لو لم يلفت نظره ذلك العصر الربيعي ربما لم يكن بمقدوره أن يلاحظ جلسة قريبه الشاب بمفرده بالشرفة، وهو يستغرق بصمته ومشاغبات همومه. التفت اليه حينها وتأمل صورته الهادئة، فشعر بشفقة حانية تجاهه لم يشعر بها من قبل ولمعت الفكرة الحاكمة في وداعة لم يتوقعها بنفسه.. "انظري اليه كم هو حزين" قال لزوجته بادئا مسابقة الملاحظات بينهما. قالت " إنه ليس بحزين بل متأمل" "في ماذا"؟ أجابت وصور أبنائها تتباري في صفحة رؤاها " لم يعودوا ينتمون الينا فلهم عالمهم الخاص الان" ابتسم " تقصدين اننا لم نعد نفهمهم؟ واستطرد حائرا" انك تذكرينني بقصص الافلام القديمة وفجوات الاجيال المبالغة" قالت " من الغريب ان تذكر تلك الظاهرة القديمة الحاضرة لاننا نحن كآباء وامهات استعرنا الادوار الان واصبحنا مثلهم.. بحاجة للفهم من قبل الاجيال الجديدة ولم يعودوا هم فقط ضحايا عدم مشاركة او تفاهم " امتثل لسطوة حكاياتها وقرر ان يتحلى بما تقول عنه عقل مفتوح كي يتلقى شيئا من معرفة ربما تكون بعيدة عن عالمه. فتسائل محاولا استيعاب الموقف..." اخبريني كيف؟". قالت وكأنها تلقي درساً مبهماً فتبهره بالامثلة " هل تذكر كيف كانت الاحكام في جيلنا.. بالطبع تذكر وتذكر القصص وذكريات الاهل وغضبهم القديم الساطع..أليس كذلك؟" "إن لم تكن الامهات فالاجداد لم يكونوا يتفهمون مذاقات الاجيال الشابة في الموسيقى والفنون والاختيارات الحياتية. كانت عوالمنا مختلفة وعندما يصلهم شيء منها كان يأتي مبتورا وغريبا لانهم لم يسمعوا به من قبل.. لم يعتادوه او يفهموه. الآن الوضع يبدو مختلفا ففي عصر ثورة المعلومات وانهمار كل شيء اصبح الجميع، الصغير والكبير- يتلقى الجديد ويتذوقه لذا لم يعد هناك فواصل تحجبنا عنهم، بل إن كثيرا من الاجيال النامية تجدهم يعودون للماضي احيانا بذائقة خياراتهم ولم تعد ملامح الحياة محصورة في لونين فقط". تُسمعني ابنتي احيانا اغاني كنت اسمعها في مراهقتي فأدهش وعندما اسالها من اين اتيت بها او سمعتها تضحك وتقول اغاني جيلك جئت بها من اليوتيوب. اعلم أنها هناك ولكن من قال للصغيرة عنها وكيف راقت لها؟ قال متسائلا " إنه عالم معلوماتي مفتوح بلا حدود فهل هناك مشكلة؟ اجابت " ليس هناك مشكلة وانما تلاقح هموم ومذاقات فبعدما كانت عوالمنا مختلفة وقابلة للمبارزات والانفجار اصبحت ممتزجة وبها الكثيرمن التشابه" " إن لم يكن هناك مشكلة على الصعيد الاجتماعي هل هناك حلول تزين هذا الوضع قليلا؟ وربما مفاهيم مستجدة نستطيع من خلالها ان نترابط ونتماسك معهم اكثر؟" قالت " نحتاج منهم ان يقتربوا من عوالمنا كي يستفيدوا من خيارات التجربة ويضيفوا اليها ما يتلقونه وعندما يحدث هذا سوف اقول إن اجيالنا تلقوا العلم والتجربة معا فلا نخاف عليهم. العائق هنا أننا نحتاج الاجيال النامية أن تفهمنا وليس العكس"..