تطرقت في مقال" شح الموارد" المنشور بتاريخ 25 نوفمبر من السنة الماضية إلى تقرير معهد ماكينزي العالمي McKinsey Global Institute الذي يتحدث عن قدوم عصر ثورة وشح الموارد، حيث أشرت حينها إلى أن ارتفاع أسعار مكونات الإنتاج والاستهلاك إذا ما استمرت في النمو خلال الفترة القادمة فإن تطور اقتصاد البلدان الصناعية التي سوف تنجو من الأزمة الحالية سوف يصبح مهدداً. وعلى هذا الأساس لم أستبعد أن تلجأ البلدان الصناعية إلى فرض سيطرتها على الموارد العالمية حتى يتسنى لها تأمين الموارد الرخيصة لدوران عجلة اقتصادها. وبناء على ذلك توقعت أن النزاع بين الدول الكبرى من أجل تلك السيطرة ربما يخلق المقدمات لنشوب حرب عالمية طاحنة. وفي الحقيقة فإني لم أكن أتوقع أنه خلال فترة قصيرة أن تأتي التأكيدات على ذلك من قبل أشهر شخصية أمريكية وعالمية ألا وهو هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق أثناء حواره مع " ديلي سكايب ". ففي تلك المقابلة قال كيسنجر ما نصه "إنّ طبول الحرب العالمية بدت تدق والأصم فقط هو الذي لا يسمعها". حيث أشار إلى أن هذه الحرب سوف تكون على الموارد بين الولاياتالمتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. وإذا أردتم الحقيقة فقد تمنيت لو أن هنري كيسنجر لم يدل بذلك التصريح الذي ينتقص من قدره. فهنري كيسنجر شخصية إستراتيجية مرموقة معروف عنها الوقار وشدة الاتزان- أو على الأقل هذا هو الانطباع السائد عنه -. ومثل هذه الشخصيات لا تميل عادة إلى الثرثرة والابتذال في التصريحات والأقوال. وعلى أية حال فلربما يكون الحديث مع " ديلي سكايب " قد نسب إليه زوراً وبهتاناً بهدف جس نبض الأطراف المشار إليها في المقابلة ومعرفة ردود فعلها حول ما جاء فيها. أو لعل ذلك الكباب الأمريكي قد قدم بهدف توجيه إنذار مبطن من قبل الولاياتالمتحدة لروسيا والصين بالتزام حدودها ومراعاة خطوط المصالح في العلاقات الدولية. فنحن مثلما نعرف فإن الخطوط الحمراء التي وضعت عام 1945 في مؤتمر يالطا وبوتسدام قد انمحت أو أوشكت على ذلك. من هنا فإن الأمر قد يحتاج، لتفادي الاصطدام بين الدول الكبرى، إلى وضع خطوط حمراء واضحة أخرى تعكس تناسب القوى الموجود في العالم. أما إذا كان ما جاء في " ديلي سكايب " حقيقة وليس مختلقا فإن الأمر على درجة كبيرة من الخطورة. فمن جهة فإن التهديد باحتلال موارد الغير والاستيلاء عليها بالقوة يعتبر أمرا مرفوضا في العلاقات الدولية التي تم إرساء أسسها بعد الحرب العالمية الثانية بمشاركة مباشرة من قبل الولاياتالمتحدة والتي من أجل تحقيقها تم إنشاء هيئة الأممالمتحدة. من ناحية أخرى وهذا ما يهمنا بشكل كبير، فإن التهديد باستخدام القوة ربما يعني أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد وصلت إلى مرحلة متطورة، بحيث أصبح من غير الممكن حلها من خلال استخدام الوسائل التقليدية. أي عبر سياسات التيسير المالي والنقدي. فنحن مثلما نعرف فإن الأزمة المالية العالمية في الثلاثينات من القرن المنصرم والتي صارت تعرف على نطاق واسع باسم الكساد العظيم كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية. ولذلك فلا يسعنا في هذه العجالة إلا التمني بأن يكون ما ورد في " ديلي سكايب " لا يتعدى كونه محاولة لرسم الخطوط الحمراء بين الدول العظمى. فنحن لا نرغب أن نكون ضحية لتطاحن المصالح بين الدول الكبرى في هذا العصر النووي.