استنزفت مكاتب الاستقدام في الخارج جيوب المواطنين؛ بمباركة من مكاتب العمل في بعض الدول، إلى جانب لجنة الاستقدام الأهلية التي وقفت موقف المتفرج، وهي ترى سماسرة يحققون أرباحاً طائلة على حسابنا، مستغلين حاجتنا للعمالة المنزلية، حيث يرى بعض المواطنين أن اللجنة لم تحاول إنقاذهم من جشع المكاتب والسماسرة في الخارج؛ ممن استغلوا ظروف المواطن في قبول ما يملى عليهم، بل ولم تحاول إيجاد البديل الذي يعيد للمواطن هيبته أمام هذه المكاتب. "الرياض" اختارت "كولومبو" لتعيش دور المواطن في سوق العمالة، من أجل التوصل إلى الأسباب التي دعت إلى رفع أسعار الاستقدام، مع مقارنة الفرق بين قيمة عقد العمل في المملكة وقيمة العقد للعمل في دول الجوار، فكانت النتيجة محزنة للغاية، كما التقت بالعديد من المواطنين المراجعين لسفارة المملكة هناك، كما استمعت عن قرب إلى تعليقات المسؤولين في السفارة.، فكان هذا التحقيق. خداع وكذب! في البداية حاولنا الوصول إلى بعض المكاتب من دون الكشف عن هويتنا، فاخترنا مرافقة المواطن "فيصل الضباطي" الذي يبحث عن عاملة منزلية؛ لندخل مكتبا يوصف بأنه من أفضل المكاتب في سري لانكا، وقابلنا صاحب المكتب -الذي كان يبتسم بطريقة أشبه ما تكون بالمصطنعة-، وأبلغناه ما نريد، ثم أخرج لنا أحد الملفات وكان لعاملة منزلية عملت في المملكة والأردن، وكان يستعرض تجربة عملها في جدة لعامين، وفي الأردن ثلاثة أعوام، ومحبتها للأطفال، وأنها جاهزة للعمل حالياً، ويمكن الحصول على التأشيرة غداً من السفارة، بل ومرافقتنا إلى المملكة في ظرف (48) ساعة، كما اتفقنا معه على كل شيء واشترطنا المبلغ عند التأشيرة، وكان صاحبنا يعرف أساليب تلك المكاتب، فرفض صاحب المكتب هذا الأسلوب ثم أعطيناه "عربوناً" بمقابل تزويدنا بسند من المكتب فوافق، وبعد وصولنا إلى الفندق اتصل صاحب المكتب وقدّم الأعذار تلو الأعذار عن عدم تمكين هذه العاملة من السفر إلى المملكة بحجة أنها مريضة حالياً، غير أن "فيصل" حاول قطع الطريق عليه، مؤكداً على أنه لا يمانع من قدومها إلى المملكة بعد أسبوع أو أسبوعين، حينها وقع صاحب المكتب في صنيع عمله بأنه لا يمكن ذلك؛ لأن زوجها اشترط أن يصطحبها في عمل، وهو الأمر الذي يجد فيه "فيصل" صعوبة بالغة من أجل ترك هذه العاملة وقبول إحدى العاملات كبديلة. 91 يوماً وسألنا "فيصل" عن سر (91) يوماً، فقال: هي المدة التي تسمى فترة التجربة لدينا في المملكة، والتي يحق للمواطن المطالبة بالبديلة بدون مبالغ في حال عدم صلاحيتها للعمل، مرجعاً ذلك إلى إيعاز من السمسار أو المكتب، حتى يضمنوا عدم مطالبة الكفيل لهم، وفي المقابل العودة إلى "كولومبو" وقد استفادوا من المبلغ الذي تم استلامه من الكفيل والذي يصل إلى (11500) ريال. "حمد عبدالرحمن آل الشيخ" كان متواجداً في السفارة لإنهاء إجراءات استقدام عمالة مهنية، وقال:"أواجه مشكلة كبيرة مع مكتب العمل الذي يحدد لي جنسيات معينة، بالرغم من أن بعض الجهات تطلب مني جنسيات محددة عكس التي يفرضها علي مكتب العمل، وبذلك أكون قد وقعت بحرج كبير"، مضيفاً أن بعض العمالة لا تصلح للعمل ومع ذلك نرغم على ذلك، مبيناً أنهم يريدون الحرية في الاختيار، بل ويريدون التسريع في الإجراءات، فالروتين قتلهم وأجبرهم على دفع الغرامات. شارع في كولمبو يكثر فيه السماسرة مغالاة المكاتب وأوضح الأستاذ "سلطان الدخيل" -رئيس القسم القنصلي في سفارة المملكة في سري لانكا- أن مغالاة مكاتب الاستقدام تعود إلى وجود سماسرة ووسطاء استغلوا توجه المواطنين إلى "سري لانكا" بعد إيقاف الاستقدام