تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    وزارة الصناعة تشارك في معرض باريس.. السعودية تستعرض فرص الاستثمار في صناعة الطيران    76.61 دولار لخام برنت    2.7 مليار تمويلات زراعية    "فتاح" تجتاح إسرائيل.. وتدمير منشأتي تخصيب في طهران.. ضربات مكثفة.. ورقعة الحرب تتمدد    دعوات لتسريع تطبيق حل الدولتين.. إدانة دولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    في مونديال الأندية.. تعادل تاريخي للهلال أمام الريال    اليوم.. بمشاركة 4 أندية.. سحب قرعة كأس السوبر السعودي    في ثاني مواجهاته بكأس كونكاكاف الذهبية.. الأخضر يتطلع للانتصار أمام أمريكا    الهوية الرقمية والسجل لا يخولان الأطفال لعبور"الجسر"    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    أبو عصيدة والنواب يزفون محمد    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    حققت حلمها بعد 38 عاما.. إلهام أبو طالب تفتتح معرضها الشخصي    جامعة الملك فيصل ضمن" التصنيف العالمي"    "الحج" تطلق استبانة إلكترونية لقياس رضا ضيوف الرحمن    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    أخضر اليد يخسر أمام مصر.. ويلاقي إسبانيا    الأهلي يواجه بالميراس بأمل التعويض    غوارديولا: الموسم الماضي من أصعب المواسم    كشف مهام «وقاية» أمام أمير نجران    أمير القصيم يشهد اتفاقيات تعاون مع «كبدك»    الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. وبيان مملكة السلام    سعود بن بندر يستعرض جهود «تعافي»    وزير العدل يدشّن بوابة خدماتي لمنتسبي الوزارة    «تعليم المدينة»: بدء تسجيل طلبات من تجاوز 21 عامًا    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع اتفاقية لحفر 78 بئرًا في نيجيريا    واشنطن تنشر المزيد من المقاتلات في الشرق الأوسط    رحلة سياحية وتعليمية لا تُنسى    رسالة المثقف السعودي تجاه وطنه    الرواشين.. فنّ يتنفس الخشب    هيئة التراث تضيف مواقع أثرية لسجل الآثار الوطني    الذهب يرتفع مع تراجع الدولار وتصاعد توترات الشرق الأوسط    «الحج والعمرة» تدشّن جائرة إكرام للتميّز لموسم حج 1446    انتظام مغادرة رحلات الحجاج من «مطار المدينة»    انسيابية في حركة الزوار بالمسجد النبوي    فهد بن سلطان للمشاركين في أعمال الحج: جهودكم محل فخر واعتزاز الجميع    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يجري عملية بتقنية المنظار ثنائي المنافذ وينهي معاناة مراجع مصاب ب«الجنف» مع انزلاق وتضيق بالقناة العصبية    صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم 500 مستفيد    مسار الإصابات ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    يا "وحش" .. حين تصبح الكلمة أداة قيادة    المنتخبات الخليجية تفشل في التأهل رغم وفرة الإنفاق    الوفاء .. قصة موسى محرق الأخيرة    لماذا تركت اللغة وحيدة يا أبي    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    سالم الدوسري: هدفنا كان الفوز على ريال مدريد    مؤشر الأسهم السعودية يغلق على انخفاض بأكثر من 120 نقطة    ارتفاع الرمل الأحمر 24.3% يؤثر على تكاليف عقود البناء    تطورات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    الغامدي يلتقي بالمستثمرين وملاك مدارس التعليم الخاص بالطائف    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    السعودية صوت الحق والحكمة في عالم يموج بالأزمات    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    جمعية الصم وضعاف السمع تبحث فرص التعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية    أمير تبوك خلال تكريمه المشاركين في أعمال الحج بالمنطقة جهودكم المخلصة في خدمة ضيوف الرحمن محل فخر واعتزاز الجميع    صورة بألف معنى.. ومواقف انسانية تذكر فتشكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترجمة الشعر
نشر في الرياض يوم 25 - 08 - 2011

يحيط كتاب جديد للدكتور محمد عصفور (دراسات في الترجمة ونقدها) صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بأصناف مختلفة من الترجمة مثل: الترجمة وصناعة المعاجم الثنائية وترجمة الأسماء، وترجمة الأدلة الفنية وترجمات بعض كبار الأدباء العرب مثل إحسان عباس وجبرا إبراهيم جبرا، ولكنه يولي ترجمة الشعر عناية خاصة. فهو يعرض لترجمة سونيتات شكسبير، وكذلك لترجمة قصيدة كافافيس، في انتظار البرابرة، وترجمة نازك الملائكة لقصيدة من قصائد توماس كاري، ويتوقف عند ترجمة الشعر من حيث المبدأ ومدى ما تحققه هذه الترجمة من نجاحات، بادئاً بنقل رأي لروبرت فروست يقول فيه إن الشعر هو ما يضيع في الترجمة. فالشعر، فيما يقال، لا ينفصل عن اللغة التي كُتب بها أصلاً. واللغات لا تختلف في نظمها العروضية فقط، بل تختلف في نظمها الصوتية أيضاً. وهذه النظم كثيراً ما يصعب تقدير تأثيرها في النص الأصلي، ولندع جانباً مسألة الحفاظ على هذا التأثير في النص المترجم، والصيغة النثرية للقصيدة باللغة التي كتبت بها يندر أن تترك في القارئ أثراً معادلاً للأثر الذي يتركه النص الشعري، بل قد لا تغني الشيء نفسه، ثم إن الأدب بعامة، والشعر بخاصة، وثيق الصلة بالثقافة التي تنتجه، وهذا ما يجعل نقله إلى ثقافة أخرى دون خسارة عناصر معينة فيه، أمراً بالغ الصعوبة.
