ذلك الذي قال: وليست عشيات الحمى برواجع.. إليك ولكن خل عينيك تدمعا هو أعرابي عاش في أكناف الواشلة قريبا من مدينة الرياض حسب ما ذكر الأستاذ عبدالله الناصر عن الصمة القشيري ماذا افتقد من تلك العشيات.. الضب أم الحجارة أم السراب.. هو مثل ذلك الآخر الذي تغزل قائلا : بيض نواعم ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام إنه متفرج فقط, فمشكلته أنهن ماهممن بريبة.. بمثل ما يحدث في عواصم الحاضر أو الثالث.. معاصم لم تضرب على البهم بالضحى.. عصاها ووجه لم تلحه السمائم.. ليس ثمة وصف لتفاصيل جسد وإنما تفاصيل مهن ورياح البيئة.. أو ذلك الدنجوان الأرق القائل: "من القاصرات الطرف لو دب محول.. من الذر فوق الإتب منها لأث را.." والمحول هو ابن الذرة أي النملة والإتب القميص.. يريد التأكيد على رقة بشرتها أن خطوات ابن النملة ترتسم عليها.. ومثلهم من قال بالشعر النبطي.. والردف طعس زامي ما وطي به غب المطر شمس العصير اسطعت به حيث وصف بشرة الردف بالرمل الممطور الذي تتمازج فيه الصفرة بالسمار وتعطيه شمس نهاية العصر أي قبيل المغرب إشعاعا جذابا . هذا الخيال الجنسي المتوهج لا أعتقد أن بيتا من شعر الفصحى أو العامية يدانيه هؤلاء لم يعرفوا شيئا عن بلايادي آرو في أسبانيا أو يسيروا في شارع النجوم ببيفرلي هيلز أو يتزاورون عبر شوارع الماء في الجولد كوست أو يتبارون في تمييز مذاقات العنب في جنوبفرنسا أو يتدفأوا في التغذية بلحوم الوعل في شتاء ستوكهلم.. لم يمايزوا بين سوائل التذوق حين تعلو شرائح لحوم اللوبستر على جبال الشاي خارج تايبيه أو تدعوهم شنغهاي إلى المفاضلة بين أكثر من عشرين طريقة لطهي البط في مطاعم "الكوينز رستورانت" حيث يتصاعد ترف النعومة في ذلك القوام الممشوق لصينيات يتوارثن واجب إسعاد الرجل.. لم يعرفوا شيئا من كل ذلك.. لا بحر ولا نهر ولا مطر ولا شجر في حياتهم.. بل جفاف متوارث جعل الصخور الجيرية التي تتكون منها معظم نتوءات السطح وفي مقدمتها طويق تتفتت استسلاما لقسوة طبيعة لها جبروت التدمير الصامت.. ذلك العربي لم يكذب حين ذكر ما قالته له عندما "مال الغبيط بهما" لكنه تجاوز بخياله ذلك الشح في الماء والاخضرار فوصف جلسة استحمام وعبث بين الأشجار.. إنه ديكور مسرح ذهني لا وجود له إلا في خياله.. كثيرون تميل بهم المراكب داخل البحيرات أو الأنهار وتلمع كالبروق حولهم أصوات مترفة الأنوثة ومع ذلك لا يخطر ببالهم أن يصوغوا ذلك شعرا .. لأن الطبيعة لها شعر يتجسد في تكوينات المكان كما في الجولد كوست بأستراليا.. أي أثقال من الجلاميد النارية أو الجيرية تلك الجبال من الإهدار لمعنوية العربي وآفاق خياله التي جعلته متفرجا بليد الاستيعاب بعد أن كان يخلق في خياله عوالم المتعة.