برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    الذهب يستعيد بريقه عالمياً    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    محافظ سراة عبيدة يكرم المشاركين والمشاركات ب أجاويد2    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    رئيس الوزراء الباكستاني يثمِّن علاقات بلاده مع المملكة    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    الهلال يفرض سطوته على الاتحاد    قودين يترك «الفرسان»    السعودية.. بلغة «نحن» !    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    أشعة الشمس في بريطانيا خضراء.. ما القصة ؟    إيقاف 166 في 7 وزارات تورطوا بتهم فساد    جميل ولكن..    السعودية تتموضع على قمة مسابقات الأولمبياد العلمية ب 19 ميدالية منذ 2020    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    الشرقية تشهد انطلاق الأدوار النهائية للدوري الممتاز لكرة قدم الصالات    القيادة تعزي رئيس الإمارات في وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    الاقتصاد الوطني يشهد نمواً متسارعاً رغم المتغيرات العالمية    وزير التعليم في مجلس الشورى.. الأربعاء    وزير الاقتصاد والتخطيط يجتمع مع وفد ألماني    33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية    استشهاد ستة فلسطينيين في غارات إسرائيلية على وسط قطاع غزة    إطلاق مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    النصر يضرب موعداً مع الهلال في نهائي أغلى الكؤوس    الإبراهيم يبحث مع المبعوث الخاص الأمريكي لشؤون الأمن الغذائي العالمي تحسين النظم الغذائية والأمن الغذائي عالميًا    الحزم يواجه الأخدود.. والفتح يلتقي الرياض.. والأهلي يستقبل ضمك    عبدالحميد: اعتذرت لجماهير الاتحاد    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    وزير الصحة يلتقي المرشحة لمنصب المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة الحيوانيّة    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. حرس الحدود يدشن بوابة" زاول"    الفريق اليحيى يتفقد جوازات مطار نيوم    أمير الشرقية يثمن جهود «سند»    بمناسبة حصولها على جائزة "بروجكت".. محافظ جدة يشيد ببرامج جامعة الملك عبدالعزيز    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    الجوائز الثقافية.. ناصية الحلم ورافعة الإبداع    مفوض الإفتاء بالمدينة يحذر من «التعصب»    أمن الدولة: الأوطان تُسلب بخطابات الخديعة والمكر    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    فرسان تبتهج بالحريد    التوسع في مدن التعلم ومحو الأميات    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القبلية: عجز الأكاديمي ومراوغة المثقف.. في كتاب مثير.. نعيمان عثمان يتقصى قيم وثقافة القبلية
نشر في الرياض يوم 27 - 01 - 2011

إذا كانت القبيلة كما يعرفها أحد المواقع كمدخل له هي» جماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى، وتتكون من عدة بطون وعشائر. غالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليما مشتركًا يعدونه وطنًا لهم، ويتحدثون لهجة مميزة، ولهم ثقافة متجانسة أو تضامن مشترك (أي عصبية) ضد العناصر الخارجية على الأقل».
تنتشر القبائل في كل قارات العالم، منها ما اندثر كما هو الحال مع بعض القبائل الأوروبية مثل الجرمانيون، ومنها ما كاد يندثر مثل قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية والجنوبية, ومنها ما ذاب في المجتمعات الحضرية المتاخمة كما هو الحال مع بعض قبائل جنوب غربي آسيا وتختلف عادات هذه القبائل وطرق معيشتها وفنونها وأنظمتها الاجتماعية».
بهذا التعريف السريع المختصر يختزل فيه مدونة تاريخ طويل يمكن تقصيه وتسجيله في مجلدات, عن نشوء بعض القبائل ومدى التحولات التي صارت لها حتى تلاشى بعضها, والبعض الآخر يرى أنه في الطريق حيث ذابت في المجتمعات .
