها شاهدت الكثير من اللقطات التمثيلية المستوحاة من «تنظيم القاعدة»، مثل قتل رهائن وغيرها، ولكن يكون الغرض منها الضحك فقط، مما يدل على ان هناك أفرادا كثيرين في المجتمع لديهم مواهب خفية على التمثيل، وقد يحتاج الموضوع إلى دراسة حقيقية لاستثمار هذه القدرة. تخدش الحياء العام !! أما زميلتها نهاد عبد الله فتعتقد أن هناك الكثير من اللقطات التافهة لا تحمل في محتواها أي هدف، وتكون فكرتها خاوية، والأدهى من ذلك عندما تكون خاوية وتخدش الحياء العام، من خلال لقطات مخلة بالآداب أو لقطات تعبر عن سلوكيات منحرفة في المجتمع مما يدفعنا للخوف مما يؤول إليه هذا المجتمع. تتفق هيفاء مع نهاد في هذا الجانب حيث ان لقطات البلوتوث أظهرت لها مدى انحراف بعض أفراد المجتمع، وتستغرب المفارقات الكبيرة في المجتمع. «فكيف ندعي المحافظة بينما لا نملك مقومات وأساسيات المحافظة » - على حد قولها. ولا ترى هيفاء مشكلة بأن يكون هناك مزح وترفيه ولكن ليس على حساب التشهير والتفضيح بالآخرين واخلال الأدب، ولهذا السبب تخاف العديد من الأمهات والبنات عند تواجدهن في الأماكن العامة بسبب سوء استخدام التقنيات. وفي لفتة مهمة، ذكر لنا الأستاذ ناصر الشمري- وهو أب لولدين- انه اطلع على الكثير من اللقطات التافهة التي تشهر بالبنات فقط، وليس لها هدف آخر سوى التشهير والفضح. ويستغرب أن تكون بعض البنات اللاتي يظهرن في هذه اللقطات على علم بتصويرهن بكاميرا الجوال، ورغم ذلك ليس لديهن أي مشكلة في الظهور دون معرفة تبعات وعواقب ذلك. ويطالب الأستاذ ناصر بأن يخاف الشباب الله فيما يتبادلونه بين بعضهم البعض، وألا يهدروا جهودهم في مثل هذه السلبيات، ومن الأولى أن يستثمروا قدراتهم العقلية والذهنية في الاستفادة من التقنيات بطريقة «بناءة» . طالت مرحلة المراهقة : من جهة أخرى، يعتقد الأستاذ حمد ناصر - موظف في مستشفى - يعتقد أن حمى إساءة استخدام الإنترنت انتقلت إلى تقنيات الجوال، والبلوتوث بالذات . حيث طالت مرحلة المراهقة على الإنترنت وانتقلت بكل تفاصيلها إلى الجوال، كما أن مرحلة الفضول طالت أيضا ولكن الفضول السلبي، وبما أننا مازلنا نراها حتى الآن على النت، فمعنى ذلك أنها ستطول أيضا على البلوتوث ! وأكثر اللقطات التي تؤثر فيه هي لقطات تعذيب الإنسان أو الحيوان، حيث تتبادل مثل هذه اللقطات المؤذية بشكل مبالغ فيه .مما يدل على تأثر الناس سلبيا بأحداث العنف والقتل المنتشر في العالم . علم النفس: نمو مادي سريع، ونمو عقلي بطيء !! لمعرفة الأبعاد النفسية والاجتماعية لظاهرة انتشار لقطات البلوتوث، ذكر الدكتور عبد الله الحريري، وهو معالج سلوكي ومعرفي، ذكر لنا أن البلوتوث وسيلة اتصال سريعة وفعالة مثلها مثل بقية وسائل الاتصال الحديثة، وهي مازالت في تطور لتغطي مساحات أكبر . ويرى أن سوء استخدام وسائل الاتصال والتلقي ناتج عن سرعة النمو المادي والمتمثل في إغراق السوق المحلي بها مع عدم مواكبة النمو العقلي للأفراد لمثل تلك التقنيات . بعكس الشعوب الأخرى التي نمت وتطورت تدريجيا مع نمو تلك الوسائل . كما ان تدهور السلوكيات في التعامل مع تلك التقنيات راجع إلى ان القيم الاجتماعية وغيرها لم تراع بث الثقافة السلوكية بقدر ما كانت تحرص على تفعيل ثقافة «المنع والخوف والرقابة » . ولكنها تفاجأت بعدم قدرتها على منع تلك الوسائل وتركت المجتمع يخوض التجربة عن طريق التعلم بالمحاولة والخطأ . ويفسر الدكتور عبد الله بما يحدث من سلوك عبثي في استخدام وسائل الاتصال بأنه ناتج عن محاولة البعض تحقيق ذاته واشباع مطالبه الاساسية ظنا منه بأنها ستحقق له ذاته كما ان حالة الفراغ العاطفي والاسري الذي يعاني منه العديد من الأفراد في المجتمع والذي تعود تكويناته للمراحل الاولى من العمر، جميعها عوامل تدفع الاشخاص إلى تصرفات غير عقلانية وغير منطقية لاشباع ذلك الفراغ، وهم في الحقيقة يضيعون أوقاتهم . ويضيف بأن الاستمتاع بنشر لقطات فاضحة او مخلة بالادب يؤكد الفراغ في الحاجات الاساسية للفرد بالاضافة إلى ضعف في المهارات الاجتماعية والتواصلية بين البشر. فالشخص الخجول والعدواني والسلبي والشخصية المضادة للمجتمع ومن لديه اضطرابات جنسية يحاول استخدام تلك الوسيلة للتعبير ولكن بطريقة غير مباشرة لكي لا يكشف شخصيته أمام المجتمع لكي لا تتسبب له بأية مشاكل . ويرى الدكتور الحريري بأن غالبية السلوكيات التي تتم خلف الكواليس عادة ما تعطي مؤشرات على وجود خلل نفسي، كما ان الظواهر الاجتماعية عادة ما تندثر ما لم تجد بيئة مثيرة لها. وينصح بضرورة توعية المجتمع بأولوياته في الحياة وأهدافه، ثم ارشاده إلى التفريق بين المطالب ضرورية والحاجات الضرورية لتحقيق ذاته ولفت نظره بمشكلاته وضغوطه النفسية وتدريبه على حلها بالطرق الايجابية والتي تعود عليه بالصحة النفسية . كما تحتاج مؤسسات الثقافة والاعلام تطوير وسائلها للأفراد والمجتمع بما يتواكب والتطورات العالمية في كافة الأصعدة سواء في مجال الاتصالات او المجالات الإنسانية الأخرى. [email protected]