أسعار النفط ترتفع مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    نائب أمير حائل يطلع على برامج جامعة حائل الصيفية    قرعة كأس السوبر.. مواجهة نارية مرتقبة في هونج كونج    بطولة حائل للدرفت أكثر من 60 متسابقاً يتنافسون على لقب ثلاث فئات    أمير منطقة جازان ونائبه يتفقدان محافظة "جزر فرسان"    نائب وزير الصناعة: المدن الصناعية في القصيم تعمل بنسبة إشغال تصل إلى 77%    نائب أمير الشرقية يستقبل عددًا من رجال الأمن ويُشيد بجهودهم الأمنية المتميزة    مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية يفعّل دوره الإنساني    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    خدمات متكاملة لخدمة جموع المصلين في المسجد النبوي    صندوق الاستثمارات يطلق شركة إكسبو 2030 الرياض    الذهب يتذبذب مع استمرار توترات الشرق الأوسط    الهلال يحظى بإشادة عالمية بعد تعادله التاريخي أمام ريال مدريد    الولايات المتحدة تقرر فحص حسابات التواصل الاجتماعي لجميع المتقدمين للحصول على تأشيرة طالب    "نوفا" تطلق رحلة زراعة 200 ألف شجرة بالتعاون مع مركز تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    وكيل وزارة الحج والعمرة يدشّن جائزة "إكرام للتميّز" لتحفيز مراكز الضيافة خلال موسم حج 1446ه    أكثر من 3 آلاف عامل يواصلون أعمال النظافة في المسجد النبوي.    جمعية البر بأبها توقّع شراكة مع 7 جمعيات أهلية بعسير    المنتخبات الخليجية تفشل في التأهل رغم وفرة الإنفاق    الجامعة الإسلامية أطلقت مبادرة لتحفيز المبتعثين لديها على النشر في المجلات العلمية الدولية    المنتخب السعودي ينهي استعداداته لمواجهة أمريكا في الكأس الذهبية    استشهاد 16 فلسطينيًا وسط غزة    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    أعلنت السيطرة على بلدتين أوكرانيتين جديدتين.. روسيا تتقدم في سومي بعد استعادة كورسك    76.61 دولار لخام برنت    عريجة يزف نجله محمد    الهوية الرقمية والسجل لا يخولان الأطفال لعبور"الجسر"    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    المساحة الجيولوجية تفتح باب القبول في برنامج "صناع الغد"    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    حققت حلمها بعد 38 عاما.. إلهام أبو طالب تفتتح معرضها الشخصي    تستضيفه جامعة الأعمال في فبراير المقبل.. مؤتمر لدعم الموهوبين السعوديين وتعزيز روح الابتكار    2.7 مليار تمويلات زراعية    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    في ثاني جولات مونديال الأندية.. الأهلي في اختبار بالميراس.. وميامي يلاقي بورتو    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    أخضر اليد يخسر مواجهة مصر في افتتاح مبارياته ببطولة العالم تحت 21 عاماً    الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. وبيان مملكة السلام    رسالة المثقف السعودي تجاه وطنه    الرواشين.. فنّ يتنفس الخشب    وزير العدل يدشّن بوابة خدماتي لمنتسبي الوزارة    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع اتفاقية لحفر 78 بئرًا في نيجيريا    كشف مهام «وقاية» أمام أمير نجران    انتظام مغادرة رحلات الحجاج من «مطار المدينة»    انسيابية في حركة الزوار بالمسجد النبوي    فهد بن سلطان للمشاركين في أعمال الحج: جهودكم محل فخر واعتزاز الجميع    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يجري عملية بتقنية المنظار ثنائي المنافذ وينهي معاناة مراجع مصاب ب«الجنف» مع انزلاق وتضيق بالقناة العصبية    صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم 500 مستفيد    مسار الإصابات ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    لماذا تركت اللغة وحيدة يا أبي    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    سالم الدوسري: هدفنا كان الفوز على ريال مدريد    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    الغامدي يلتقي بالمستثمرين وملاك مدارس التعليم الخاص بالطائف    السعودية صوت الحق والحكمة في عالم يموج بالأزمات    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    أمير تبوك خلال تكريمه المشاركين في أعمال الحج بالمنطقة جهودكم المخلصة في خدمة ضيوف الرحمن محل فخر واعتزاز الجميع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



( سحْبلَّةْ) عبدلله بخيت!