وأخيراً قد توفر لغة النص الشعري الأصلية، عبر تقاليدها الراسخة تاريخياً، أساليب من التعابير الاستعارية التي قد لا تكون متاحة للغة التي يترجم لها المترجم. ومن الجلي أن هذه الناحية تتصل بمشكلة قابلية الاستعارات لترجمة بعامة، وهي مشكلة خاصة من مشكلات الترجمة.
ويضيف الدكتور محمد عصفور: لكن ما يلفت النظر أن المترجمين لم يتمكنوا من مقاومة إغراء ترجمة قصائد يحبونها كُتبت بلغات غير لغتهم رغم كل هذه التحذيرات الخاصة بصعوبات ترجمة الشعر. وقد مورست ترجمة الشعر منذ قرون عدة، وليس من المحتمل أن تتوقف. ومما لا شك فيه أن قيمة الترجمات الشعرية تتفاوت، ولكن هذا الحكم ينطبق على مختلف أنواع الترجمة. فكل ترجمة هي صياغة تقريبية للنص الأصلي. وبعض هذه الصياغات فيها من الأمانة للنص أكثر مما فيها من الجمال. وبعضها فيها من الجمال أكثر مما فيها من الأمانة. وسواء رضينا أم لم نرض، فإن ترجمة الشعر نشاط لا تقل مشروعيته عن ترجمة الأبحاث العلمية أو التقارير التجارية.
ثمة إذن إغراء في بعض القصائد الأجنبية يدفع بالمترجمين إلى نقلها إلى لغتهم رغم التحذيرات، الخاصة بصعوبات ترجمة الشعر. وقد استمر عمل المترجمين هذا منذ أمد بعيد، وليس في الأفق ما ينبئ بأنه قد يتوقف. بالطبع ليست كل ترجمة لنص شعري أجنبي ترجمة فائقة الجودة أو عالية المقام. ثمة تفاوت في ذلك. وفي ما نُقل من مترجمات شعرية إلى العربية، يلاحظ المرء أن بعضها يتضمن أمانة للأصل أكثر مما يتضمن جمالاً ذاتياً مبثوثاً في ثناياه. وبعضها الآخر على العكس من ذلك، فيه جمال أكثر مما فيه أمانة. ويرى محمد عصفور أن ترجمة الشعر نشاط أدبي مشروع مثلة مثل ترجمة الأبحاث العلمية أو التقارير التجارية.
بعد ذلك يرى الباحث أن من الأسباب التي تجعل المترجمين يقدمون على ترجمة الشعر، يبذلون كل ذلك الجهد في هذا العمل المضني، الإعجاب الشديد بالنص الأصلي والرغبة الجامحة بمحاولة المجيء بقصيدة تثير الإعجاب بدورها في لغة الترجمة. طبعاً لا يُترجم دائماً بأسلوب الشعر. لا بل إن معظم القصائد المترجمة إلى اللغة العربية هي ترجمات نثرية.