من "اندونيسيا" و"الفلبين"، مما أدى إلى زيادة الطلب الذي يقابله نقص في العرض، مضيفاً أن هذا لا يبرر ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، ونحن دائماً ما نؤكد أن على المواطن عدم قبول هذه الأسعار والاتجاه إلى أماكن أخرى بأسعار أقل، متمنياً عدم الإفراط في الثقة والانسياق خلف بعض الأشخاص المجهولين الذين يدعون أنهم أصحاب مكاتب، علماً أنه يوجد عناوين على شبكة الانترنت يدعي أصحابها بأنهم متخصصون في الاستقدام من "سري لانكا" وخلال فترة وجيزة يتم إرسال العاملة، ويطلبون إيداع مبالغ مالية في حساباتهم، وبحسن نية يتأثر بهم أصحاب العمل ويسيرون معهم، مما يؤدي إلى ضياع حقوقهم، ذاكراً أنه في حال رغب البعض في معرفة المكاتب التي تحسن التعامل مع المواطنين، فإننا في السفارة على استعداد إلى تقديم أسماء المكاتب، بل ونحذر من يراجعنا من المكاتب التي نجد فيها إخلال بالنظام، ولديها مشاكل لم تحل، بوضعها على قائمة المكاتب المحظورة. فيصل الضباطي مع صاحب المكتب تسليم المستحقات وقال "الدخيل": إن أكثر المشاكل التي تؤرق الأسر في سري لانكا هو عدم تمكين العاملة من التواصل مع عائلتها وذويها، بالإضافة إلى عدم تسليمها مستحقاتها أولاً بأول. وعن دور السفارة في اتخاذ بعض الإجراءات العقابية تجاه العمالة التي لم تنفذ العقود السابقة وترغب العودة إلى المملكة من خلال كفلاء آخرين، أوضح "الدخيل" أنه حسب التعليمات فإن من لم يكمل المدة المحددة في العقد، فإن السفارة ترفض منحهم تأشيرة دخول إلى المملكة إلاّ بعد مضي عام للعمالة المنزلية وعامان للعمالة الأخرى، اعتباراً من تاريخ خروجهم، مشيراً إلى أن سفارة المملكة في كولمبو تنجز يومياً كمتوسط (380) تأشيرة عمل، إضافةً إلى التأشيرات الأخرى بأنواعها مثل الإقامة والزيارة وغيرها. تأخير الوصول وأكد المواطن "أبو سليمان" أنه حضر إلى السفارة من أجل إنهاء إجراءات أوراق مكفولته التي لم تستغرق أوراقها إلاّ أربعة أيام فقط، في الوقت الذي نعاني كثيراً من المكاتب في المملكة من تأخير العمالة إلى ما يقارب ثمانية أشهر دون معرفة السبب، مضيفاً أنهم يرغبون في وضع ضوابط على مكاتب الاستقدام، فالتلاعب بالأسعار أضرنا كثيراً، إضافةً إلى عدم ضمان العقود، وهو ما أرهقنا مادياً، مبيناً أن تلاعب المكاتب في سري لانكا أرق منامنا، مؤكداً على أن بعض التقارير الطبية التي تجلبها العاملة المنزلية من بلدها غير مضمونة، وقد حدث كثيراً أن أُعيدت عاملات فشلن في تجاوز الفحص الطبي في مستشفيات المملكة. الرياض» في الطريق إلى أحد المكاتب ولم يخف "أبو سليمان" حكاية طريفة حصلت له عندما تقدم بطلب استقدام عاملة منزلية ثم بعد طول انتظار أتت وهي في سن لا يسمح لها بالعمل، بل تحتاج إلى عاملة أخرى تخدمها، فقد قارب عمرها إلى (60) عاماً. تكلفة «الخادمة» فعلياً 3700 ريال والمواطن يدفع 14 ألفاً..و«الخليجي» طبعاً أقل! إنجاز المعاملات المواطن "عبدالرحمن المزيني" والمواطن "سليمان الخزيم" اختارا الذهاب إلى "كولمبو" من أجل انجاز معاملاتهم بأنفسهم بعد أن شعرا أن المكاتب لا يمكن أن تفيدهما -في ظل عدم وجود ضمانات في الانجاز أو دقة في المواعيد-. وقال "المزيني": ربما تتقدم بأوراقك إلى أحد المكاتب ثم تنتظر ما يقارب ثمانية شهور حتى تصل مكفولتك أو مكفولك، وفي ذات الوقت تكون على أعصابك هل يمكن أن يصلحا للعمل؟، أو هل يستمرا طيلة مدة العقد. وأكد "الخزيم" على أن الحاجة أصبحت الآن ملحة للغاية لوضع عقوبات على المكاتب المتلاعبة بالأنظمة في الداخل والخارج، وذلك حفاظاً على حقوق المواطنين، ومنعاً للتلاعب الذي يحدث أمامنا في كثير من المكاتب. وتساءل "أبو تركي": لماذا نقتصر فترة التجربة على ثلاثة أشهر؟