في كتاب (القَبَليَّة –عجز الأكاديمي ومراوغة المثقف ) يدخل الدكتور نعيمان عثمان إلى موضوع القبلية بمقدمة مسهبة دقيقة تتكئ على قراءات لأبحاث ومؤلفات عديدة إضافة إلى الدخول في مواقع ومدونات تهتم بتدوين بعض الخصائص والصفات التي تندرج في مفهوم القبيلة/القبلية , والأنساب حيث تتداخل بعضها ببعض , فيذكر عددا من أسماء الباحثين الذين تطرقوا إلى هذا الموضوع حسب طرق تناولاتهم مع /ضد مثل صادق جلال العظم , والطيب تيزيني ,وهشام شرابي , جورج طرابيشي وعزيز العظمة من حيث تناولهم القبلية والعشائرية من منظور ايديولوجي حسب توجهاتهم الشخصية , فكانت تومئ إلى ما يشبه المناورة في الإدانة أو المواءمة بدوران حول المصطلحات والمقاربة والمباعدة في عملية مراوغة بين ال(مع/ضد) في الرصد لتعريفات تأتت من أبحاث لمستشرقين من الرحالة وما في هذه الدائرة من كتابات إما وصفية أو أنثروبولوجية لامست مكونات القبيلة كإطار يتسع باتساع الكد في البحث عن إضافات يتوجبها الموقف .
كتب الأنساب تحظى برواج كبير في دول الخليج والأردن
فهو يذهب إلى إطلاق إشارة البدء بثلاثة أقوال لبعض الباحثين منها قول بول رابينو (( ما لا يمكن نقاشه علنا لا يمكن تحليله أو دحضه. لا يمكن اعتبار القضايا المركزية التي تطرح للتحليل أو للدحض تافهة أو غير ملائمة. ندرك أن التكتيك الأكثر ذيوعا للنخبة .. هو رفض الدخول في نقاش. تصنف القضايا التي تسبب الإزعاج بالابتذال والبذاءة ))
ويشير في التقديم بالكلمة الأولى التي هي مدخل بأن الأقوال التي ساندت التوجه الى كتابة البحث بأنها لاتشي بأدنى حد من التحليل الذاتي أو الاستفادة من العلوم الحديثة بل تدل على تشبث ونمذجة الثقافة المحلية السائدة , ويضيف بأنه في هذا الكتاب حاول أن يتقصى حالة القصور الشنيع في العلوم الاجتماعية والانكفاء على الذات. في مقابل هذا القصور نجد السطوة الفكرية والعلمية التي تمثلها إلى حد ما (مجلة العلوم الاجتماعية) . وسعى لإظهار مواطن العجز حتى لدى النخبة من المؤلفين العرب، وتتبع مزاعم كتاب غربيين يريدون عن طريق بحوثهم إجراء عمليات تنميط وتصنيف ووصم ينال كل جوانب الحياة والفكر والسلوك عند العرب والمسلمين ؛ حيث يجاريهم في هذا المسار بعض الكتاب العرب لأسباب متفاوتة بين حماس لجماعة أو بلد أو ثقافة , لكن هذا لا يضيف إلا المزيد من الانصياع والانعزال.
الغذامي والصويان والتركي واليماني وابن صنيتان والجريسي وقبلهم الجاسر محليا/إقليميا
يذهب الباحث إلى أن هناك تردياً مجمعاً عليه في مستوى بحوث العلوم الاجتماعية في العالم العربي، ولكنها لا تواجه بالنقد والنقاش حيث تمر ويشتهر بعضها بالرغم من مستوياتها الضعيفة ومغالطاتها، ولجوئها إلى الذاتية المغرقة، ما يجعلها راسبة في القوقعة، غير مؤثرة في مسائل الإنارة المعرفية في الوقت الراهن , ويري ما يؤيده في مثل قول إدوارد سعيد ((لاشيء ينافس في تفاهة الدراسة الذاتية النرجسية التي تعد الآن في أماكن كثيرة سياسية الهوى أو دراسات إثنية أو ترسيخ الجذور والمباهاة الثقافية وضرب طبول القومية )) ويمر بشرائح من الآراء التي تضمنتها كتب بعض الباحثين حول الموضوع مثل كتاب البدو والبداوة ,مفاهيم ومناهج لمحي الدين صابر ولويس مليكة , كتاب المجتمع العربي المعاصر: بحث في تغير الأحوال والعلاقات لحليم بركات، حيث يذهب (=بركات)إلى أن في الجزيرة العربية