في كل صيف تشتد أزمات المياه.. مع هواجس إنسان هذا الكوكب الملتهب بالخوف من حرب مياه كونية ! وذكرني الصيف بأيام خلت في حارات جدة القديمة، وكيف كان الناس أيام السقايين والبرميل التي تجرها الحمير البلدي، وكيف يتجمع الناس حول (البازان).. وكيف يتصرّف المأمور والعارفون ببواطن الأمور.. أخرج مأمور (البازان) أحد السقائين من (السِّرا)، فلم يجد هذا الأخير وسيلة للتعبير عن استيائه من هذا التَّصرف المجحف إلاّ أن ينهال على حماره ضرباً! برْطَعْ البهيم في الرّجغ فتطاير وأصاب ثوب (بصّاص) البلدية، الذي كان يقوم بمهام لوجستية كشفتها الاشعة فوق البنفسجية تحت وهج الشمس! أمسك البصّاص بالمأمور مستخدماً وسيلة الاستعانة بالجمهور وذهب به إلى أقرب مركز للشرطة، يزفه رهط من السقائين والحمير الخارجة عن الخدمة مؤقتاً..! انقسم الجمهور إلى فريقين: فريق شهد للمأمور.. وفريق شهد عليه.. وقد رجّحت توصية (بصّاص) البلدية كفة الفريق الثاني بعد أن أحضر (معروضاً) كان قد كتبه صهره في الشتاء، واحتفظ به إلى الصَّيف حيث تشتد أزمة المياه! تم حبس المأمور تلك الليلة، واستُدعي المشرف على البازان في صباح اليوم التالي لاستلام المذكور باعتباره عُهدة يجب التحفّظ عليها.. وقد أضاف المشرف إلى عقوبة (التوقيف) عقوبة إدارية بكف يد المأمور عن العمل اعتباراً من هذه الأزمة وحتى الأزمة القادمة إن شاء الله. بعث المشرف على (البازان) بثلاثة براميل من المياه العذبة تجرها ثلاثة من الحمير القوية الفتية إلى بيت صهره، فامتلأت حنفيات المذكور وأزياره ورش ما فاض من الماء بيته لتطرية الجو الحار باقتراح من المأمور الجديد لدهن (السير) وترطيب الأمور! تلك كانت رمية أصابت الهدف لتهدئة النفوس وتطييب الخواطر إلى أن يصل جبل الثلج من القطب المتجمد الشمالي، الشروع في تقطير مياهه وتنقيتها من الشوائب والأفكار الهدَّامة، وضخّه في صهاريج (البازان) ليكون في متناول الجميع في سهولة ويُسر..!