، ولماذا لا تكون الفترة لمدة العقد عامين؟، حتى نقفل الباب أمام العاملات بالذات والعمالة الأخرى في نزف الجيوب. وتساءل "أبو سمية": ما هو دور لجنة مكاتب الاستقدام الأهلية؟، مضيفاً أن الوضع خطير، ولو استمرت الأمور هكذا لأصبحنا في منزلق أخطر نحو ابتزاز علني من كل الأطراف!. عبدالرحمن المزيني وسليمان الخزيم إصرار السماسرة وقال "عبدالكريم يحيى خان" -صاحب مكتب استقدام في سري لانكا-: إن مكاتب الاستقدام هنا تعاني كثيراً من بعض المكاتب في المملكة من حيث التواصل، فالكفيل يرفض أن تتواصل العاملة مع أهلها وأنا أبقى في وضع صعب مع أهلها، وعند محاولتي الاتصال على المكتب الذي وقّع معي عقد للعمل لا أجده، مطالباً بإيجاد موظفين في السفارة السري لانكية؛ للتواصل بشكل أسرع وبكل سهولة مع المكاتب هناك، ذاكراً أن المواطن عندما يكون في السفارة السري لانكية يكون أكثر ثقة لدى بعض الأسر، فلو اتصل موظف السفارة السري لانكي بأحد المنازل وقال معكم السفارة فإن إقفال الخط في وجهه هو الحل الأسهل، لكن عندما يكون الموظف مواطناً ويشرح السبب من الاتصال وإبلاغ الكفيل بالأنظمة، تكون العملية أكثر انضباطية وأكثر جدية. وأوضح "أمجا" -أحد ملاك مكاتب الاستقدام في كولومبو- أن السماسرة يصرون على أخذ مبالغهم كاملة بدون نقصان؛ مما يضعنا في حيرة أمام مكاتب الاستقدام في المملكة، بل ولا يمكن أن نتدخل في تصرفاتهم، مؤكداً على أن العاملة لا يمكن أن تصل إلى مكتب الاستقدام من دون أن يكون ذلك عن طريق السمسار الذي يصر على أخذ حصته من قيمة الاستقدام. عقوبات قاسية وطالب "حماد الزبن" بفرض عقوبات قاسية على المكاتب في المملكة، خاصةً التي تتلاعب بالمواطنين من خلال الإخلال بالعقود أو الاختفاء عن الأنظار بعد استلام مبلغ الاستقدام، متسائلاً: لماذا لا يكون هناك عقوبات تشهير ونشر صور المتلاعبين؟، مع منعهم من مزاولة هذه المهنة ليكونوا عبرة لغيرهم. وشدّد "عبدالعزيز الجهني" على أنه من المهم وضع شروط صارمة لفتح مكاتب استقدام تتمثل في تأمين مبلغ لا يقل عن نصف مليون ريال، حتى إذا ثبت التلاعب يستطيع صاحب الحق من خلال حكم قضائي استرداد حقوقه من التأمين. وتساءل "أبو سارة": لماذا لا يكون لدينا في كل منطقة أو محافظة جهة مسؤولة عن هذه المكاتب وعن متابعتها ومعرفة إخلالها بالأنظمة؟، مضيفاً:"نريد عمل احترافي منظم لا تدخل فيه المحسوبيات ولا الواسطات". مخالفة الشروط وفي أثناء الجولة شاهدنا سيدة من المملكة تحمل ملفات عديدة وتحاول التوقيع والتخليص مع صاحب المكتب، فأردنا أن نحاورها فلم تمانع بشرط عدم ذكر اسمها، وقالت: أنا قدمت من المملكة نيابة عن زوجي صاحب مكتب استقدام في جدة، وأحمل معي (72) ملفاً لاستقدام عاملات منزلية بتكلفة الواحدة (13500) ريال خلاف رسوم تأشيرة العاملة من الاستقدام، مضيفةً: "لا أرضى أن نأخذ أقل من (2000) ريال مكسباً، وعاملاتي لا يوجد مثلهن، فأنا أقابلهن وأعرفهن على طبيعة العمل، بل واتصل بكل زبون أو زبونة ليتحدث مع العاملة لمعرفة مواصفات وظروف من يريد أن يستقدمها"، مؤكدةً على أن بعض المكاتب في المملكة تخالف الشروط الموضوعة من الكفيل، فتحضر عاملة منزلية عكس الشروط التي طلبها، فتأخذ الأمور نحو اتجاه آخر من الشكاوي والمشاكل، ذاكرةً أن انجاز مثل هذه الطلبات تكلفها البقاء في كولومبو لمدة تصل إلى شهرين، وهي المدة الأعلى لاستقدام عاملة منزلية حسب الشروط والمواصفات.