والبادية السورية ثلاثة أقسام من القبائل دون تعمق في دراسة ونقاش بتعمق في علم الاجتماع , ومن ثم في وقفات مطولة مع أبحاث وكتب ومدونات للدكتور سعد الصويان حول المورث والبداوة والنسب والقبيلة ومدى توجهه كمتخصص في هذا المجال , كما تناول بعض أبحاث حمد الجاسر في المجال المندرج في السياقات المتماشية مع التأصيل والتنسيب , ومع غيرهم من الكتاب الذين كتبوا عن القبيلة والقبلية , ليصل إلى أن للكتاب والمثقفين دوراً هاما ركيزته أحيانا الوهم والإيهام , في رسم تصورات معينة عن المجتمع بعضها قد يكون ضروريا لخلق نوع من التجانس والهوية, "لكن المعضلة تكمن في تحول ادعاء الخصوصية إلى تحيزات فجة ضد الخارج والجوانب الأضعف في الداخل وفق التصور الحالي المبني على قراءة انتقائية ومتعسفة للماضي". إن دورهم معقد في صنع الثقافة وفي صياغة الماضي والحاضر , وقد يتضخم هذا الدور لدرجة تنفصم فيها صلتهم بالمجتمع , فرغم أنهم يزعمون الموضوعية والنزاهة فإنه ليس واضحا تماما باسم من يتحدثون ومصالح من يمثلون، يميز جورج بوند وأنجلا غليام بين المثقفين التقليديين الذين يمثلون مصالح عهد سابق، والمثقفين العصريين الذين يسعون إلى صياغة المجتمع بطريقة ملائمة لمصالح المجموعة التي هي في طور السيطرة .
يمكن بسهولة تصنيف الجاسر في المجموعة الأولى بحكم الفترة الزمنية , لكنه في واقع الأمر هو أقرب إلى المجموعة الثانية. يختلط الدوران بالنسبة للصويان والعبادي فهما متشبثان بماض انقضى من خلال تصور محدد يعزز منظورهما للأوضاع القائمة حاليا , وفي مسعاهما هذا يؤسسان لمفهوم جديد للمجتمع يشاركهما فيه الجاسر : المجتمع المتجانس عبر تعميم "البدونة" و "القبلية" بدل قبائل منفردة . إنه نوع من "القبلية" كأيديولوجيا للمجتمع والبلد . في هذا يكمن تفهم إصرار الجاسر والصويان على استعمال "قلب الجزيرة" وعلى قيم وعادات يمكن تعميمها أو نشرها على مستوى الوطن
ويماهي ذلك الموقف بالنسبة للمصريين محمدحسين هيكل وأحمد أمين ، وموقف عبدالرحمن الكواكبي الذي وجد أفضل الخصال في بدو الجزيرة العربية فأهلها هم الأعرق والأحفظ لعاداتهم . ويمر على المسميات التي يلجأ إليها الباحثون حيث تتداخل وتتشابك فيعتقد أنها كلها تعني القبيلة مثل "البداوة" و "العشيرة،" و"القبيلة"و "النسب" ليس في منظور الباحثين العرب وإنما كذلك المستشرقين الذين عنوا بالكتابة سكان البلاد التي جابوها كرحالة أو مستكشفين لأغراض معينة.
يتركز الهم في أن يكون الولاء للوطن الذي يحوي الجميع الحضر/البدو، فكما في البادية قبيلة كذلك في الحاضرة ولكن بمرور الزمن يكون الاندماج في الكيان الأكبر الحاضن للجميع , وهنا ليس من تعارض بين المحافظة على النسب ومعرفة السلالة بالتراتب الأسري المتقارب , فهو لا يدفع للعزلة بقدر ما يجمع , ولكن العصبية القبلية التي تقدم على أنها الملجأ وأنها لا سواها هي المكون للمجتمع فهو ما يتعارض مع مفهوم المدنية وكيان الدولة الذي هو الكيان الكبير الذي يتوجب المحافظة عليه بالانتماء الكلي , وقد وفق الباحث في أن جمع الكثير من الشواهد التي تؤيد أن الحياة العصرية هي الكفيلة بتوسيع دائرة الانتماء الكبير بالرغم من تخبطات بعض الباحثين لأسباب معروفة دفعتهم لكتابة بعض الكتابات التي تنحو منحى العزلة في وقت تسود فيه ثقافة الجمع والاجتماع الموثق للحلقات المجتمعية في حياة الأمة .
