فؤاد حمزة تلك الشخصية الفذة التي لم تشغلها وظيفتها الرسمية بوزارة الخارجية في أن تكتب وتدون عن تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية فهو من القلة الذين سخروا أقلامهم نحو هذه البقعة وتراثها وماضيها وحاضرها، فكان أن قدم نخبة ممتازة من البحوث والدراسات عن الجزيرة العربية وأشهرها على الإطلاق قلب جزيرة العرب، ثم كتاب البلاد العربية السعودية وكتاب بلاد عسير. وعن فؤاد حمزة يتحدث المؤرخ الشيخ يعقوب الرشيد الدغيثر قائلاً: لقد عرفت أواخر حياته في بداية الخمسينات الميلادي إذ إنه توفي فجأة سنة 1951م وقد جالسته كثيراً بالرياض بقصر المربع، وفي جدة بديوان جلالة الملك، أما ثقافته فهي موسوعية وشاملة، فإنه يلم بكثير من ثقافات الشعوب وتاريخها السياسي والاجتماعي والدبلوماسي القديم والحديث، لا يمل حديثه وله جاذبية ساحرة مع من يشاهده ويجالسه، وقد سمعت أن له مذكرات قد كتبها لا أدري ما مصيرها؟ وأنا متأكد أن فيها كثيرا من الحقائق والمعلومات لأن الرجل مؤرخ وأديب غفر الله له. انتهى كلام الأستاذ المؤرخ يعقوب الرشيد الدغيثر. وفي كتاب المؤرخ فؤاد حمزة - رحمه الله - في بلاد عسير وهي رحلة قام بها ودون مشاهداته وانطباعاته عن المنطقة جغرافياً واجتماعياً وتاريخياً من دون تفصيل، ولكنه بإيجاز مفيد وممتع ومسل وطريف، فكانت رحلة ثرية بالمعلومات والفوائد المتناثرة في ثنايا الكتاب، كانت الرحلة بتاريخ 15 شوال سنة 1352ه من الطائف، وقد كان الشيخ فؤاد حمزة - رحمه الله - بمعية جلالة الملك فيصل - رحمه الله - عندما كان نائب أبيه في الحجاز، وقد أشار فؤاد حمزة - رحمه الله - إلى المجالس التي كان يحضرها جلالة الملك فيصل - رحمه الله - بالطائف يقول فؤاد حمزة: (ومجلس الأمير فيصل عامر بالمحاورات الأدبية النثرية والشعرية العامية ويتخلله نوع من إنشاد الأشعار يسمى بالردح "المحاورات" وطريقة الردح أن ينقسم المجتمعون والشعراء فريقين فيلقي أحدهم موضوعاً للإنشاد فيه وعلى شعراء كل فريق أن يردوا ببيت شعر ولا يجوز التكرار لا في المعنى ولا القافية، وكل يحاول بث روح الحماس في شعرائه، فترى هؤلاء يتسابقون إلى إلقاء البيت المنشد على البديهة، ويظل رفاق الشاعر يرددون البيت حتى يفتح الله على شاعر الفريق الآخر للرد عليه، وهكذا دواليك وهذا وصف لإحدى المحاورات الشعرية الشعبية التي اشتهر بها شعراء الحجاز). وليت المؤرخ فؤاد حمزة - رحمه الله - أورد لنا جملة من هذه المحاورات الشعرية أو بعضاً من الأشعار والقصائد والنوادر والحكايات أو بعضاً من الأشعار والقصائد والنوادر والحكايات التي تروى في هذا المنتدى، بحضور جلالة الملك فيصل - رحمه الله - فإنها مجالس مشهورة استمرت سنوات كثيرة جداً في الطائف وقد وصفها المؤرخ الشيخ فؤاد حمزة قائلاً: (من أراد نشاط البر وطلاوة العيش الحر في الخلاء والقطر بمجلس الأمير فيصل ففيه الغداءان العقلي والجسماني)، فالمؤرخ فؤاد حمزة - رحمه الله تعالى - رجل دقيق في ملاحظاته ومشاهداته يدون كل ما يشاهد، ففي رحلته هذه كان يصطحب رجلا شيبانيا له خبرة بالطرق والدروب والأماكن والمواقع، ويبدو أنه قد بلغ من العمر عتيا، يقول عنه فؤاد حمزة إنه خفيف الروح دقيق الملاحظة، وكان هذا الشيباني مع فؤاد حمزة في