لمحات
نشر في الرياض يوم 22 - 03 - 2012

عندما يعود الكاتب عبدالله بخيت متذكراً صورة الرياض وأحيائها وشخصياتها القديمة فإنه يفتح ألبوماً متكلماً يجسد الحياة في الماضي بأسلوب ساخر يبعث الحيوية والحركة في الذاكرة الاجتماعية وخاصة عند من قُدر لهم العيش في تلك الفترة، أو السماع المفصل من قبل الغير للجيل اللاحق ، جيل هذا اليوم الذي هو على النقيض في ظروف معيشية وحياتية عن سابقه, وقد جاء البخيت متذكرا عبر كتيب تضمن عددا من الذكريات التي هي قصص واقعية استطاع ببراعة نقلها ووصفها وتصويرها بدقة متناهية لا تتاح إلا لمثله في حبه للسرد وقصص المشاهدات المختمرة في خزانته الحافظة حتى اللفظة التي كانت سائدة على ألسنة سكان الرياض (أهل الرياض) وقد كانت بعض عناوين الذكريات التي جاءت في قوالب قصصية :(البطحاء, شارع الوزير, القرينين ,حوطة خالد, راعي العسيلة, قدر عمشا, استراحة بنبان)، وكان لكل عنوان مر قصة دالة عليه أو حدث تدحرج في محيطه , فكانت الصور أقرب الى الواقع إن لم تكن واقعية مبهرة بروح الفكاهة التي تضفي جمالياتها وبهجتها على النصوص مع عمق في محاولة الربط بين ما كان، وماهو كائن، وتسليط مؤشرات النقد الاجتماعي , وكيف كنا وكيف أصبحنا .
من القصص التي رسمها البخيت ووقفتُ عندها لكونها جسدت نقداً لبعض الخرافات التي كانت سائدة وأعتقد أنها باقية بشكل حديث حكاية (القرينين) وهو اسم أحد احياء الرياض القديمة ولما تزل له بقايا بسيطة تذكّر به , والقصة ليست عن الحي وإنما عن بعض ما جرى للراوي فيه أو بقربه , فهو يفاجئك متذكرا شيئا كان : " آخر مرة شاهدت فيها سحلية كانت قبل ثلاثين سنة .. لا أعرف لماذا اختفى هذا الكائن الأنيق الرائع , الذي أسهم بقسط كبير في مجريات حياتي . السحلية أو (السِحْبلِّةْ ) كما كنا نسميها , كائن غريب يتمتع بجسد لامع منساب , وتكسوها نظافة دائمة رغم أنها كانت تعيش في الخرائب وشقوق الجدران في البيوت الطينية القديمة , ربما كانت أنظف كائن سفلي رأيته حتى الآن , كانت تخرج إلينا في الأوقات التي ينام فيها الناس بعد أن تطيح بطونهم من توهجات شمس الرياض الحارقة، ولا يبقى لمشاهدتها سوى الأطفال الأشقياء" .
ثم يذكر بأنه لم يرَ سحبلتين أو قطيعا من السحالي تسير في نفس الوقت ,هو محتار من هذا الأمر الذي ربما أنه هو الذي أكسبها الأسطورة المتعلقة بها أنها جنية تتجول في البيوتات بهذا الشكل , فصار الآباء والأمهات يحذرون الأبناء من التعرض لها أو إيذائها , وأن يتجنبوها ويتركوا لها حرية السياحة المنزلية أو الشوارعية حتى لو اقتربت من مكان جلوسهم أو لعبهم فإنهم يلاطفونها بقول:(بالعوذ الله منك) ثلاث مرات أو سبع , حتى لو تعرضت لخطر ما صارت حجة لهم (تعوذنا منها) .