هناك أقوال عن القبيلة يرددها الغذامي دون وعي للجدل حولها، فبالنسبة له هي مرحلة تطورية في تاريخ البشرية تسبق مرحلة الزراعة، لكن اليونسكو في قاموس العلوم الاجتماعية (1964م) أسقطت المراحل التطورية. هذا ليس مجرد تعديل، لكنه ابتعاد عن تصور نموذج أوروبي، على بقية التكوينات الاجتماعية، ونظرة مختلفة لفكرة التقدم الحتمي لكل المجتمعات، التي كانت جزءاً من مفاهيم عصر الأنوار. أما حديثه عن «علاقة وثيقة بين القبيلة والترحال»، «فالبدوي مترحل وهو بالضرورة كائن قبلي، والحضري مستقر ويكون كائناً عائلياً كذلك» فإنه يتطلب بعض التدقيق. يستعمل الغذامي هنا كلمة «حضري» ربما في إشارة إلى مرحلة أكثر تقدماً من الاستيطان والاستقرار لمدن قبلية التكوين. أما بالنسبة لريتشارد تابر فإنه يؤكد أن من الخطأ المساواة بين البدوي والقبائل، فليس هناك في الوعي، كنظام إنتاج أو في الترحل كأسلوب حياة، ما يحتم الانتظام في «قبائل». تأييداً لفكرة «البداية» و«الأصل». يزعم الغذامي أن «البدو أصل والمدن فرع لهذا الأصل»، ويربط ربطاً متعسفاً بين الطبقات والمهن. يضفي على النظرة القبلية المترحلة الخصال المعروفة دون تجاوز المعرفة العادية مساواة وحرية وكرم. يبقى السؤال لماذا لم يمد الغذامي يده حتى لكتب ليست أكاديمية، ففي بعضها مثل «البدوي الأخير» لمايكل آشر و«(الجزيرة) العربية القاصية» لبيتر برنت و«(الجزيرة) العربية الآسرة) لكاثرين تيدريك ما يبدد شيئاً من غمامة الذباب. أما الكتب العلمية فإنها تضع موضع التساؤل والشك القيم والمثل الأساسية: المساواة والحرية والكرم و«حفظ النسب» وصفاء العرق ونقاء اللغة. قد لا يكون الغذامي في غفلة تامة عن بعض ما يقوض، أو على الأقل يضعضع نظرته العامة، فهو يقول إن «العربية هي تصور ثقافي»، ما يقربه من مقولة «التركيب الاجتماعي». ويترجم عبارة ل «بومان» ب «متخيل حكائي»، وهذه قريبة أَيضاً من قوله إن تأصيل الهوية ينبني على «تصور أو تخيل تاريح أو سرد أو أسطورة معينة». كذلك ترد في كتابه عبارة «الهوية كمخترع ثقافي)، والجماعة ك «معنى مجازي».
لا يكف الغذامي عن لوم بعض المثقفين العرب الذين يعدون من مؤسسي الحداثة «لرجعيتهم» مثلما فعل على المستوى المحلي مع بعض أقرانه السابقين. من أهم هؤلاء أدونيس، لكنهما يتفقان في تصديق بعض المقولات عن القبيلة. يعترض الغذامي على ترجمة عنوان كتاب أمين معلوف «بدايات» مفضلاً «أصول»، لكن أدونيس يستخدم نفس الكلمة في عنوان كتابه «كلام البدايات». يكثر الغذامي من الاستشهاد بالتراث العربي خاصة الشعر، أما أدونيس فإنه يحاول في كتابه التعرف على الجوانب التي ينتصر فيها الشاعر الجاهلي على قيود القبيلة. مع هذا فإن طرحه عن «القبيلة في بنيتها ودلالتها» لا يختلف في تقليديته عما يقوله الغذامي: إنها «جماعة من أب واحد... ورابطها الأساس إذن هو الدم أو النسب الواحد... ويستوي في هذه البنية القبلية أهل البادية من العرب وأهل الحضر... والأسرة هي أصغر وحدة من وحدات القبيلة... وليست هذه البنية اجتماعية وحسب، وإنما هي سياسية أيضاً، فالقبيلة هي الدولة»! بعض العبارات تتشابه عندهما وبعض الاستشهادات تتطابق، لكن أدونيس يرى أن «بنية القبيلة هرمية»، فيها «تميز بناء على المنزلة وفيها استعباد للرقيق وازدراء للمستضعفين». لا ينفي وجود قيم إيجابية مثل النخوة والكرم والمروة إلا أنه يلوم «الأحادية»، كما يفعل الغذامي، في الاعتماد على رعي الإبل الذي لا يتطلب جهداً أو طاقة ومن ثم نشوء الكسل والخمول مما يؤدي إلى «نمطية في