تقول الأخبار إن البنتاغون اعترف باكتشاف خمس حالات إساءة للمصحف في معتقل جوانتانامو. هذا الخبر يؤكد ما قاله صحفي أمريكي تعليقاً على خبر إهانة القرآن الكريم في معتقل جوانتانامو: «إن المخطئ هو من يسمح بالممارسات السيئة وليس من يكتب عنها في الصحافة». بعد الغضب الإسلامي توجهت الأنظار إلى مصدر الخبر وهو مجلة النيوزويك التي تراجعت في بيان غامض. ثم جاءت النيويورك تايمز لتؤكد الخبر، والآن يعترف البنتاغون بعدد من حالات الإساءة. هل معنى هذا أن مجلة النيوزويك كانت دقيقة وصادقة في تقريرها الأول؟ هل كانت شجاعة في البداية ثم تراجعت عن هذه الشجاعة؟ إن ما حدث ويحدث من مخالفات وانتهاكات للقوانين الدولية والأديان والكتب المقدسة، قد سجل في حقيقة الأمر انتصاراً للصحافة ودورها المؤثر كسلطة رابعة تبحث عن الحقيقة ولا تساوم عليها بالرغم من التراجع الذي يغلب عليه سمة التردد من قبل مجلة النيوزويك. هذا الانتصار الصحفي في سجن أبوغريب وفي معتقلات أفغانستان وجوانتانامو سوف يقود إلى تحقيق دولي يجب أن تتصدى له الأممالمتحدة التي تسعى إلى بناء جسور التعاون والسلام بين الأمم. لقد أصبحت التقارير الصحفية أقوى من بيانات التنديد الرسمية ومن تصريحات الشجب والاستنكار التي لا أحد يلتفت إليها. التقارير الصحفية هي التي تحرك الأحداث، وتؤثر في اتخاذ القرارات، بل هي أحياناً أساس ومصدر اتخاذ القرارات، ولهذا فإن من حق بعض الصحف أن تزعم أنها لا تلاحق الأحداث بل تصنعها، وعندما نتذكر حرب فيتنام، وقضية ووترغيت كمثال فسوف نتفق مع هذا الطرح. الآن وقد ازدادت الأحداث السياسية سخونة وخاصة في الشرق الأوسط، ومع الاندفاع والحماس نحو قضية نشر الديموقراطية يصبح من غير المنطقي تكبيل الصحافة أو الضغط عليها. لا يمكن للحكومات التي تزعم أنها تحارب من أجل نشر الديموقراطية أن تحارب حرية الصحافة أو توجهها لخدمة أغراض تتنافى مع المبادئ الصحفية. عندما قيل إن الصحافة هي مهنة المتاعب، كان هذا الوصف ولا يزال قولاً يصف الحقيقة، لأن البحث عن الحقيقة، والمصداقية، والدقة، وهي مبادئ صحفية، لا يمكن أن يتحقق بسهولة، ويحتاج إلى كفاءات بشرية متخصصة، وقدرات شخصية فريدة هي من سمات العمل الصحفي الناجح. إن نجاح الصحافة لا يتحقق بالإمكانات المادية فقط، ولكن بثقافة المؤسسة الصحفية، ونظامها الإداري، وأساليبها ومعاييرها في النشر، وإعداد التقارير وتوفر طاقم بشري يمتلك القدرات والمؤهلات غير العادية. هذا ما يتوفر للصحافة الناجحة التي لا تكتفي بملاحقة الأخبار وتجميعها، وانتظارها، بل تسعى إليها في أي موقع، وتقدم من الجهود ما يجعلها قادرة على صنع الأحداث واتخاذ القرارات المؤثرة سواء في المجالات السياسية أو غيرها من المجالات. [email protected]