إنّ المتأمل في الشريعة الإسلامية يجد أنها جاءت بالتوسيع على الخلق وسد منافذ التضييق والحرمان، وهذا ظاهر في كثير من مقاصد الشريعة وقواعدها الرئيسة، ولأجل هذا، نجد أنّ الشريعة راعت سعة المباح ومحدودية المحرم (فالأصل في الأمور الإباحة)، وهذا مأكده "د.أحمد الخالد" -الأكاديمي والباحث الشرعي- مشيراً إلى أنّ باب سد الذرائع ليس له صفة الديمومة والثبات – من منطلق أنّه عرضي غير أصلي– ففي كثير من الأحكام؛ نجد أنّ سد الذرائع يتغير بتغير المجتمعات وتغير الأزمان وظروفها، وسد الذرائع الأصل فيه منع المباحات التي قد تفضي إلى محرم ظني، فهو مباح أصلي والمنع عارض عليه ذلك أن قاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح. وأضاف: "من المسائل الشرعية التي أُسيء استغلالها وفق رؤية سد الذرائع قضية القوامة والوصاية، وقبل استعراض صور هذا الاستغلال لا بد أن نتعرف على المقصود بالقوامة، فالقيِّم هو السيد، وسائس الأمر، وقيِّم المرأة: زوجها أو وليها؛ لأنّه يقوم بأمرها وما تحتاج، وهو راعي مصالحها، وتعني القوامة اصطلاحًا: ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شؤون زوجته، والقيام بما يصلحها، وعلينا أن نعلم أنّ قوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليست مجرد القيام بأمرها أو نهيها، بل الاهتمام بأمرها كله والنظر فيما يعنيها ويهمها من أمور حياتها والإنفاق عليها ورعايتها"، مشيراً إلى أنّ المقصود بقوامة الرجل على زوجته: قيامُه عليها بالتدبير والحفظ والصيانة والنفقة والذبِّ عنها، وهذا من أعظم الشرف الذي حظيت وتحظى به المرأة، أن تكون مصونة، محفوظة، يُسعى عليها وتُلبى كل حاجاتها. وأوضح أنّ كلام أئمة التفسير والفقه يظهر أنّ قوامة الرجل على المرأة هي قوامة تدبير، وحفظ ورعاية وذبٍّ عنهن وسعي فيما يجب عليهن لله ولأنفسهن، وليس المعنى المقصود كما يتصور البعض قوامة القهر والتسلط والتعنت والإقصاء والتهميش باسم القوامة، مشيراً إلى أنّ القوامة تكليف أكثر من كونها تشريفاً، فهي تحمّل الرجل مسؤولية وتبعة خاصّة، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من التعقّل والرويّة والأناة، والقيام بكامل الواجبات والحقوق، وعدم التسرع في القرار، كما أنّه لا يعني مصادرة رأي المرأة ولا ازدراء شخصيتها، وسلبها حقوقها المتعددة. وأكد على أنّ قوامة الرجل على زوجته التي قضى بها الشرع هي ما تقتضيه الفطرة وأصل الخلقة لكل منهما، وهذه القوامة هي في مصلحة المرأة نفسها، حيث إنّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة، لأنّ القوامة ليست تسلطاً ولا تعنتاً ولا قهرًا، كما أنّ صفة القوامة ليست دليل التفضيل المطلق، مشيراً إلى أنّ القوامة لها مقتضيات عدة منها الإنفاق على الزوجة، لا أن يكون الزوج مخلوقاً طفيلياً يعتاش على غيره ويسلب المرأة حقها ومالها في آن واحد ، ومن صور حفظ الشريعة لمكانة المرأة والرفع من قدرها إقرار حق التمليك لها، والتصرف وإدارة مالها الخاص، فسدّ الذرائع هو منع الطرق والوسائل التي ظاهرها الإباحة؛ لكنها تُفضي إلى الممنوع. وقال "د.الخالد": "إنَّ ما نراه من المبالغة في سد الذرائع بحجة الغيَرة على الأعراض لا يخدم بل يفضي إلى تقحم الحرام، كردة فعل منهم على التشدد، وكأنّ المرأة محل الشبهة الدائم، والخزي القائم"، مشيراً إلى أنّ التجاوزات والأخطاء من البعض ينبغي أن تحصر في حيزها ونطاقها الضيق اللائق بها، منوهاً إلى قول "ابن عاشور" -في كتاب مقاصد الشريعة-: "إنَّ الشريعة قد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها"، وقبله قال "القرافي": "اعلم أنَّ الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها..."، موضحاً أنّ الرجل إذا كان هو سيد الأسرة والمسؤول عنها فعليه أن يكون عادلاً في تعامله معها، ويرعى حقوقها وواجباتها، ومن المؤسف ما نراه اليوم من كثير من الرجال الذين يسيؤون فهم معنى القوامة ويتخذونها سيفاً على رقبة المرأة، كل ذلك بحجة الخوف من ذريعة الوقوع في المحرم. وأشار إلى أنّه لا يعنى وجود (القيّم) في مؤسسة ما إلغاء وجود شخصية أخرى فقوامة المرأة في بيت زوجها لها، فهي مسؤولة عن بيتها وأبنائها ومال زوجها، فمعنى القوامة ليس السطوة والاستبداد ولكنها قوامة الالتزامات والمسؤوليات، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة، ولا تعني تفضيل الرجل على المرأة بحال من الأحوال.