الفرق بين الدمج والإقحام أن الأول جمع بين الشيئين بحيث يشكلان شيئاً واحداً تتوحد فيه الأهداف والبيئة وتتقارب الصعوبات والعوائق، أما الإقحام فهو غرس شيء في مكان يستحيل أن يندمج مع الآخر فيصير تنافراً لا يمكن أن يتحدا. وذلك ينطبق في دمج التربية الخاصة مع التعليم العام الأمر الذي ينطوي على أهداف خلاقة ورائعة تظهر ثمارها على المدى البعيد، ولكن هل تكفي الأهداف والطموحات لتطبيق هذا الدمج؟ قطعاً فإن الأمر لا يقتصر على صياغة أهداف طموحة دون الدراسة الكافية لتطبيق هذا المشروع وقطف ثماره، والواضح أن فكرة دمج طلاب التربية الخاصة بطلاب التعليم العام - للأسف - أقتصر على الهدف دون الدراسة مما أثقل على كاهل طلاب الاحتياجات الخاصة قبل غيرهم وإلا فما الفائدة من اقحامهم في مدارس تفتقر إلى أبسط احتياجات المكان، علماً بأنهم يحتاجون أكثر من غيرهم إلى توافر السبل الميسرة التي تسهل عليهم عملية التعلم بدءاً من دخوله المدرسة، وبيئة الصف، وإعداد المعلمين، وتوفير الوسائل التعليمية وإن لم يكن ذلك فالأولى تسجيلهم في التعليم العام دون الالتفاف فيما لا يرجى نفعه. وإنني حين أتحدث عن الدمج فإني أتحدث عن واقع مدرستي المتوسطة الثانية التي يطبق فيها برنامج ضعاف السمع وعيوب النطق وهي المدرسة المتوسطة الوحيدة في مدينة الرياض التي تخدم هذه الفئة وتنطلق الباصات محملة بطلاب البرنامج من أطراف المدينة شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وإذ ذاك فهي تنطلق من ساعات الفجر الباكر يمضون في الباصات ما لا يقل عن ساعات ثلاث إن لم تكن أكثر، وضع نفسك مكان هذا الطالب الذي يجلس في الباص ساعات طوال ليصل إلى المدرسة منهكاً متعباً على ما به من ضنى أصلاً، فتراه يأتي متمللاً، عن المدرسة راغب وليس إليها، خادوي البطن قبل الفكر حتى يحين موعد الفسحة في تمام التاسعة والربع بمعنى أنه يجلس ست ساعات على هذا الحال فهل نرجو منه إبداعاً أو تفوقاً، أضف إلى ذلك افتقار المدرسة إلى أبسط المقومات التي يحتاج إليها طالب التعليم العام، هذا من جانب الامكانات أما من جانب المعلمين فلا تأهيل لهم سوى الدبلوم الذي يحرص عليه المعلمون طمعاً في النسبة فقط وأعني النسبة المئوية التي تضاف إلى الراتب لحامل الدبلوم التأهيلي. أضف إلى ذلك أن دور الإشراف يقتصر على معلمي التربية الخاصة في الالتزام بالحضور والتحضير الكتابي فقط، لأن المشرفين التربويين لا يستطيعون مطالبة المعلمين بشيء هم لم يطبقوه أصلاً في قصر البرنامج لما وضع له. كما أضيف هنا أن الجهة الإدارية المشرفة على البرنامج في المدرسة تتداخل أدوارها فيما بينها فمشرف التربية الخاصة المقيم تتداخل أدواره مع الوكيل والمرشد الطلابي مع الأخصائي النفسي الأمر الذي يصعب معه وضع خطة دقيقة لتحديد الأدوار والارتقاء بالأداء، فكيف للمرشد الطلابي وهو نقطة الارتكاز في حل ومعالجة قضايا الطلاب كيف له أن يحدد عمله وهو مطالب بمعالجة مشاكل الطلاب من التعليم العام والخاص في آن واحد ولعل ذلك دليل على عدم وجود خطة محددة للعمل الأمر الذي انعكس على طلاب التعليم العام. ولك أن تتخيل مدرسة تضم في جنباتها ما يفوق 500 طالب ليس بها إلا هاتف واحد تتنازعه عدة أطراف. ليس من الصعوبة إيجاد حلول لهذه المعضلة إذا وجدت من يفكر في الحل أصلاً، إذا لو خصصت في كل مركز من مراكز الرياض التعليمية مدرسة واحدة لتيسر الأمر، فمعلوم أن الرياض يضم مراكز تخدم المناطق بدءاً من مركز إشراف الشمال، والوسط، والشرق، والغرب، والسويدي، والجنوب، وليس صعباً أن توجد تحت مظلة كل مركز من هذه المراكز مدرسة تخدم البرنامج لضعاف السمع وعيوب النطق، يسهل الإشراف عليها والرقي بدورها، وجعلها أداة فاعلة لا مشلولة، ومن جانب آخر يجري على قسم التربية الخاصة بالوزارة إعادة هيكلة البرنامج التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة والحرص على تأهيل العاملين فيها تأهيلاً يخدم الأهداف المنوطة بالبرنامج وانجاحها. ورسالة من القلب إلى الأمانة العامة للتربية الخاصة أطالبهم فيها البعد عن النمطية في الإشراف، وتكثيف الزيارات الميدانية، والجلوس مع طلابهم والكشف الدقيق عن أهلية المدرسة التي تضم مثل هذه البرامج، ومدى مناسبتها لتكون بيئة صالحة لذوي الاحتياجات، أو نقل البرنامج إلى مدرسة أكثر صلاحية، ولا يعني اختيار هذه المدارس في زمن مضى صلاحيتها على الدوام، فالعوائق والعقبات التي تواجه برنامجاً في مدرسة ما قد تزول في مدرسة أخرى، وأمر مهم عند اختيار المدارس لذوي الاحتياجات دراسة الموقع جغرافياً قبل الدخول إلى المدرسة، التركيز على المكان ذي الشوارع الآمنة. ٭ وكيل المتوسطة الثانية بالرياض