عدي صدام حسين قبل عامين أو ثلاثة تحدث بموضوعية شجاعة حيث عل ق على بعض الغارات الأمريكية على بعض المنشآت العسكرية الممنوعة دوليا .. وكانت غارات كثيفة لم يكترث لها صدام, حيث يعلم أنه بواسطة أجهزته سيكون آخر عراقي يموت بفعل تأديب عسكري.. عدي كتب في جريدته "بابل" يتساءل عن جدوى الصداقة الفرنسية والروسية ما دامتا عاجزتين عن إيقاف تلك الغارات.. طبعا عدي يعلم أن فرنسا رغم معارضتها اللفظية هي جزء مكمل للاستراتيجية الغربية لكنه يخاطب موقف التضليل الذي كانت تمارسه باريس مع بغداد والذي وضح في تلك الغارات أنه لا يقدم ولا يؤخر, ثم يشير إلى المصالح الاقتصادية والديون التي تجعل فرنسا قريبة من العراق وهو أمر يخص مصالح لطرف واحد.. أي أن الاقتراب عاطفيا من بغداد والابتعاد عنها عمليا ليس إلا للحصول على غنائم اقتصادية سلمية.. هذه هي حال العراق عمليا مع الصداقة الفرنسية التي لا نطلب منها أن تعين العدوان العراقي, وإنما يطلب منها المجتمع الدولي وضوح المواقف, حيث لن يؤدي التضليل السياسي إلا إلى المزيد من تطلعات العدوان وأحلامه في ذهن الرئيس العراقي الذي انتهى من تشريد الكويتيين لكي يمارس تشريد العراقيين.. لبنان.. هذا البلد الصغير الجميل الذي كانت أحيانا تتلبسه أوهام الهوية الفرنسية, بل إن بعض ساسته الكبار ما زالوا يصرون على أن فرنسا هي الأقرب للبنان الذي لا يفضلون له الهوية العربية ويحلمون بفرنسته, ومن لا يريد ذلك فعليه أن يرحل إلى سوريا.. هذا المفهوم طرح فور إعلان الاستقلال وأثناء الحرب الأهلية الأولى.. هناك من ساسته الذين غادروه من فض ل باريس كبلد بديل مثل ريمون أده وأمين الجميل وميشال عون.. وغيرهم كثيرون.. وهناك من رجال أعماله من أقاموا مشاريع مشتركة ومن امتلكوا في فرنسا أجمل المواقع السياحية والتجارية, ومع ذلك فإن حظ اللبنانيين ليس أقل سوءا من حظ العراقيين من حيث تعامل فرنسا بوجهين مع خصومات الشرق الأوسط.. عندما تحدث "جوسبان" أمام الإسرائيليين واصفا العمل الفدائي اللبناني بأنه إرهاب كان في الواقع مثل من يستنطق داخل محكمة عسكرية, لأن الإسرائيليين لن يقبلوا منه غير ذلك الذي حققوا منه مكسبا سياسيا لتل أبيب, نظرا لوجود أكثر من شرخ بسبب ذلك أصبح يشوه علاقة فرنسا إن لم يكن بالسياسيين العرب فبالمثقفين ورجال الأعمال والباحثين عن سياحة بلد لا يعاني العنصرية وازدواجية الشخصية.. إن جوسبان الذي يدفع مبالغ هائلة من ميزانية شعبه لإسرائىل لم يحاول أن يفكر بوجاهة ذلك ومدى مصداقية المذابح وكيف أن إسرائيل والصحافة الأمريكية يتوليان تجريم من يشكك في ذلك, فاتجه إلى تل أبيب وكأنها وسيط نحو مصالح أعلى مع أمريكا, أما العرب فلا وزن لهم منذ أن حسمت طائرات الميراج أول حرب بعد الهدنة بين العرب وإسرائىل..