السيارة، ولعله أول مرة في حياته يستقل هذا المخترع الغريب الذي يجول في هذه الصحراء الواسعة، فحينما تحركت السيارة أنشد هذا الشيباني الذكي والفطن أبياتاً رواها لنا المؤرخ فؤاد حمزة، وهي تعبر عن الفرق بين السيارة والذلول والفرق بين سرعة الاثنين وهي أربعة أبيات طريفة وهي: ركبت في موتر يوضي بلماعه يعوضني عن النضا سلسات الأقران ممشاه عيس النضا يومين له ساعة ولى بركبه يخبر بالعريبان راكبه اللي ما يقديه الدليله غير من رأس العمود القضبان لقد اندهش فؤاد حمزة - رحمه الله - بهذا الرجل الشيباني - رحمه الله - وأعجب به إيما إعجاب، لقد خالط فؤاد حمزة كثيرا من الشخصيات الغربية والشرقية ولديه حدس وتفرس بالرجال وحذق بسلوكهم، ومع هذا فلم يتمالك الشيخ فؤاد حمزة نفسه في أن يظهر هذا الانطباع والتصور حينما رأى وجالس هذا الرجل الشيباني ابن الصحراء، فالمؤرخ فؤاد حمزة ليس بذاك الشخص الساذج الذي يعجب بالرجل من أول جلسة، بل هو حاد الذكاء وحذر في أحاديثه وحكمه على الأشخاص، كما هو الظاهر من مؤلفاته وسيرته، وهنا كان حكمه على هذا الشيباني منصفاً وفوق الإنصاف، ولكن للأسف لا نعرف ما اسم هذا الشيباني؟ فلم يذكره لنا المؤرخ فؤاد حمزة عفا الله عنه، ولعل ذريته وأحفاده موجودون الآن فيخبروننا عن اسمه. يعقوب الرشيد وأعطى المؤرخ فؤاد حمزة للقارئ أوصاف الشيباني - رحمه الله - بقوله (أما من حيث المعلومات عن أحوال ديرته فكان سيبويه عصره، وأصمعي مصره، عرف بقاع الأرض رقعة رقعة، وخبرها من طفولته شبراً شبراً، وجاس مفاوزها وسبر غورها ومجاهلها، ورأى ليلها ونهارها، وجرب صيفها وشتاءها، وعرف الشجر والعشب والنبات، وعرف على الإجمال حمل ما له اتصال بحياته اليومية منها). ولقد سأل الشيخ فؤاد حمزة هذا الشيباني - رحمه الله - سؤالاً كان يحير فؤاد حمزة سنوات كثيرة وهو عن الفرق بين شجر السلم والسمر والطلح؟ فأجابه الشيباني - رحمه الله - بخبرته الطويلة العريقة أن التفريق يكون بشوكها فشوك السلم دقيق، وشوك السمر أكبر قليلاً، وشوك الطلح أكبرها، وارتاح معالي الشيخ فؤاد حمزة وعلق على هذا الجواب قائلاً.. بوركت أيها الشيباني وزادك الله علماً يا راعي الجميلة، لقد حللت معضلة عالجتها كثيراً وفشلت في المعرفة، فكنت في نظري سيد العارفين، وإمام النباتيين، رحمك الله يافؤاد حمزة فلقد كنت وفياً مع هذا الشيباني - رحمه الله - ونقشت ذكراه في سطور كتابك. عرفاناً وتقديراً منك. ووفيت كذلك للوطن بمؤلفاتك. ونحن نلوم الشيخ فؤاد حمزة - رحمه الله - أنه لم يذكر لنا اسم هذا الشيباني ولقاءه به مضى عليه الآن اثنتان وثمانون سنة قمرية، وقد رحلا الاثنان إلى دار البرزخ، لكنها شهادة كبرى بقيت بقاء الدنيا لهذا الشيباني، وأراد الله عز وجل له خلود اسمه في كتاب فؤاد حمزة الذي طبع قبل وفاة حمزة بسنة تقريباً، ولعل الشيباني - رحمه الله تعالى - لم يعلم بهذه الشهادة والكتاب طبع سنة 1370ه أي بعد لقائه بالشيباني بثماني عشرة سنة، ويكفي أن الباحثين من أصحاب القلم التاريخي والجغرافي قرؤوا هذه التزكية والشهادة، من أستاذ في الدبلوماسية وفي كتابة الرحلات والجغرافيا والتاريخ. وصفحة خزامى تنشر هذه المعلومات ليعرفها القراء الكرام الذين لم يقرأوا كتاب فؤاد حمزة في بلاد عسير.