التفكير والتعبير». ما يتمرد على هذا الوضع هو «المعلقة» التي لا تعكس قيم القبيلة بل تخرج عليها. في كتابه «الثابت والمتحول» يحدد أدونيس اتجاهين في الشعر الجاهلي، أحدهما «يخرق العادة القبلية: يهدم القيم بممارسة فردية لقيم أخرى لا تقرها القبيلة» و«وجه آخر يحتله زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني وأمثالهما فهؤلاء يرتبطون عضوياً بالقبيلة». وكما عنون الغذامي فقرة في كتابه ب«معاش واحد/ نسق واحد»، وشكا من «طغيان الأحادية فينا»: «أصل واحد: آدم، ودين واحد متعدد ومتشعب» فإن أدونيس يرجع «بنية الفكر العربي السائد» إلى «وحدة الجماعة، وحدة النص، وحدة الحقيقة، وحدة السلطة» ويلوم النهج الذي يسير عليه «العرب الذين يمارسون الفكر» لأنهم «يعربون فكر الآخر». يضرب كمثال «تكون العقل العربي وبنيته» الذي، مثل غيره، لا «يطرح سؤالاً واحداً حول الأسس...». لا يعني هذا أن أدونيس يستسلم، فهو «يستعيد» وضعاً «أصلياً» أفضل، ف «العروبة، - أصلياً -، متعددة، لا واحدية»، والقصور يكمن في غياب النقد الشامل. لكنه، بخلاف المارقين على القبيلة الذين احتفى بهم، «شخصياً لا أجرؤ على أن أمارس مثل هذا الفكر، وإنني لا أجد عربياً واحداً يمتلك هذه الجرأة» في دراسة «أصول الفكر العربي - الإسلامي». كذلك يختار الغذامي الاقتداء بالبدوي الذي «يرى التستر والتمويه وسيلتين طبيعيتين للبقاء». عموماً، «الصمت درع حصافة»، وهو ميزة، ف «الحياة ببعديها الاقتصادي والسياسي وحتى العلمي - كشأن البحوث العلمية - لا تقوم إلا بشرطي التستر والتمويه إلى أن يحين وقت المكاشفة».
يلتزم الغذامي وأدونيس بمبدأ الصمت والتمويه، فلا نقد هنا للمفاهيم المتداولة عن القبيلة والبنية. يُموه أدونيس بتلميحة إلى محمد عابد الجابري عبر كلمات من عناوين كتبه، لكنه لا يذكر أيا منها بالاسم، ويتعرض له بالشتيمة بأنه ناقل دون فكر، لكن الجابري بالتأكيد ليس مجرد «معرب» -بما في هذه الكلمة من إغفال لأهمية المهمة - وإنما هو قارئ جيد للفكر الغربي. إن الجابري نفسه يلوم المناهج الغربية، كما رأينا في الفصل الثالث، وينتقي منها ما يلائم موضوعه وتوجهه. أما الغذامي فإنه يتجنب حتى ذكر المؤلفين العرب، خصوصاً من كتبوا عن موضوع بحثه، واللمحات التي يوردها عن روجيه عساف وأمين معلوف ليست نقاشاً بقدر ما هي استشهاد. يهب للرد على هجوم نزار قباني على «ثقافتنا وتاريخنا الذاتي» و«رموز حياتنا كالجمل والصحراء والخيمة والوشم». ويقوده الدفاع إلى أقوال تشبه ما ورد عند الجاسر والصويان (الفصل الثاني) عن «الجزيرة» ك «مرجع ثقافي للأمة (تتميز) بلغة باديتها حتى صار ذلك هو المعجم النحوي والدلالي للغة الحضارة في بغداد وهو الحجة المعتمدة...». يتمادى في «التفاخر» المعنصر، فيتحدث عن «فتح عرقي» مع الفتح الجغرافي والفتح الديني، ويذكر «تعرب شمال إفريقيا وبلدان الشام»! ومع المعلومات القاصرة والمقارنات المجحفة والاستعمالات الملتبسة يعلن الغذامي دونما حاجة هنا للتمويه: «أنا لست أعتذر عن الالتباسات في هذا العمل الشاق». رغم أنه يلقي باللائمة على النفط كمكسب لبعض الخلل في المجتمع إلا أنه هنا لا يتمعن في آثاره على شعوب المنطقة وعلى مفكريها الذين شاهدوا الأضرار التي ألحقها في مسيرة تقدم متدرجة ومتوازنة، ولما جلبه من نفوذ خارجي وهيمنة. لا يبدي الغذامي تفهماً للغبن لدى المفكرين والأدباء للنفوذ النفطي الذي خلق ارستقراطيات بين ليلة وضحاها، وعزز أساليب حكم داخلي تطغى عليها الزبونية وسياسات خارجية تابعة للغرب.