بعد هذه المقدمة النظرية الصحيحة لمسألة ترجمة نصوص شعرية أجنبية إلى اللغة العربية، يقدم الباحث ترجمة نثرية لقصيدة أجنبية يجدها قارئ الكتاب في ملحق الدراسة، أرفق بها الباحث النص الأصلي، وهي من ترجمة الشاعرة العراقية نازك الملائكة. «ليست الترجمة النثرية هدفاً بحد ذاته، بل قصدت منها أن تكون ورقة التلمس التي قد تفيد في قياس درجة الحرية التي مارستها الشاعرة للتوصل إلى ما قد يكون فيها من جمال. وليس الهدف إظهار مدى ابتعاد الترجمة من النص الأصلي. فقد يكون ذلك تحصيل حاصل في ترجمة كهذه، بل هو البحث في أسباب ذلك الابتعاد. وقد حاولت في هذه الترجمة النثرية الالتزام بالنص الأصلي بقدر الإمكان إلا إذا أدى الالتزام بحرفية النص إلى تشويه المعنى الذي قصيده الشاعر. وقد حاولت الالتزام أيضاً بالبنية الطبيعية للجملة العربية وليس ببنية الجملة الإنجليزية. وقد تطلب الحرص على القراءة الطبيعية إعادة ترتيب الأسطر في بعض الأحيان. وكان شاعري في هذا العمل المقولة التالية: «على الترجمة أن تكون حرفية بقدر المستطاع وحرة على قدر الحاجة». هذا الشعار يصلح في نظري لأن يكون قاعدة ذهبية في كل أنواع الترجمة لأنه يحث على محاولة تحقيق أكبر قدر من الأمانة (أي الحرفية) والجمال (أي الحرية)، ولن تحقق الترجمة الدرجة المرجوة من النجاح إلا إذا حققت هذين الشرطين».
تقول زويا بافلوفسكس في مقالة لها في الموضوع ما يأتي: «تحتاج ترجمة الشاعر، في الوضع الأمثل، إلى شاعر مثله. ولكن هذا المبدأ يستتبع قدراً كبيراً من التساهل إذا أردنا لأصالة المترجم نفسه أن تبقى غير منقوصة. فكلما كانت فردية الشاعر أقوى، قل احتمال أن تكون ترجمته لعمل شاعر آخر مجرد صورة في مرآة. لكن المنطق السليم يقول لنا إن ثمة نقطة تصعب العودة منها، وإذا ما تجاوزتها عملية إعادة الخلق توقفت عن كونها ترجمه».
لا يقصد محمد عصفور «بالحرفية» ذلك النوع من الترجمة التي تصنع لأغراض تعليمية، والتي يوضع فيها سطر من النص الأصلي مع ترجمة تحته تترجم كلماته كلمة كلمة بغض النظر عن سلامة الصياغة في لغة الترجمة. فما يقصده هو محاولة نقل كل وظائف النص الأصلي التعبيرية منها والإخبارية والإيحائية إلى ما يعادلها في النص المترجم كلما كان ذلك ممكناً. ولكن من المستحيل أحياناً أن تكون الترجمة حرفية وأمينة للنص نفسه (بله جميلة). «وقد وقع اختياري باستمرار على البديل الثاني (الأمانة) عندما كنت في حيرة من أمري بين الحرفية والأمانة لأنه ربما كان الخيار الذي يتطلبه المعنى الحقيقي للقصيدة. أما مسألة «المعنى الحقيقي للقصيدة» فهي دائماً مسألة من مسائل التأويل، لا بل إن أحد الباحثين يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن الترجمة هي دائماً مسألة تأويل مهما كان جنس الكتابة. ويضيف: إن عملية التأويل هذه تتطلب تحليلاً منظماً للنص وفهماً منظماً لما فيه من تناص. ومن المفهوم والمسلم به هنا أن النص ليس له سياق واحد، وأنه لا يوجد في فراغ أرشيفي، بل يقوم على قاعدة عريضة من المقولات التي كثيراً ما يشار إليها على أنها شبكة العلاقات الثقافية في لغة النص. ويذهب باحث آخر إلى القول: «كل مترجم مؤول»!
ويرى محمد عصفور أن قدراً من التحرر في الترجمة لا مفر منه حتى عندما يحاول المترجم عامداً أن يلتزم في ترجمته النثرية بالنص الأصلي أشد الالتزام، ولا بد من قدر من التفسير. فإن صدق هذا الكلام على ترجمة نثرية ، فإنه لا بد أن يصدق بدرجة أكبر على الترجمة الشعرية، لا سيماً إذا اختار المترجم الشاعر نمطاً تقليدياً من الشعر يتطلب بحرًاً معيناً من البحور الشعرية، وعدداً محدداً من الوحدات الوزنية، وقافية موحدة ومنتظمة.
وكلها ملاحظات مترجم كبير له خبرة واسعة في موضوع الترجمة، مما يجعل من كتابه هذا «دراسات في الترجمة ونقدها»، مرجعاً لا غنى عنه للمثقف المهتم بهذا الجانب من ثقافتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.