الطفل البخيتي نسبة لصاحب المذكرات غير مقتنع بحكاية (متجنسة) ولو بشكل بسيط , فقد وجد له حجة في طلب الفلوس من والدته إذا ما أراد أن يشتري (حلاوة أو بسكوت أو عسكريم من الدكان أو الجيران) وهو عندما يطلب بعض القروش ثلاثة أو أربعة ، وإذا كثر (ربع) ريال من أمه وتتردد، يهدد أنه سيقتل السحبلة بالنعلة اللي يمسكها بالعسمى (= يده اليسرى) إن لم يتحقق طلبه , فتنفحه الوالدة بما يريد ويركض للشارع يشتري مايريد , واستمرت اللعبة حتى طمع الولد بما هو أكبر هو يريد ريالا بكبره ، وللريال في ذلك الحين قيمة كبيرة تنفع البيت ككل، ووين الولد اللي معه ريال , فلما كبر الطلب على الأم، والتهديد بقتل السحبلّة (السحلية) وازدياد شراسة ابنها والريال في وقتها كان ريال لم تفك صرار شيلتها مثل العادة , بل قالت:طس في قاف انت واياها، وسو اللي تبي بعد، بعد ريال معاد الا هو , وتنحت جانبا , ونفذ تهديده وسفك دم السحبلّة بالنعلة أو بالمكنسة .. المهم أنه قطعها إرباً ، والوالدة تسمي عليه مرة وتحسْبي عليه , ولكن كلش ولا الريال وكشفت اللعبة لعبة الابتزاز التي يصفها :"لم أشعر أثناء المناورات والمفاوضات (= التهديد بقتل السحلية) بأن كل شيء قد اصبح على حافة الهاوية . ففي لحظات الضعف التي تطل بين فينة وأخرى , كان الطمع يتدخل ليغذيني بروح التحدي والصمود . ولكن أمي في المقابل لم تكن تخلو من أسباب التحدي وشراسة المواجهة خصوصا أنها لم تكن تملك ما يكفي للدخول في مرحلة حرجة من مراحل الابتزاز, ومن الواضح أنها قررت وضع حد نهائي لهذه اللعبة ولم تكن ترغب في التوصل إلى اتفاق يرضى عنه طرفا الصراع لأنها قالت : "سم بالرحمن وتعوذ من الشيطان ترى هالمرة ابتركك يخفسون بك " ولكن الأم تركته ليواجه عينيْ السحلية بعينيه المتسلطتين، "عيناها بريئتان براءة الحيوان الذي لايعرف خرافات البشر ، ولا يعرف أطماعهم فلم تحاول الفرار من مصيرها لأنها تعودت المرور كل يوم من هنا وتوثقت العلاقة بينها وبين أهل البيت، ولم تعرف أن الذي يحميها حفنة من الخرافات لا علاقة لها بالطيبة واحترام الطبيعة واحترام مخلوقات الله.
«فهوت يدي اليسرى فجاءت الضربة الأولى نجلاء حاسمة فانفجر رأسها , وألحقتها بالثانية والثالثة .
كانت آخرعلاقة لها بالحياة أن التف جسدها وحاس قبل أن يهمد إلى الأبد».
صورة تجسدت بحكاية مستمدة مما كان قديما رواها الكاتب كفعل حدث له وما تخيله وأضافه وما أبرزه من مسلّمات تتناقل بامتصاص بليد , ثم يدخلها في دائرة العقل والواقع وكيف تكون الحيل التي يلجأ إليها الناس في الابتزاز وكيف يكون الرد العقلي لردعه وردع الخرافات بالتوجه لممارسة الواقع بالعقل الواعي وما تتطلبه الحياة العصرية من تفاعل معها بما يلائمها من المنطق والحسابات نظريا وعمليا في عصر التطور والاكتشافات واتساع إطار قيمة الإنسان كفاعل ومنتج وركيزة للحياة التي لا قيمة لها بدونه..
«وسحبلة» عبدالله بخيت الأنيقة والنظيفة واللامعة، عكسها «خنفسانة القضاض» الملوثة بالطين والغبار حتى وربما الرماد، تبدو وهي تتمخطر وكأنها في حالة تمويه.. أو حفلة تنكرية.
وهذه لها حديث آخر.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.