من المؤلفين الذين يستعين بهم في كتابه «القبيلة والقبائلية» اسم لامع كفيلسوف وناشط اجتماعي وحقوقي (حتى قبل استعمال هذه الكلمة الذائع في عبارة «حقوق الإنسان») وهو برتراند رسل وجورج ستاينر الناقد والمنظر في اللغة والأدب والترجمة، لكن لا يخطر على بال الباحثين المتخصصين هذين الاسمين كمرجع لدراسة الهوية أو الإثنية أو أي من المواضيع التي تقع في صلب كتاب الغذامي. مع هذا لا يمكن أن نفترض وقوع مؤلفاتهما في يد الغذامي، إذ إنه عمل، كما يقول في المقدمة. على الكتاب بعد أن كان مقالات صحفية. تلقى «مؤازرة» وملاحظات، ودخل في نقاش مع متخصص أكاديمي في الإنثربولوجيا كتب رسالته الحديثة نسبياً عن توطين قبيلة، وطلب مراجعة محرر أدبي له. يصنف «هاردن» ثلاث طرائق للمعرفة: الأولى عن قصد؛ والثانية مصادقة إذ إنها قد تمطر علينا ونحن نقوم بعمل آخر. نحصل على معرفة من هذا النوع عندما نقرأ جريدة أو مجلة للمتعة، وليس لأننا نتوقع معرفة مفيدة؛ وأخيراً، معرفة مفروضة علينا مثلما يحصل في المدارس التي تلقن وتدرب طلابها. بالإضافة إلى المعرفة المنتجة اجتماعياً، يحصل الفرد على المعرفة من السلطات الموثوقة. تعتمد معظم معرفتنا على سلطة مثل الجريدة أو الانسيكلوبيديا (دائرة المعارف)، وهذه ترجع لسلطات أخرى للحصول على معلوماتها. تعتمد معظم معرفتنا على سلطة ما، فنادراً ما نقوم بأنفسنا بالبحث عن الحقائق، ومن ثم ضرورة التحقق من السلطة. (كما سيأتي حالاً، يرفض بوبر هذا المبدأ.) في هذا شبه بالتحقق من مصداقية رواة الأحاديث النبوية وأسلوب الإسناد، إذ إن التركيز لا يكون على الفحوى بمقدار ما هو على أمانة الناقلين. لا يمكن لأي «خبير» إلا وأن يعتمد في جوانب من معرفته على آخرين دون التحقق منها، وهكذا يتبلور نظام للمعرفة في تعارض مع نتف المعرفة المنعزلة. هذا يتطلب توزيع عمل بحيث يتخصص الأقدر في القيام بدوره، ونحن نعتمد على المتخصصين الذين قد تكون لهم أخطاؤهم لكنهم بالضرورة أعرف منا. سنتساءل إن كانت «سلطة» رسل وستاينر مبررة هنا بعد تتبع استعمال (أو سوء استعمال) الغذامي لهما، أم أن سلطتهما تنبع من شهرتهما، وبذا أهميتهما تكمن في عدهما أسلافاً فكريين في جينيولوجيا البحث.
في مقدمته يقول الغذامي حسباً «لقد لاحظ برتراند رسل ومن بعده جورج ستاينر أن المدينة الكبرى الحديثة لا تختلف عن القبيلة القديمة»، لكن لا صلة للمؤلفين بما ينسبه إليهما، بل حتى الرابطة «ومن بعد» قد تعطي انطباعاً خاطئاً بأنهما كانا يبحثان في نفس الموضوع وبطريقة متتابعة زمنياً. سأتتبع ما يقوله الغذامي عنهما وما يرد في الأصل، وسأتحاشى اتهامه ب «التضليل» كما فعل عند إشارته إلى «خطأ» مترجم كتاب أمين معلوف لاستعماله «بدايات» بدل «أصول» في العنوان. بعد الرجوع إلى مصدر تراثي (الزمخشري) لشرح كلمة «حسب» يستعين الغذامي برسل الذي أشار إلى «صفات ثلاث ظلت مطلباً غريزياً للإنسان، وهي صفات المجد والسلطة والتنافس». الصلة واهنة بين ما يكتبه رسل وما يزعمه الغذامي ومن ثم ضرورة مقارنة النصين. قد يكون الغذامي، كما يقول في مكان آخر، «معرباً» وليس «مترجماً»، لكن التعريب يتطلب دقة تفوق مجرد الترجمة التقليدية إذ إنه يتطلب سك كلمات أو إضفاء معانٍ جديدة لكلمات موجودة في اللغة. يشمل تعريبه عبارات مثل «الطبقة الذاتية» التي يوردها قبل حديثه عن رسل لكن يصعب حتى التنبؤ بأصلها.
وكما وقف الباحث مع الغذامي هذه الوقفة المطولة تناول بالتحليل في نفس المستوى في الفصل الخامس(إقليمية, مناطقية, فئوية)ففي نجد مثل (عنيزة) وماكتب حولها اجتماعيا يدخل في دائرة النقاش كتابات سعد الصويان وثريا التركي بوقفة مطولة ثم في (تحجيز مقابل تنجيد) نجد/حجاز، يدخل في ملاحقة الهوية لدى مي يماني ويقارنها بحمزة الحسن ويقابلها بثريا التركي ثم تدخل الدائرة في النخبة القبلية محمد بن صنيتان في كتابه النخب السعودية: دراسة التحولات والإخفاقات، ثم يتناول كتب عبدالعزيز الخضر (حول تشكيل النخب السعودية) فهو لم تفت عليه صغيرة أو كبيرة يمكن أن تثري الموضوع إلا وذكر منها أو ألمح إليها سواء في الكتب أو المجلات والحوليات والمواقع وكذلك الفضائيات , وهو قد اتبع في تبويبه للكتاب على النحو التالي :كلمة أولى : الفصل الأول القبلية قيم وثقافة , الأخلاق القبلية, ثقافة الصحراء: الرواية البدوية ,الفصل الثاني: الأنساب والتصنيف, الفصل الثالث: الدولة والقبيلة, الفصل الرابع: القبيلة : عودة أم استعادة, , بدل الأشباه والنظائر فروق واختلاف: أي معرفة, الفصل الخامس: إقليمية , مناطقية , فئوية , تحجيز مقابل تنجيد النخبة القبلية ,ملحق صور.
وقد وصف الكتاب الباحث طلال السيد كما ورد على الغلاف الأخير:"هذا الكتاب جدا لافت ,. إنه بحث أكاديمي جاد لكنه في الوقت نفسه مثير للتفكير ومحفز على النقاش. يجمع الكتاب -على نحو مدهش- بين معرفة عميقة بالدراسات باللغة العربية والبحوث العلمية باللغة الإنجليزية . إنه محاولة هامة جدا للتوصل إلى نظرة عربية نافذة تتجاوز كلا من الفكر الغربي المهيمن والمنظور العربي المبالغ في القومية والمحلية. هذا الطرح يتجلى بطريقة باهرة في هذا الكتاب. إنه إسهام جذري وعظيم الأثر في عدد من النقاشات المعاصرة"
** الكتاب صادر
عن دار (جداول )
د. نعيمان عثمان
حمد الجاسر
د. سعد الصويان
د. خالد الجريسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.